واشنطن على رأي واحد: لبنان يضيّع الوقت

واشنطن على رأي واحد: لبنان يضيّع الوقت

المصدر: نداء الوطن
23 أيلول 2025

انطلق قطار حل الدولتين الفلسطينية والإسرائيلية من قمة بيروت العربية في 27 آذار عام 1992 وحط رحاله أخيرًا في 22 أيلول 2025، أي أمس في نيويورك. استغرقت رحلة هذا القطار نحو 33 عامًا مسجلة مفارقتين تاريخيتين: الأولى، عندما منع رئيس قمة بيروت الرئيس إميل لحود، وبقرار من مرجعيته السورية بشار الأسد، الرئيس الفلسطيني ياسر عرفات من المشاركة في القمة ما اضطره إلى إلقاء كلمته من مقره في رام الله في فلسطين عبر الأقمار الصناعية لقناة الجزيرة القطرية.

والثانية، عندما منعت الولايات المتحدة الأميركية مشاركة الرئيس الفلسطيني محمود عباس من دخول أراضيها للمشاركة في أعمال الجمعية العامة للأمم المتحدة ما اضطره لإلقاء كلمته أمس عبر تقنية الفيديو.

 

لكن، وبالرغم من مشقات رحلة قطار الدولتين أنجز أمس ما وصفه المراقبون بهزيمة محور الممانعة التي دفع بالقضية الفلسطينية إلى الوراء لعقود خلت ومنع مسار «أوسلو» الذي تبناه عرفات عام 1993 من الذهاب إلى الأمام حتى وصلنا إلى مرحلة مارست فيها كل من السعودية وفرنسا الضغط السياسي لبلوغ حل الدولتين. ولو كان هذا المسار قد مضى إلى غايته منذ عقود بمعزل عن تدخل إيران، لكان بمستطاع الفلسطينيين تحصيل أكثر ما أتيح لهم اليوم عبر حل الدولتين في وقت تكاد تضيع فيه جغرافية الدولة الفلسطينية المنشودة بسبب سياسة الابتلاع التي تمارسها الدولة العبرية.

هجوم مفاجئ

ومن نيويورك إلى بيروت، كان الجديد المفاجئ في مواقف أطلقها أمس مبعوث الرئيس الأميركي توم برّاك، ما اعتبرته مصادر دبلوماسية عبر «نداء الوطن» بأنه رسالة إلى الحكومة اللبنانية وعودة الضغط الأميركي مجددًا بعدما تراجع بعد 5 و7 آب الماضي. ولفتت المصادر إلى أن برّاك هو صاحب العبارة الشهيرة «كلامكم منيح لكن تصرفاتكم صفر». وقالت إن الكلام لم يعد كافيًا. وقد عاد الأميركيون اليوم إلى اللغة السابقة نفسها على الرغم من اتخاذ الحكومة قرارات تاريخية لكنه يقول إنها لا تنفذ قراراتها .

لا ردّ رسميًا على برّاك

وسئل وزير الإعلام بول مرقص بعد انتهاء جلسة مجلس الوزراء برئاسة رئيس الحكومة نواف سلام مساء أمس في السراي عن كلام المبعوث الأميركي، فأجاب: «إن الجلسة كانت قطاعية تتعلق تحديدًا باستكمال درس الموازنة، وكان لا بد في بدايتها من الوقوف دقيقة صمت واستنكار والتأكيد على شجب الاعتداءات الإسرائيلية وشد الهمم باتجاه مزيد من الضغط على إسرائيل وعلى الدول الراعية لاتفاق وقف الأعمال العدائية». وأعلن مرقص أن الحكومة أقرّت موازنة عام 2026.

في المقابل، أثار رئيس الجمهورية العماد جوزاف عون في نيويورك تباعًا مع: رئيس وزراء أيرلندا مايكل مارتن، رئيس جمهورية سلوفاكيا بيتر بليغريني، رئيس فنلندا ألكسندر ستاب ورئيس وزراء لوكسمبورغ لوك فريدن، الوضع في الجنوب في ضوء استمرار الاعتداءات الإسرائيلية وآخرها مجزرة بنت جبيل، مشددًا على «ضرورة وقف هذه الاعتداءات». وشدد أمام هؤلاء الرؤساء على «الدور الذي يقوم به الجيش اللبناني جنوب نهر الليطاني في إطار تنفيذ القرار 1701». ولفت إلى أن «إسرائيل تعرقل استكمال انتشاره بسبب استمرار احتلالها التلال ومواصلتها الأعمال العدائية ضد القرى والمدنيين الجنوبيين»، مشيرًا إلى أن الحكومة ماضية في تنفيذ قرار حصر السلاح بشكل تدريجي».

تضييع الوقت

في سياق متصل، علمت «نداء الوطن» أن ثمة موقفًا موحدًا في كل من وزارتي الحرب والخارجية الأميركيتين وعند المبعوثين إلى دول الشرق الأوسط، هذا الموقف الذي يصل إلى حد اعتماد العبارات ذاتها، ومفاده أن الإدارة مصابة بخيبة الأمل من لبنان الرسمي وأن الأشهر التي مرت عنوانها «تضييع الوقت»، وأن واشنطن بدأت تميل إلى نفاد الصبر، وإلى إعطاء أذن صاغية لمن يعترض على دعم الجيش في حال لم تحصل خطوات كبيرة في ملف حصر السلاح. وتضيف المصادر هناك من يتحدث في واشنطن عن أن التوجه الاستراتيجي الأميركي قد يؤدي إلى تحول الفرصة الأخيرة إلى خطأ تاريخي من الجانب اللبناني ما لم تؤكد بيروت سيادتها وتحررها من عقود هيمنة الميليشيات.

وواشنطن لا تزال تتطلع إلى دوافع إيجابية لمساعدة لبنان، منها تمكين الدولة سياسيًا وأمنيًا والحد من النفوذ الإيراني ونشاط وكلائه «حزب الله». ولكن لبناء الثقة هناك حاجة حقيقية لبيان الأفعال. ولا ضير من أن تعمد الدولة اللبنانية إلى الإعلان عن نتائج أفعالها أول بأول. فالعقبات لا تزال قائمة، ولبنان لم يصل إلى شاطئ الأمان. كما أن الشكوك حول قدرة الجيش على تنفيذ مهامه الحساسة لا تزال موجودة.

باختصار، يُمثل الدفع الأميركي لتمكين الجيش اللبناني من تفكيك القدرات المسلحة لـ «حزب الله» نقطة تحول إيجابية، ما يمنح المؤسسات اللبنانية فرصة متجددة لاستعادة السيطرة، واستعادة الاستقرار المدني، وتوجيه البلاد نحو مستقبل سلمي ومزدهر.

الموقف السعودي والفرنسي

بدورها، أشارت مصادر مواكبة لـ «نداء الوطن» أن الكلام الذي أدلى به براك تميز بالجرأة لكنه في المضمون لا يختلف عن موقف المملكة العربية السعودية وفرنسا، ولفتت إلى أن باريس التي كانت مواقفها تتميز بالليونة تسير وفق ما ترسمه السياسة الأميركية وما ترغب به الرياض، وبالتالي هناك تنسيق أميركي أوروبي عربي في ما خص مطلب حصر السلاح والإصلاحات واستعادة الدولة لسيادتها.

ماذا قال برّاك؟

اعتبر برّاك في حديث تلفزيوني أن «الوضع في لبنان صعب جدًا ولدينا الآن مجموعة جيدة في السلطة، ولكن كل ما يفعله لبنان بشأن نزع سلاح «حزب الله» هو الكلام ولم يحدث أي عمل فعلي». ولفت إلى أن «الجيش اللبناني منظّمة جيدة ولكنه ليس مجهزًا بشكل جيّد»، وتابع: «إسرائيل لديها 5 نقاط في جنوب لبنان ولن تنسحب منها و«حزب الله» يُعيد بناء قوته وعلى الحكومة أن تتحمّل المسؤولية». وأضاف: «حزب الله» عدوّنا وإيران عدوّتنا ونحن بحاجة إلى قطع رؤوس هذه الأفاعي ومنع تمويلها». ولفت إلى أنه «خلال هذه الفترة تدفق إلى «حزب الله» ما يصل إلى 60 مليون دولار شهريًا من مكان ما»، وقال «اللبنانيون يظنون أن «حزب الله» لا يعيد بناء قوته لكنه يعيدها». وأكد برّاك، «لن نتدخل لمواجهة «حزب الله» سواء من خلال قواتنا أو من خلال القيادة المركزية الأميركية».

«ضوء أخضر» 

ولفتت المصادر الدبلوماسية إلى أن جوهر المسألة هو العودة مجددًا إلى الضغط الأميركي على الدولة اللبنانية من أجل تنفيذ قراراتها في ظل معلومات أميركية أن هناك تباطؤًا في التنفيذ وبالتالي، ما لم يصَر إلى تسريع الخطوات التنفيذية هذا يعني عودة على بدء ليس فقط أن تواصل إسرائيل ما تقوم به وإنما سنعطي الضوء الأخضر لإسرائيل للقيام بعمليات أوسع ولا تطلبوا منا خلاف ذلك».

سلام يتصدى

من جهة ثانية، وبعدما أثار موضوع إضاءة صخرة الروشة بصورة الأمينين العامين السابقين لـ«حزب الله» حسن نصرالله وهاشم صفي الدين في الذكرى السنوية الأولى لاغتيالهما، ردود فعل شاجبة ومستنكرة خصوصًا من نواب بيروت، أصدر رئيس الحكومة نواف سلام تعميمًا إلى جميع الإدارات والمؤسسات العامة والبلديات واتحاداتها والأجهزة المعنية كافة بشأن الالتزام بتطبيق القوانين التي ترعى استعمال الأملاك العامة البرية والبحرية والأماكن الأثرية والسياحية والمباني الرسمية والمعالم التي تحمل رمزية وطنية جامعة، وطلب فيه التشدد في منع استعمالها قبل الاستحصال على التراخيص والأذونات اللازمة. ولاحقًا أصدر «الحزب» بيانًا شكل تحديًا لتعميم سلام، دعا فيه إلى المشاركة في فعالية إضاءة صخرة الروشة بصورة نصرالله وصفي الدين الخميس في 25 الجاري.