بين التأجيل والتهديد: عين التينة تُحذّر وحارة حريك ترسم خطوط الصدام!

بين التأجيل والتهديد: عين التينة تُحذّر وحارة حريك ترسم خطوط الصدام!

الكاتب: كارين القسيس | المصدر: هنا لبنان
27 آب 2025

يقف لبنان على حافة هاوية خطيرة، مفترق طرق لا يحتمل التردّد أو المماطلة، فإمّا أن تُظهر القوى السياسية مسؤوليتها الحقيقية بضبط إيقاع الخلافات، والمضي قُدمًا نحو تحصين الجبهة الداخليّة، وإمّا أن تستمر لعبة الشارع والتجاذبات العقيمة التي تُهدد بانفجار اجتماعي وأمني مدوٍ.

برز في الساعات الأخيرة حديث عن تحرّك عمّالي كانت تُعدّ له قوى من “الثنائي الشيعي”، لكنّه تأجّل في اللحظات الأخيرة. وعلى الرّغم من أنّ هذا التأجيل قد يبدو تقنيًا أو ظرفيًا للبعض، فإنّه يحمل، في نظر المراقبين، مؤشّرات خطيرة، إذ تُثار مخاوف جدّية من انزلاق لبنان نحو مشهد شارعَيْن متقابلَيْن، وتحوّل الصراع من مواجهة مع إسرائيل إلى صراع داخلي لبناني – لبناني، ما يُعيد إلى الأذهان سيناريوهات الانقسام الحاد والتوتّر الأهلي، في مرحلة دقيقة لا تحتمل المزيد من الاحتقان.

وفق معلومات حصرية لـ”هنا لبنان” من مصادر مقربة من عين التينة، فإنّ التحرّك الذي كان مقرّرًا اليوم الأربعاء من قِبل “الثنائي الشيعي” قد تمّ تأجيله، بناءً على اتصالاتٍ مكثّفةٍ جرت مع رئيس مجلس النواب نبيه بري، من قبل جهات سياسيّة رفيعة المستوى، موضحةً أنّ الرسالة الأساسيّة من هذا التحرّك كانت التأكيد على وجود “خطوط حمراء” لدى “الثنائي”، واستعداده للنزول إلى الشارع في الوقت المناسب.

ولم يُحدّد حتى الآن موعد جديد للتحرّك، إذ اقتصر الأمر على تأجيله إلى إشعار آخر، وتنفي المصادر بشكلٍ قاطعٍ ما يُتداول على مواقع التواصل الاجتماعي حول تأجيله إلى الثاني من أيلول، تزامنًا مع انعقاد الجلسة الحاسمة.

وتصف المصادر ما يسمّى بـ”لعبة الشارع” بأنّها تحمل مخاطر كبيرة، مؤكدةً أنّها خيار مطروح لكنّه ليس الخيار الأول لـ”الثنائي الشيعي”، إذ يواصل الأخير العمل على خيارات سياسية أخرى، أبرزها الاستمرار في المشاركة الحكومية، والحوار مع رئيس الجمهورية جوزاف عون، ورئيس الحكومة نوّاف سلام.

وترى المصادر أنّه لا يمكن لأي طرف استباق مضمون خطة الجيش اللبناني أو توقّع ردود الفعل عليها قبل صدورها، كاشفةً أنّ قائد الجيش، العماد رودولف هيكل، أكّد في لقاءاته الأخيرة مع المسؤولين اللبنانيين، ومن بينهم “الثنائي الشيعي”، أنّ “الجيش” لا يعتزم الدخول في مواجهة مع اللبنانيين، ولا ينوي نزع السلاح بالقوة، ومشيرةً إلى أنّ الخطة المنتظرة ستتضمّن تفاصيل لوجستية وسياسية تشمل التفاهم السياسي ومدى قدرة الجيش على التنفيذ من حيث العُدّة والعديد والموارد.

كما توضح المصادر المُقرّبة من عين التينة أنّ الصراع السياسي لا يزال مستمرًا ويتجه نحو المزيد من التصعيد، لافتةً إلى أنّ الزيارة الأميركيّة الأخيرة ستُعمّق الانقسام القائم حول ملف السلاح، ففي حين يرى فريق أنّها مثّلت خطوةً إيجابيّةً إلى الأمام، يعتبر آخرون أنّها جاءت لنسف “الورقة الأميركيّة” عبر الطرح الإسرائيلي الذي عبّر عنه رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، وبعض أعضاء الكونغرس الأميركي، الذين يربطون أي انسحاب إسرائيلي من لبنان بتسليم “حزب الله” سلاحه، وهو ما يتعارض مع ما كانت تأمله الدولة اللبنانية من خلال تلك الورقة، بحسب المصادر.

وتشدّد على أنّ الأزمة السياسيّة مرشّحة للتفاقم في المرحلة المقبلة، في ظلّ غياب التوافق الداخلي حول مقاربة ملف السلاح، فبينما لا يثق خصوم “حزب الله” بجدّية الخطر الإسرائيلي، ويعتبرونه تهديدًا عابرًا، يتمسّك الفريق الآخر بضرورة تنفيذ الاتفاقات السابقة قبل الدخول في أي اتفاق جديد، ثم الانطلاق في حوار وطني حول استراتيجية الأمن الوطني.

وتكشف المصادر أنّ حركة أمل لا تُوافق على كل ما يقوم به “حزب الله” في هذا الملف، وهي تُبدي تذمّرها في الكواليس من انفراد “الحزب” باتخاذ معظم القرارات الكبرى من دون تنسيقٍ فعليّ معها، وهو ما يعكس تباينًا داخليًا قد تظهر ملامحه بشكلٍ أوضحٍ في المرحلة المقبلة.

وتُتابع أنّ هاتَيْن الرؤيتَيْن ستبقيان قائمتَيْن في البلاد، معتبرةً أنّ المرحلة المقبلة ستكون حاسمةً على صعيدين، أولًا، موقف الدولة اللبنانية الرسمي، خصوصًا أنّ الرئيس عون سبق أن تعهّد بأنّه في حال لم يصدر موقف إسرائيلي واضح بشأن الورقة الأميركيّة، فسيُعتبر لبنان في حلّ من التزاماته تجاهها، وثانيًا، مضمون خطة الجيش اللبناني وكيفية مقاربتها لهذا الملف الحسّاس.

وتختم المصادر حديثها بالتأكيد على حرص “الثنائي الشيعي” على عدم تحوّل الأزمة مع إسرائيل إلى أزمةٍ داخليةٍ لبنانيةٍ، مشددةً على أنّ هذا الحرص لا يكفي إذا لم تلتزم الأطراف الأخرى بالمبدأ نفسه. كما حذّرت من وجود جهات تسعى إلى دفع الجيش و”حزب الله” نحو صدام مباشر، على الرغم من رفض الطرفين لهذا السيناريو، وبالتالي، فإنّ الأيام المقبلة ستُظهر ما إذا كانت تلك الجهات ستواصل مساعيها لزعزعة الاستقرار الداخلي، أم لا، معتبرةً أنّ هذا التحدّي الأساسي الذي يواجه لبنان اليوم.

في ظلّ هذا المشهد المعقّد، يقف لبنان على حافة هاوية خطيرة، مفترق طرق لا يحتمل التردّد أو المماطلة، فإمّا أن تُظهر القوى السياسية مسؤوليتها الحقيقية بضبط إيقاع الخلافات، والمضي قُدمًا نحو تحصين الجبهة الداخليّة، وإمّا أن تستمر لعبة الشارع والتجاذبات العقيمة التي تُهدد بانفجار اجتماعي وأمني مدوٍ، في وقتٍ لم يعد فيه اللبنانيون يملكون أدنى ترف للمغامرة أو العبث بمصيرهم، فمسؤوليّة اللحظة لا تسمح إلّا بلغة الحوار والعقلانية، والابتعاد التامّ عن أي سلوك يُعيد إنتاج سيناريوهات الانقسام التي جرّت البلاد إلى أتون الفوضى والدمار لعقود.