زيارة الشيباني المثقلة.. نقاط الاختلاف والاتفاق

زيارة الشيباني المثقلة.. نقاط الاختلاف والاتفاق

الكاتب: منير الربيع | المصدر: المدن
12 تشرين الأول 2025

مثلت زيارة وزير الخارجية السوري أسعد الشيباني على رأس وفد إلى لبنان تطوراً في مسار العلاقات بين البلدين. يعلن المسؤولون على جانبي الحدود نواياهم لتطوير العلاقات وتحسينها على قاعدة الندية ومن دولة إلى دولة، ومن ضمن الأطر الديبلوماسية والمؤسسات الرسمية، ولذلك تزامنت الزيارة مع الإعلان عن إلغاء المجلس الأعلى اللبناني السوري، والذي كان يُعتبر تطبيقاً لما أسماه حافظ الأسد ذات يوم بوحدة المسار والمصير.

 تلك هي الوحدة التي كانت تديرها سوريا سابقاً في لبنان وفق طريقة “الترويكا”. بينما في العهد الجديد ثمة إصرار على تجاوز هذه الترويكا، وهو ما تجلى في عدم طلب الشيباني موعداً للقاء رئيس مجلس النواب نبيه بري. وهنا سُجلت ملاحظات كثيرة، بين من اعتبر أن الشيباني يرأس وفداً تنفيذياً مما يعني أنه لا حاجة للقاء رئيس السلطة التشريعية ضمن الإطار المؤسساتي للعلاقة. بينما رأى آخرون في ذلك إشارة سياسية حول استمرار التباعد بين دمشق والثنائي الشيعي. لكن بعيداً عن الشكل، يبقى المضمون هو الأهم. 

غيوم تخيم على العلاقة بين البلدين

في الزيارة سجلت تفاهمات على نقاط واختلافات على نقاط أخرى. فبالمعاني السوسيولوجية والبسيكولوجية، لا تزال غيوم كثيرة تخيم على العلاقة، لا سيما أن رئيس الجمهورية جوزاف عون كان قائداً للجيش، وتحديداً قائداً للواء 12 الذي خاض أبرز المعارك ضد جبهة النصرة في جرود عرسال. أما الرئيس السوري أحمد الشرع فكان قائداً لجبهة النصرة. أصبح الرجلان رئيسي البلدين بعد كل التحولات التي حصلت، وهما محكومان في العلاقة مع بعضهما البعض وفي كيفية تحسينها وتطويرها. لا تزال هناك ترسبات كثيرة تؤثر على العلاقة. خلال زيارته إلى القصر الجمهورية وجه الشيباني دعوة لرئيس الجمهورية جوزاف عون لزيارة سوريا، فرد عون بالمثل داعياً الرئيس السوري احمد الشرع لزيارة لبنان. قال الشيباني لعون: “الرئيس الشرع ينتظر رؤيتك في سوريا”. ليجيب عون سريعاً:” أنا أنتظره في لبنان”. كان هذا الكلام في ختام الزيارة ووقوفاً، أمام خلال اللقاء فقد وجه الشيباني دعوة رسمية للزيارة ليرد عون بأنه مستعد لذلك بعد تفعيل العلاقات الديبلوماسية وإعادة تعيين السفراء وتطوير مسار العلاقات، حينها سيكون مستعداً لزيارة سوريا، كما أنه يريد من الشرع أن يزور لبنان. بحسب المعلومات فإن الزيارة كانت ايجابية نسبياً على الرغم من عدم الاتفاق على عدد من النقاط أبرزها آلية إطلاق سراح كل الموقوفين السوريين. طالب الوفد السوري بالعمل على إطلاق سراح كل الموقوفين السوريين، وخلال فترة قريبة، لكن المسؤولين اللبنانيين أبلغوا بأن ذلك غير ممكن لأسباب قضائية لبنانية ويجب ان تمر بإجراءات قضائية. 

عندها أصر وزير العدل عادل نصار على توقيع اتفاقية قضائية مشتركة، لكن ذلك يستوجب إصدار قانون في مجلس النواب، وستكون بحاجة الى وقت طويل، وهذه نقطة لا يتفق فيها نصار مع رئيس الحكومة واللجنة المشكلة لمتابعة ملف تطوير العلاقة مع دمشق، وعليه تم الاتفاق على وضع اتفاقية سريعة لا تحتاج الى مجلس نيابي.

شدد الشيباني على ضرورة الافراج السريع خلال ايام عن الموقوفين او بالحد الادنى عن 500 موقوف، في حين يؤكد لبنان إنه لا يمكن إطلاق سراح هذا العدد ويجب توزيعهم على مراحل وبأعداد أقل، وأن هناك مساراً قضائياً يجب ان يُتّبع. كما أن لبنان لا يزال يرفض تسليم موقوفين متهمين بالقتال ضد الجيش اللبناني، لكن الجانب السوري اعتبر أن هؤلاء سيتابعون محكومياتهم في سوريا.

 طلب الوفد السوري رفع الرسوم عن دخول مواطني البلدين الى اراضي الدولتين، وقد تم الاتفاق على الغاء دفع مبلغ الخمسين دولار لدخول السوري الى لبنان ودخول اللبناني الى سوريا. كما تم البحث في مسألة التعاون الاقتصادي وفتح الخطوط التجارية، وكان هناك اتفاق على تفعيل البحث حول انجاز ذلك. فيما طرح رئيس الحكومة نواف سلام مسألة تفعيل خطوط النفط والغاز الى طرابلس، وتفعيل خطوط التجارة والترانزيت. في هذا السياق، تشير المعلومات إلى أن دولة قطر كانت قد أبدت اهتماماً في الدفع قدماً نحو هذه المشاريع المشتركة وتمويلها، كما أن قطر كانت قد دخلت على ملف اللاجئين مع الاستعداد لتمويل إعادة حوالى 400 ألف لاجئ سوري إلى بلادهم والتكفل في توفير احتياجاتهم ومساكن لهم. 

عسكرياً، طالب السوريون باستعادة دبابات تم ادخالها الى لبنان بعد سقوط نظام الأسد، وقد تم الاتفاق على اعادة الدبابات والاسلحة، علماً ان الجيش اللبناني يؤكد ان هذه الاسلحة تعود للجبهة الشعبية-القيادة العامة، التي كان يتزعمها أحمد جبريل. كذلك جرى البحث في موضوع ضبط الحدود، وطالب السوريون بانسحاب الجيش اللبناني من اربع نقاط في جرود البقاع، تم الدخول إليها وتثبيت مراكز عسكرية له فيها بعد معركة عرسال عام 2014، فيما الجيش اللبناني يؤكد ان هذه الاراضي هي أراض لبنانية، فتم الاتفاق على معالجة هذه النقاط من خلال فتح مسار ترسيم الحدود، بما يتيح معالجة هذه النقاط.

 في هذا السياق، فإن وفداً سورياً سيزور لبنان يوم الثلاثاء المقبل برئاسة وزير العدل السوري مظهر الويس وذلك لاستكمال البحث في ملف الموقوفين وتسريع إطلاق سراح عدد منهم. ولدى مطالبة الوفد اللبناني بتسليم سوريين أو لبنانيين كانوا يقيمون في سوريا وجهت لهم اتهامات بتنفيذ عمليات اغتيال في لبنان، كان الجواب السوري بأنهم جاهزون لذلك ولكن لا يمتلكون المعلومات الكافية، خصوصاً أن نظام الأسد قد سحب كل داتا المعلومات. واعتبر الوفد السوري أنه لا يجب إدراج ملف الموقوفين السوريين وكأنه ملف للمقايضة على ملفات أخرى، وأشار المسؤولون السوريون إلى أنه في حال أراد لبنان فتح مثل هذه الملفات فبإمكان دمشق حينها المطالبة بتسليم ضباط محسوبين على النظام السابق وهم يقيمون على الأراضي اللبنانية.