
محاربة الفساد محصورة بين المسيحيين والسنّة
يضجُّ لبنان بالسلاح! سلاحٌ غير شرعي مع “حزب الله”، سلاحٌ غير متطور وغير قادر على صدّ العدوان مع الجيش اللبناني، سلاحٌ خيَّمَ لسنوات وسنوات في مخيّماتٍ فلسطينية، وسلاحٌ إسرائيليّ متطور قاتل دقيق ومدعوم أميركيًا ودوليًا.
كل هذه الأسلحة وعلى أهميتها لا تقل خطورة عن سلاح الفساد الذي ضرب ولا يزال العمود الفقري للدولة اللبنانية. ولكي لا يحدّثني جاهلٌ من هنا ومفتنٌ من هناك بالطائفية، فلنقم بمراجعة ولو بسيطة تاريخيًا لتطور مراحل الفساد الإداري والانتخابي في لبنان في مرحلة ما بعد الطائف، ليتبيّن لنا أن النظام السياسي في مرحلة ما بعد الطائف وُضع تحت إدارة رئيس مجلس النواب نبيه برّي حيث شكّل بالتعاون مع الرّئيس السابق للحزب “الإشتراكي” وليد جنبلاط “ثنائي تقاسم الحصص” من المدراء العامين حتى المياومين. وكانت الدولة اللبنانية عبر خزينتها تتكفّل بتحقيق ما يطلبه المشرّعون وبقرار من عين التينة.
يومها كان “حزب الله” غير آبه للمحاصصات، وكان رئيس الحكومة الأسبق الشهيد رفيق الحريري مشغولًا بصورة لبنان في الخارج واستمرت الحال على ما هي عليه حتى عودة الرّئيس السابق ميشال عون من منفاه الباريسي وبدأت الصفقات تنمو شيئًا فشيئًا بين وريث عون السياسي النائب جبران باسيل وبعض المقرّبين من رئيس الحكومة الأسبق سعد الحريري من جهة و “الثنائي الشيعي” من جهة أخرى مع حفظ حق النائب جنبلاط .
أتت ثورة 17 تشرين ودمّرت صورة باسيل السياسية كما قضت على الحريرية السياسية من حيث لم تقصد، وأتى بعد الثورة عهد جديد يحمل البشائر للبنانيين محصّنًا بخطاب قسم تاريخيّ ورافقه رئيس حكومة يمثّل نبض اللبنانيين مع بيانٍ وزاريّ يمثّل رؤية الشباب اللبناني الحالم.
ومع العهد الجديد انطلقت محاربة الفساد وتحصين القضاء وإعادة الحقوق إلى أصحابها، فبطشت أولًا بالمسيحيين من بوابة “كازينو لبنان” في موقف أثار تساؤلات كبيرة حول أهداف توقيف مدير عام كازينو لبنان رولان خوري. وعلى الرغم من عدم وجود أدلة تُدين الموقوفَين في ملف الكازينو إلا أن اللبنانيين سلّموا إلى القضاء أمرهم وينتظرون حكمه مؤمنين بأن لا ظلم سيلحق بهم في عهد الرّئيس جوزاف عون.
بعد الكازينو توجّهت الأنظار إلى الشارع السنّي، واذا تجاوزنا عمدًا ملفات الكثيرين من المتهمين إعلاميًا وقضائيًا، فلا يمكننا تجاهل قضية الدكتور سالم عيتاني رئيس مجلس إدارة “تاتش” والذي سيتم استبداله بمرشّح شيعيّ وعلى قاعدة التشفّي السياسي وفي عهد رئيس حكومة بيروتيّ الهوى بات يعلم بأنّ الشارع السنيّ يغلي وأن الأمور قد تتجه نحو الاسوأ.
وعلى الرغم من شعور السنّة في لبنان أنهم مستضعفون وأن الرسائل واضحة بمحاولة الاقتصاص السياسيّ، إلا أن الجميع رضخ للقانون الذي لا يزال آخذاً مجراه. حتى قبل هاتين الحادثتين تم توقيف حاكم مصرف لبنان السابق رياض سلامة وهي خطوة أتت ظالمة في وقت لم يستطع القضاء توقيف أي متورط سياسي أو غير سياسي بملف أموال المودعين، فشكّل توقيفه إحباطًا لبنانيًا واضحًا من إمكانية تحقيق أي تقدم في ملف الأموال الضائعة بين جيوب السارقين، معتبرين أن السلطة السياسية ستلصق التهمة بسلامة وتقفل الملف.
وعلى الرغم من ذلك، لا نزال نؤمن بدور القضاء وبقدرته على حماية اللبنانيين ولكن يسأل سائل: منذ الطائف حتى اليوم أكثر من 45 عاماً لم تجد السلطتان القضائية والسياسية شيعيًا واحدًا يجب استدعاؤه إلى التحقيق؟ من مدراء عامين إلى متعهدين كبار إلى موظفي الفئة الأولى إلى وزراء متّهمين ومحصّنين إلى نواب الحاكم إلى ضباط حاليين وسابقين إلى إلى إلى!
أي قضاء لا يزال خائفًا من “حزب الله” وغير آبه للطوائف الأُخرى، ولماذا لا يزال الوزراء الشيعة والنواب المطلوبون إلى التحقيق في جريمة تفجير المرفأ غير آبهين بقرارات القضاء؟ كيف يمكن وضع منع سفر لأي متهم بملف فساد ووزراء المال المتعاقبون غير مسؤولين عن هدر المال وسرقة أموال المودعين؟ وليس السؤال هنا من مبدأ 6 و 6 مكرّر بل من مبدأ التعامل مع المواطنين حسب القانون وليس حسب الطائفة ومنع تلطّي أي متّهم خلف طائفته وقدسية مشروعها المفترض، وعليه يجب على القضاء التعاطي مع ملف الفساد في لبنان بكل تفاصيله وتشعباته منذ انطلاقه حتى اليوم كي لا نظلم كثيرين على حساب بعض المحصّنين سياسيًا دينيًا أو ربما إلهيًا.