
صبر الادارة الاميركية على لبنان ينفد… هل ينطق غراهام باسمه أو باسم إدارته؟
لم يكد السيناتور الجمهوري الأميركي ليندسي غراهام ينهي دعوته السلطات اللبنانية إلى توقيع معاهدة دفاع مع الولايات المتحدة على هامش زيارته بيروت قبل أسابيع، حتى أطلق موقفاً جديداً رأى فيه أن التطبيع بين إسرائيل ومنطقة الشرق الأوسط غير ممكن ما دام “حزب الله” جزءاً من المعادلة، مشيرا في تغريدة على منصة “إكس” إلى أن الشرق الأوسط “لا يمكن أن يكون طبيعياً بوجود الحزب لأنه جماعة إرهابية دينية متطرفة تلطخت يدها بدماء أميركيين وهي مكرسة لتدمير إسرائيل”، متوجهاً إلى دول المنطقة بالقول “إذا كنتم تريدون التطبيع، فعليكم نزع سلاح الحزب بطريقة أو أخرى”.
وبقطع النظر عن الخلفية التي تدفع السيناتور الأميركي إلى هذا الموقف، وهو معروف بدعمه المتطرف لإسرائيل، فإن كلامه على التطبيع وربطه بوجود “حزب الله” يطرح علامات استفهام حول ما إذا كان ينبع من موقف شخصي أو أنه يعبّر عن موقف إدارته، التي تختلف أساليب التعبير لديها، لكنها في الخلاصة تصب في هدف واحد يراعي المصلحة الإسرائيلية ويرى في وجود الحزب وسلاحه مصدر خطر وإرهاب.
قبل شهر من اليوم، كان لغراهام كلاماً عالي النبرة من بيروت على هامش زيارة وفد من الكونغرس الأميركي، حيث أطلق العنان لسلسلة من المواقف رسم فيها ما يشبه خريطة الطريق بين جزرة الفرص المتاحة وعصا الحرب الإسرائيلية المحتملة على لبنان.
فهو أثار ثلاث نقاط لا بد من التوقف عندها لفهم الخلفية التي حكمت تغريدته الأخيرة المتصلة بالتطبيع وربطه بنزع سلاح الحزب.
فقد مدّ جزرة “الفرصة النادرة” التي يمتلكها لبنان اليوم إذا ما واصل السير في طريق نزع من وصفهم بـ”الجماعات غير الحكومية”، لكنه ذهب بعد ذلك ليحذر من أن إسرائيل لن تنسحب من لبنان قبل نزع السلاح، وصولاً إلى إطلاق ما يشبه الإنذار بتساؤله عما يمكن أن تفعله إسرائيل قبل أن يقوم لبنان بنزع السلاح، في تهديد مبطن بالعودة إلى الحرب. لكن الموقف الأبرز تمثل في دعوته لبنان إلى إبرام معاهدة دفاع مع الولايات المتحدة من أجل ترسيخ الاستقرار وحماية التنوع الديني، رابطاً الاقتراح بالتزام لبنان نزع السلاح.
واللافت أن التصعيد التدريجي في مواقف غراهام يأتي مخالفاً للانطباع الذي خرجت به مراجع رسمية لبنانية بعد لقائها السيناتور الاميركي في بيروت، حيث كان واضحاً من كلامه أن بلاده ليست ضد الحزب إذا تحول إلى حزب سياسي لبناني من دون امتدادات أو أجندات أو ارتباطات خارجية، معرباً عن اقتناعه بأن المطلوب اليوم من السلطات اللبنانية تنفيذ قرارها حصر السلاح من دون أن يستجلب ذلك أزمة داخلية.
في ربط غراهام مسألة سلاح الحزب وخطره على المنطقة بملف التطبيع الذي تسعى إليه إدارة الرئيس دونالد ترامب، يظهر واضحاً أن كلام السيناتور الجمهوري لا يعبّر عن موقف شخصي حتى لو ذهب بعيداً في توصيفاته، وهو المعروف بعدائه الشديد لإيران وللحزب الذي يرى فيه الذراع الوحيدة الباقية لطهران في المنطقة. وهذا ما يفسر دعوته إلى نزع سلاحه، خصوصاً بعدما مضى نحو شهر على قرار الحكومة اللبنانية حصر السلاح ولم يتحقق أي تقدم أو خرق على هذا الصعيد. وكلام غراهام، معطوفا على كلام الموفد الأميركي توم براك الذي ذهب أبعد ملوّحا بعمل عسكري تقوم به إسرائيل ضد “حزب الله” إذا استمر العجز الرسمي عن نزع سلاحه، يشي بأن العد التنازلي للصبر الأميركي قد بدأ وأن الحكومة في لبنان مدعوة إلى تنفيذ التزاماتها قبل نفاد مرحلة التفهم، كما هو ظاهر من المواقف الأميركية للمتشددين في الإدارة، الحاملين العصا، بعدما بدأ يتكشف أن سياسة الجزرة لم تؤتِ ثمارها، وها هو صندوق النقد الدولي يعود خطوات إلى الوراء في الجانب المالي والاقتصادي في انتظار الالتزامات الإصلاحية للحكومة.