باخرة HAWK III توقع شبكة المزورين والقضاء يتوسع في التحقيقات

باخرة HAWK III توقع شبكة المزورين والقضاء يتوسع في التحقيقات

الكاتب: طوني كرم | المصدر: نداء الوطن
23 أيلول 2025

في ظل الأزمة المستدامة للطاقة، وجد لبنان نفسه في قلب فضيحة نفطية دولية تحمل أبعادًا سياسية واقتصادية وأمنية معقّدة، ما كانت لتكشف لو لم تشهد الوزارة نقلة نوعية مع الوزير جو صدي، وتبيان تمسكه بالقانون وإحالة أي شبهة مرتبطة بالوزارة إلى القضاء من أجل القيام بدوره وكشف حقيقتها.

فبعد أسابيع من التحقيقات المكثفة، أنهت النيابة العامة التمييزية تحقيقها الأولي في ملف الباخرة HAWK III التي دخلت المياه اللبنانية محملة بشحنة فيول روسي تم التلاعب بمستندات منشأها لإظهارها كمنتج تركي، في محاولة للالتفاف على العقوبات الدولية المفروضة على روسيا.

ووفق معلومات «نداء الوطن» فإن التحقيقات أثبتت وجود تزوير واضح في مستندات الشحنة، ما أدى إلى توقيف قبطان السفينة واثنين آخرين بينهم أحد مسؤولي الشركة المولج به التدقيق في بيانات الشحنة ومطابقة نوعية الفيول المستورد. ولا تقتصر ألاعيب التزوير على الباخرة HAWK III، فالنيابة العامة المالية وضعت يدها بالتوازي على ملف تضخيم أسعار النفط «الروسي» المستورد.

السفينة، التي ترفع علم بنما وتعمل لصالح شركة Sahara Energy المسجّلة في دبي، كانت قد رست في مرفأ الجية لتفريغ الشحنة لصالح وزارة الطاقة والمياه. وبحسب تقارير فنية صادرة عن خبير بحري كلفه النائب العام التمييزي القاضي جمال الحجار، فقد أبحرت السفينة من ميناء روسي قبل أن تتوقف لوقت وجيز في ميناء مرسين التركي، حيث جرى تعديل المستندات لإظهار أن الشحنة مصدرها تركيا.

لكن هذه المحاولة لم تصمد أمام الأدلة التقنية وتحليل بيانات تتبّع السفن، بالإضافة إلى اعتراف صريح من أحد أفراد الطاقم بأن الباخرة لم تفرغ حمولتها في تركيا، بل اكتفت بتحميل مازوت للتمويه، في خرق واضح للقيود المفروضة من قبل مجموعة السبع (G7) على الصادرات النفطية الروسية.

محاولة فرار فاشلة وتعقيدات قانونية

في تطور دراماتيكي، حاولت الباخرة الفرار من المياه اللبنانية بعدما أطفأت أجهزة التتبع الخاصة بها، إلا أن الجيش اللبناني اعترضها في عرض البحر، ونفّذ عملية نوعية أدت إلى توقيف كامل الطاقم المؤلف من 22 شخصًا. ويُعد هذا التطور مؤشرًا على تعاطٍ قضائي وأمني أكثر صرامة مع ملفات الفساد في قطاع الطاقة.

وفيما باشرت النيابة العامة المالية تحقيقات منفصلة في عقود استيراد النفط الروسي، خصوصًا لناحية التضخيم في الفواتير وتجاوز السعر المسموح به، تتقاطع المعطيات القضائية مع ما كشفه متابعون عن أن لبنان دفع مبالغ تصل إلى 70 % فوق السعر الحقيقي، (تتحقق النيابة العامة المالية من القيود)، ما سمح للتجار بتحقيق أرباح غير مشروعة وتجاوز العقوبات الدولية.

القضية لن تتوقف عند الباخرة. ووفق معلومات «نداء الوطن» فإن القضاء يتجه إلى توسيع مروحة تحقيقاته لتشمل جميع المعنيين باستيراد النفط إلى لبنان، والشركات الوسيطة المتورطة في الصفقة. وتكشف مصادر متابعة أن الشركة المورّدة حققت أرباحًا طائلة عبر بيع فيول روسي بأسعار منخفضة ثم تسويقه في لبنان بسعر مضاعف للأسعار العالمية، ما يفتح الباب أمام ملاحقات مالية وقضائية جديّة.

من جهتها، سارعت وزارة الطاقة والمياه إلى اتخاذ كل الإجراءات الضامنة لعدم المسّ بحقوق لبنان، مؤكدة أنها كانت قد أبلغت النيابة العامة فور ورود الشبهات، وأنها تحتفظ بكافة الضمانات المالية والتعاقدية لحماية المال العام. كما شددت الوزارة على أن قرار تفريغ الشحنة اتُّخذ لتجنّب العتمة الشاملة (Blackout) في البلاد، وبعد أن أصدر القضاء قرارًا أكّد بموجبه أن لا مانع أمام تفريغ حمولة الباخرة، مؤكدة أنها بانتظار ما يقرره القضاء في هذا الصدد.

خطر العقوبات… وجديّة التحقيقات

تمثل هذه القضية إحراجًا للبنان على الساحة الدولية، إذ تمس بشكل مباشر نظام العقوبات المفروضة على روسيا منذ اندلاع الحرب في أوكرانيا.

فالعقوبات لا تحظر استيراد النفط الروسي بشكل مطلق، لكنها تحدد سقفًا لسعره، وهو ما لم تلتزم به عمليات الاستيراد المشبوهة التي تُجرى عبر وسطاء وتحايل على منشأ الشحنة.

وتؤكد مصادر قانونية أن الجهات المتورطة، من شركات إلى أفراد، قد تُواجه ملاحقة دولية بتهمة التحايل على العقوبات، خاصة إذا ثبت أن التزوير تم عمدًا وبعلم مسبق من الجهات اللبنانية المعنية.

في ظل هذه التطورات، سيكون القضاء اللبناني أمام إثبات جديته في التصدي لخفايا الفساد في عقود النفط التي أبرمتها وزارة الطاقة خلال العقود السابقة، متخطيًا ملف استيراد النفط، أحد أكثر القطاعات استنزافًا للمال العام.