
خاص – استهداف الدوحة رسالة أيضاً إلى “الحزب”
شكّلت عمليّة الاستهداف التي وجّهتها إسرائيل إلى قيادة “حماس” في الدوحة، نقطة مفصليّة في مسار الحرب التي بدأتها تلّ أبيب ضدّ كامل المحور الإيراني، والتي يقول نتنياهو إنّها ستستمرّ حتّى النهاية. فهذه العمليّة، وإن فشلت في اغتيال قيادات الحركة، إلّا أنّها اغتالت أيّ محاولة للتوصلّ إلى تسويات أو حلول في غزّة، وربّما في محاور أخرى.
وتزامن الهجوم مع التحضير لمناقشة الاقتراح الأميركي الذي قدّمه الموفد ستيف ويتكوف، وبعد حديث الرئيس دونالد ترامب عن أنّ “التوصل إلى اتّفاق لوقف النار في غزّة بات قريباً جدّاً”، حيث وجّه للحركة “الإنذار الأخير”. وقد أعلنت “حماس” استعداداها للجلوس إلى طاولة المفاوضات.
والإثنين، التقى رئيس وزراء قطر الشيخ محمد بن عبد الرحمن آل ثاني ممثلي “حماس” للتداول في اقتراح كان قدّمه ويتكوف الأسبوع الماضي في باريس. وقّرر ممثلو الحركة، وبعضهم وصل للتوّ من تركيا، الاجتماع مرّة أخرى الثلاثاء لمناقشة الاقتراح. ولكنّ إسرائيل، التي كانت على علم على الأرجح باجتماع المجموعة في الدوحة، اختارت شنّ هجومها.
ونقلت صحيفة “واشنطن بوست” عن مسؤول قطري أنّ الدوحة كانت تخشى وقوع هجوم، بعدما حذّر رئيس الأركان الإسرائيلي إيال زامير من أنه سيصل إلى قادة حماس المتبقين الموجودين في الخارج. وقد سعت قطر للحصول على ضمانات من “الموساد” ومن البيت الأبيض بأنّ مثل هذا الهجوم لن يحدث على الأراضي القطرية. ووفقاً للصحيفة، تمّ تقديم هذه التعهّدات، لكنّ الهجوم الذي وقع مثّل “مفاجأة كاملة”.
وعليه، فإنّ إسرائيل أرادت عبر توجيه الضربة من الأراضي القطرية إرسال رسائل في اتّجاهات عدّة، مفادها أن لا شيء يقف في وجه هدفها بالقضاء على الحركة في شكل كامل، حتّى أنّ نتنياهو استشهد بجملة من التوراة تقول: “سألاحق أعدائي وسأقضي عليهم”.
أولى الرسائل كانت موجّهة إلى الإدارة الأميركية. فقد أراد رئيس الوزراء الإسرائيلي إفهام الرئيس ترامب أنّ إسرائيل هي التي تقرّر متى تتوقّف الحرب، وليس الولايات المتّحدة. وهي غير مهتّمة بأيّ اقتراح لوقف النار في غزّة، حتّى لو أدّى إلى تسليم الرهائن جميعاً، الأحياء منهم والموتى. فالهدف أبعد من ذلك بكثير، وأبعد من القضاء على “حماس” أيضاً، وهو إنهاء الوجود الفلسطيني وتهجير السكّان وضمّ القطاع والضفّة أيضاً. وقد عبّرت إدارة ترامب عن استيائها من إبلاغها بالعملية في اللحظات الأخيرة، وأن ويتكوف عندما تمكّن من إخطار الدوحة، كانت الصواريخ تسقط.
أمّا الرسالة الثانية، فموجّهة إلى قطر كطرفٍ وسيط، ثمّ إلى تركيا ومصر لمنعهما من التفكير في الدخول على خطّ التوصّل إلى تسوية، وقطع الطريق على أيّ حلّ دبلوماسي لحرب غزّة. إذ يعتقد نتنياهو أنّ الموضوع يجب أن يُحسم عسكريّاً وليس عن طريق السلام، لأنّه يريد “انتصاراً” كاملاً.
والرسالة الثالثة، هي أنّ إسرائيل غير مهتمّة الآن بعمليات السلام والتطبيع، وأنّ الأولوية هي للميدان. وأدّت هذه الضربة التي حصلت على الأراضي القطرية إلى إشعال موجة من الشجب في الدول العربية. وهذا ما يبعد احتمالات حصول أي اتّفاق سلام في وقت قريب مع السعودية مثلاً، التي دانت “الاعتداء الإسرائيلي الغاشم والانتهاك السافر لسيادة قطر”، محذّرة من “العواقب الوخيمة جراء إمعان الاحتلال الإسرائيلي في تعدّياته الإجرامية، وخروجه الصارخ على مبادئ القانون الدولي وجميع الأعراف الدولية”. كما أنّ الإمارات التي تربطها بإسرائيل اتّفاقية سلام، وصفت الهجوم بـ “السافر والجبان والمتهوّر”.
أمّا الرسالة الرابعة، فهي موجّهة إلى كامل المحور الإيراني، ومفادها أنّ إسرائيل ستفعل الشيء نفسه الذي تفعله في غزّة. وقد شبّه نتنياهو هجوم 7 تشرين بهجوم 11 أيلول في الولايات المتحدة، والذي تصادف اليوم ذكراه الرابعة والعشرون، قائلاً: “لدينا نحن أيضاً 11 سبتمبر خاصّ بنا. وأقول لقطر وكلّ الدول التي تأوي إرهابيين: إمّا ان تطردوهم أو تقدّموهم للعدالة، لأنّه إذا لم تفعلوا ذلك فسنفعله نحن”.
وما ينطبق على قطر، من منظار إسرائيل، ينطبق على لبنان. فإمّا أن تقوم الدولة بسحب سلاح “حزب الله”، أو أن تفعل إسرائيل ذلك بنفسها.