
الوفد الأميركي في بعبدا: أجوبة حاسمة أم مأزق أعمق للبنان؟
يفترض أن تكون عودة الموفدين الاميركيين توم براك ومورغان أورتاغوس إلى بيروت على مستوى ما في جعبة براك من أجوبة حاسمة على ورقة الأهداف التي أقرها مجلس الوزراء في الخامس من آب الحالي. فالزيارة تأتي في لحظة يترقّب فيها لبنان ما ستقوله إسرائيل عبر براك، وما إذا كانت تل أبيب مستعدة لتلقّف ورقة الأهداف الأميركية التي أقرّها مجلس الوزراء اللبناني، أو أنها ستربط أي إنسحاب من الجنوب بشروط تعجيزية تتعلق بسحب سلاح حزب الله شمال الليطاني، التي أعطى رئيس الوزراء الاسرائيلي بنيامين نتنياهو إشارات ممهدة لها. كذلك، يفترض أن يكون براك عاد من دمشق بمؤشرات مرتبطة بمستقبل العلاقة اللبنانية ـ السورية، بعد مباحثاته هناك في ملف لبنان والملفات الشائكة ذات الصلة. وتتزامن زيارة براك وأورتاغوس لبعبدا مع زيارة السيناتورين ليندسي غراهام وجاين شاهين الاستطلاعية، والتي تحمل بعداً عملياً يتعلق بمصير المساعدات الأميركية للبنان ولجيشه، وأيضاً بقرار التجديد لقوات اليونيفيل، بحسب ما كشفت مصادر مطلعة على جدول أعمال المباحثات لـ”المدن”.
بهذا المعنى، تبدو الزيارة بمثابة إختبار مزدوج للبنان وللولايات المتحدة: إختبار لما سيحمله الموفد الأميركي من أجوبة إسرائيلية وسورية، وإختبار لقدرة الدولة اللبنانية على بلورة موقف واضح يوفّق بين تثبيت سيادتها وتعزيز شراكتها مع المجتمع الدولي، في ظلّ أزمات داخلية متشابكة.
ترقّب الموقف الإسرائيلي
وسط كل ما سبق من أجواء وتسريبات وتصريحات، لا يعتزم رئيس الجمهورية جوزاف عون أن يقدّم جديداً جوهرياً في لقائه مع الجانب الاميركي. وبحسب المعلومات، هو يفضّل الاستماع إلى ما سيحمله توم براك من أجوبة، بعد إجتماعاته مع الجانب الاسرائيلي من بنيامين نتنياهو، إلى رون ديرمر، فجدعون ساعر. لبنان ينتظر معرفة موقف إسرائيل من ورقة الأهداف الأميركية، لكن المؤشرات الأولية لا توحي بإيجابية. فنتنياهو أعلن أنّ المطلوب من لبنان خطوات إجرائية ملموسة بعد إقرار الورقة، فيما سرّبت معطيات غير رسمية عن أنّ تل أبيب تضع شروطاً قاسية للانسحاب من الجنوب، إذ تعيد النقاش إلى المعضلة الأساسية: من يسبق الآخر، تسليم حزب الله لسلاحه أم إنسحاب الجيش الإسرائيلي؟ وبحسب الانطباعات الأولية، فإنّ الأجوبة غير مشجّعة، ما سيدفع الرئيس عون إلى إعادة تأكيد الموقف اللبناني، والتشديد على أنّه في حال عدم تبدل الموقف الإسرائيلي، فلن يكون مؤكداً حصول تقدم في تنفيذ ورقة الاهداف الاميركية التي أقرها مجلس الوزراء.
البعد السوري للزيارة
الشق الثاني من مهمة براك يرتبط بدمشق، حيث يخشى أيضاً ألا يحمل أجوبة واضحة أو إيجابية من الجانب السوري. ورغم إحتمال أن يكون الموقف السوري أكثر ليونة بسبب عدم وجود حالة عداء مع لبنان، فإنّ الملفات العالقة تبقى شائكة. فدمشق تتمسّك بموضوع السجناء السوريين والتنسيق الأمني ولا تعكس موقفاً واضحاً من الملفات، فيما يشدد لبنان على أربعة ملفات أساسية وهو سيطرحها مع الوفد الاميركي كما في خلال لقائه مع الوفد السوري الذي يزور لبنان الخميس المقبل، وهي:
1. ضبط الحدود ومنع تسلّل مجموعات مسلحة متطرفة.
2. مكافحة تهريب المخدرات والأشخاص وكل أشكال التهريب.
3. وضع خارطة طريق عملية لعودة النازحين السوريين، رغم غياب موقف رسمي سوري مشجّع على إنهاء هذا الملف.
4. معالجة ملف السجناء السوريين، إذ يبدي لبنان إستعداداً لتسليم الذين لا شبهة جنائية أو إرهابية عليهم، لكنه يرفض تسليم الإرهابيين ومرتكبي الجنايات الخطرة.
زيارة غراهام وشاهين: دعم الجيش واليونيفيل
أما زيارة السيناتور غراهام وشاهين فتأتي بصفة إستطلاعية، في ضوء الدور المباشر للكونغرس في المساعدات الأميركية للبنان وللجيش خصوصاً. غراهام، المعروف بقربه من الرئيس دونالد ترامب ومن توم براك، يتمتع بنفوذ قوي في الكونغرس، ما يرفع من أهمية هذه الزيارة. وفي معلومات “المدن”، سيعرض الرئيس عون بشكل مفصل أمام وفد الكونغرس الحاجة الملحّة إلى إستمرار دعم الجيش لتمكينه من أداء مهامه، وإستكمال إنتشاره في الجنوب وعلى طول الحدود مع فلسطين المحتلة، وهذا لا يمكن أن ينجز في خلال عام. كما سيشدّد على خطورة إلغاء وجود اليونيفيل ويؤكد على ضرورة تجديد ولايتها لثلاث سنوات على الأقل، بما يتيح استكمال انتشار الجيش على طول الحدود الجنوبية بالتوازي مع إنسحاب جيش الاحتلال الاسرائيلي.
سيركّز رئيس الجمهورية على أنّ أهمية اليونيفيل لا تقتصر على مواكبة إنتشار الجيش فحسب، بل تتعداها إلى توفير غطاء دولي للبنان، وتعزيز الاستقرار الأمني والاجتماعي والصحي والاقتصادي في الجنوب. فبرأي بعبدا، من غير الممكن للجيش أن يتسلّم وحده المهام الكاملة جنوب الليطاني وعلى الحدود مع فلسطين المحتلة خلال عام واحد، في ظل تعقيدات الميدان. كما سيضع الرئيس ضيفيه في صورة التحديات المرتبطة بالملف السوري والعلاقة المستقبلية مع دمشق على قاعدة الندية والوضوح.
توازنات الداخل
على خط الداخل، تواكب هذه اللقاءات الدولية إشارات إيجابية بين بعبدا وعين التينة، ظهرت من خلال تحرّك موفد رئيس الجمهورية العميد أندريه رحّال. لكن يبقى الرهان على ترجمة هذه الايجابية بزيارة يقوم بها رئيس مجلس النواب نبيه برّي لبعبدا إذا أراد، ويفتح الباب أمام إزالة السحب الملبدة التي ظلّلت العلاقة بين المقرّين. غير أنّ اللقاء الذي جمع رحّال برئيس كتلة الوفاء للمقاومة النائب محمد رعد، ورغم وصفه بالمقبول، كما تكشف مصادر مطلعة لـ”المدن”، فإنه لم يُحدث تغييراً في موقف حزب الله، ما يعني أنّ العلاقة بين الحزب ورئيس الجمهورية لم تعد بعد إلى طبيعتها السابقة.
في المحصّلة، يدرك رئيس الجمهورية أنّ ما ينتظره لبنان من زيارة الوفد الاميركي لن يكون سهلاً أو سريع المردود، لكنّ الرئيس يحاول أن يوازن بين الضغوط المتعارضة وأن يحافظ على مساحة للحوار تتيح للبنان أن يتجنّب الأسوأ. فبعبدا تعي خطورة الجمود في ملف الجنوب إذا ظلّ الموقف الإسرائيلي متصلّباً. كما تدرك حساسية الملف السوري وتشابكاته الداخلية والخارجية. وتعرف أنّ أي إهتزاز في وضع الجيش، أو في بقاء اليونيفيل قد يفتح الباب على فراغ أمني يصعب ملؤه. لذلك، يسعى الرئيس جوزاف عون إلى جمع الخيوط المتناقضة، بين الداخل والخارج، وبين واشنطن وتل أبيب ودمشق، وبين القوى اللبنانية نفسها، في محاولة لإخراج البلاد من المأزق وتثبيت موقعها على خريطة الاستقرار الإقليمي والدولي. إنها مهمة دقيقة، لكن نجاحها يبقى الخيار الوحيد لدرء الانهيار وحماية لبنان من منزلقات قد تكون أكثر خطراً.