هل صحيح تعتمد الأمم المتحدة ست قارات؟

هل صحيح تعتمد الأمم المتحدة ست قارات؟

الكاتب: طوني عطية | المصدر: نداء الوطن
11 تشرين الأول 2025

لا شيء يُضاهي الابتكارات الغريبة في السياسة اللبنانية، خصوصًا عندما تصدر عن الثنائي «أمل» و”حزب الله” و”التيار الوطني الحرّ”. إذ تتحوّل البدع إلى قواعد، والقارات إلى دوائر انتخابية. تعتبر هذه القوى أن توزيع المقاعد الستة المخصّصة للمغتربين وفق تقسيم قاري جامد، أمر طبيعي مألوف، وكأنه ترجمة تلقائية لخرائط مادة الجغرافيا المدرسية. لكن هذا التصنيف لا يرتكز على أي معيار إداري أو قانوني دولي. لا مكان له في علم الانتخابات أو في هندسة الأنظمة التمثيلية النيابية أو في حقل العلوم السياسية. فمفهوم «القارات الستّ» شبيه بخطوط الطول والعرض: تقسيم نظري ووهمي يُستخدم لأغراض أكاديمية أو جغرافية، كاحتساب التوقيت أو تحديد المناطق المناخية، من دون أن تترتب عليه أي مفاعيل سياسية أو تنظيمية في العلاقات الدولية أو في أنظمة التمثيل الديمقراطي.

في الواقع إن الجمعية العامة للأمم المتحدة وهي المرجعية العالمية في ما يخصّ التصنيفات الجغرافية والإدارية، لم تقم رسميًّا بتقسيم العالم إلى ست قارات، لا في أنظمتها، ولا في آليات التصويت، ولا حتى في توزيع المهام بين وكالاتها ومنظماتها. بل تعتمد تحديدات مرنة تتغيّر بحسب الغرض؛ فهناك تقسيمات إحصائية، وأخرى إدارية أو سياسية. ومن التقسيمات: أفريقيا، آسيا، أوروبا، أميركا اللاتينية ومنطقة الكاريبي (وتُدمج أحيانًا تحت مسمّى «الأميركيتين»)، أميركا الشمالية (تُدمج أحيانًا مع أميركا اللاتينية كـ «الأميركيتين»)، غرب آسيا (تُدرج أحيانًا ضمن آسيا)، أوقيانوسيا (تشمل في بعض الأحيان العديد من دول جزر المحيط الهادئ). وهنا كما قسمت القارة الأميركية حصل أيضًا تقسيم قارة آسيا وهي أكبر القارات. وبالتالي لو كان المطلوب سبع طوائف لكانت منطقة «غرب آسيا» غب الطلب. ومن بين التصنيفات السياسية المعتمدة في الأمم المتحدة، ما يُعرف بـ «مجموعة أوروبا الغربية ودول أخرى» (WEOG)، وهي تضم دولًا من أوروبا الغربية إلى جانب عدد من الدول مثل الولايات المتحدة، كندا، أستراليا ونيوزيلندا. هذا التصنيف لا يستند إلى الجغرافيا فقط، بل يعكس اعتبارات سياسية وتحالفات دولية فاعلة داخل هيئات الأمم المتحدة، ويُستخدم لتوزيع التمثيل والمقاعد في العديد من المؤسسات الأممية.

إلى جانب ذلك، برز خلال العقدين الأخيرين مصطلح MENA (الشرق الأوسط وشمال أفريقيا) في الخطاب السياسي والدولي، وهو يُستخدم بشكل واسع في الأوساط الأكاديمية، والمنظمات الدولية، ووسائل الإعلام، للإشارة إلى مجموعة من الدول التي تشترك بجملة من الخصائص الجيوسياسية والمصالح المتداخلة.

أما البنك الدولي مثلًا، فيعتمد تقسيمًا مختلفًا قائمًا على سبعة أقاليم جغرافية كبرى، يُستخدم في تقاريره وبرامجه التمويلية والتنموية، وهي: شرق آسيا والمحيط الهادئ، أوروبا وآسيا الوسطى، أميركا اللاتينية ومنطقة الكاريبي، الشرق الأوسط وشمال أفريقيا وأفغانستان وباكستان، أميركا الشمالية، جنوب آسيا، أفريقيا جنوب الصحراء.

يتضح من ذلك كلّه أن تقسيمات العالم غير مبنية بتاتًا على فكرة القارات الست. وهذا ما يؤكده أستاذ العلوم السياسية والشؤون الدولية الدكتور عماد سلامة، الذي شدّد على أن أي توزيع للمقاعد النيابية المخصّصة للمغتربين يجب أن يستند إلى معايير موضوعية وعلمية، وليس إلى تقسيمات جغرافية جامدة.

واعتبر في هذا الإطار، أن المسح السكاني والديموغرافي للمغتربين، يفترض أن يرتكز على معايير موضوعية، أبرزها حجم الجاليات اللبنانية وتمركزها في دول الانتشار. فبعض القارات تضم دولًا تشهد كثافة لبنانية عالية مقارنةً بغيرها، ما يفترض تمثيلها بأكثر من مقعد نيابي ولأكثر من طائفة.

علاوة على ذلك، فإن توزيع المقاعد بهذه الطريقة القارية قد يُخلّ بالتوازن الطائفي في التمثيل، ويُشعر شريحة واسعة من اللبنانيين في الخارج بالغبن والتهميش. فإذا خُصّص مقعد أستراليا على سبيل المثال، لطائفة واحدة كالموارنة، قد يشعر السنّة والشيعة والدروز بالإقصاء، ما ينعكس سلبًا على حماستهم للمشاركة في العملية الانتخابية. والأمر نفسه ينطبق على أفريقيا أو غيرها من القارات، إذا تمّ ربط كل قارة بطائفة واحدة.

والأخطر أن هذا الطرح يناقض جوهر القانون الانتخابي، الذي بُني على مبدأ تقليص حجم الدوائر واعتماد دوائر أصغر من المحافظة لتأمين تمثيل أكثر دقة وعدالة. فكيف يُعقل، في المقابل، أن تتحوّل قارة بأكملها، تمتد آلاف الكيلومترات وتضم عشرات الدول، إلى دائرة انتخابية واحدة؟ هذا التناقض يفرغ القانون من مضمونه، ويقوّض مبدأ التمثيل العادل الذي يفترض أن يكون في صلب أي نظام انتخابي ديمقراطي.