المكوكية الأميركية تعيد الكرة إلى ملعب لبنان

المكوكية الأميركية تعيد الكرة إلى ملعب لبنان

الكاتب: روزانا بو منصف | المصدر: النهار
27 آب 2025

في زيارة الموفد الأميركي توم براك لبيروت مع مورغان أورتاغوس في 18 آب، خرج من قصر بعبدا ليعلن أنه “دور إسرائيل في التحرك بعد إعلان لبنان التزامه نزع سلاح “حزب الله”. وقال: “هناك دوما مقاربة تستند إلى مبدأ خطوة بخطوة، لكنني أعتقد أن الحكومة اللبنانية قامت بدورها، لقد خطت الخطوة الأولى. ما نحتاج إليه الآن هو أن تلتزم إسرائيل خطوة موازية”.

أمس في 26 آب، وبعد زيارة قام بها لإسرائيل، خرج ليعلن انتظار إسرائيل خطة الجيش اللبناني لإقناع الحزب بنزع سلاحه لكي تبني على الشيء مقتضاه وتقابل لبنان بخطوة مقابلة. هناك تراجع في الموقف الأميركي نتيجة عدم القدرة على إقناع إسرائيل بالموافقة على المقترحات الأميركية وربطها بأي تقدم تدريجي إذا أحرز الجيش اللبناني تقدما نحو نزع سلاح الحزب. لا بل هناك تبنّ اميركي للموقف الإسرائيلي وتحول ديبلوماسي رد الكرة إلى الملعب اللبناني. وما قاله براك وأورتاغوس، بدا لا يقل حزما عما قاله السيناتور الأميركي ليندسي غراهام القريب جدا من الرئيس الأميركي دونالد ترامب والمؤثر من موقعه في لجان الكونغرس للقوات المسلحة وسواها، ومفاده أنه “من دون نزع سلاح حزب الله ستكون مناقشة الانسحاب مع إسرائيل بلا جدوى”.

هذا هو جوهر الموضوع، فيما الدولة اللبنانية تواجه بذلك مأزقا على خلفية التشجع بكلام براك سابقا والإيحاء بقوة وفقا لذلك بأن الحكومة اللبنانية لن تنفذ الاقتراح الأميركي لنزع السلاح حتى توافق إسرائيل على الاقتراح الأميركي.

وكانت إسرائيل أبدت على نحو استباقي قبل وصول الموفد الأميركي إلى بيروت تجاوبها مع المسعى الأميركي من أجل تنفيذ الورقة الأميركية باشتراطها القيام بخطوات من جانب لبنان، قائلة إنه إذا قامت “القوات المسلحة اللبنانية بالخطوات اللازمة لنزع سلاح “حزب الله” فستقوم إسرائيل باتخاذ تدابير متبادلة، بما في ذلك خفض تدريجي للوجود العسكري الإسرائيلي بالتنسيق مع الآلية الأمنية التي تقودها الولايات المتحدة”. لكنها فخخته أيضا بزعمها الاتجاه إلى “دعم لبنان” في نزع سلاح الحزب، وهو تعبير يساهم استخدامه في توريط الدولة اللبنانية لمصلحة إعطاء الحزب ورقة إضافية بأن تنفيذ نزع سلاحه هو تنفيذ لـ”مؤامرة أميركية – صهيونية”.

يخشى أن يكون ذلك زاد الأزمة تعقيدا، بالإضافة إلى تحول ملف سلاح الحزب وفقا لكل العوامل المتضافرة حوله أكثر فأكثر إلى ورقة من أوراق المساومة الإقليمية، وهذا جانب آخر مهم من الأزمة. فاعتبار الموفدة الأميركية مورغان أورتاغوس أن “حزب الله وأمينه العام نعيم قاسم لا يمثلّان اللبنانيين، وأنّهما يمثّلان قوى خارجية هي إيران”، يرضي غرور إيران بقوة في هذه المرحلة التي تسعى فيها إلى توظيف ورقة الحزب واستخدامها في مفاوضاتها المحتملة مع الولايات المتحدة، من خلال الإثبات أن زيارة أمين المجلس الأعلى للأمن القومي الإيراني علي لاريجاني بيروت أعطت ثمارها بهذا المعنى. فيما خطابات الأمين العام لـ”حزب الله” نعيم قاسم تعطف على الموقف الإيراني المتشدد إزاء “إقناع” الحزب بنزع سلاحه أو قدرة الدولة على ذلك، بعدما رسم سقفا مرتفعا جدا وأكد أنه لن يسلم سلاحه حتى توقف إسرائيل عملياتها وتنسحب من جنوب لبنان وصولا إلى إعادة الإعمار، فيما المفتاح الفعلي في يد إيران.

والديبلوماسية لا تكون بإطلاق المواقف في وسائل الإعلام، بل وراء الأبواب المغلقة. وقد تردد أن براك نقل من إسرائيل عزمها على الموافقة على الانسحاب من عدد من المواقع التي تحتلها في جنوب لبنان ووقف الغارات الجوية على نحو تدريجي بعد الاطلاع على خطة الجيش اللبناني وبدء التنفيذ. في المقابل، يتم تأكيد مسار عدم إمكان العودة إلى الوراء باستمرار تأكيد رئيس الجمهورية ورئيس الحكومة التزام ما اتخذته الحكومة من قرارات حول حصر السلاح، والدفع قدما من جهة الأميركيين في شكل خاص بآلية محتملة يتم التلويح بها لإعادة الإعمار ونقل الجنوب في شكل خاص إلى واقع آخر. وهذا ليس جديدا كليا، وطرح من ضمن الإغراءات لوقف حرب الإسناد قبل أن يضطر الثنائي الشيعي إلى الموافقة على اتفاق لوقف النار في 27 تشرين الثاني الماضي.

لم تعد زيارة الموفدين الاميركيين تقتصر على بضع ساعات في لبنان كان يختطفها الموفد السابق آموس هوكشتاين مثلا من ضمن الضرورات القصوى، بل باتت بيروت محطة مريحة ومطمئنة لهؤلاء لأيام، على نحو يعكس المتغيرات الكثيرة التي باتت واقعا، ما يشكل رسالة في اتجاهات متعددة.