الأولويات الأميركية: “تدويل حصر السلاح” قبل دعوة تل أبيب إلى أي خطوة مقابلة

الأولويات الأميركية: “تدويل حصر السلاح” قبل دعوة تل أبيب إلى أي خطوة مقابلة

الكاتب: عباس صباغ | المصدر: النهار
31 آب 2025

غراهام تولّى تظهير الموقف الأميركي المتشدّد بما يُحقّق مصالح تل أبيب، واضعاً كرة السلاح الملتهبة بين أيدي اللبنانيين 

لم يتوقّع أحد أن يكون الخطاب الأميركي مغايراً للسياق الذي بدأ منذ تحلّل واشنطن من رعايتها لاتفاق وقف النار الذي دخل شهره العاشر، من دون أن تنفذ تل أبيب أي بند من بنوده. لكن ما حققته واشنطن من مكتسبات “مجانية” لحليفتها الأولى في المنطقة لم يكن منتظرا، ولا سيما بالسرعة التي تغيرت فيها الأولويات من خلال إعادة ترتيب بنود الورقة الأميركية والردود اللبنانية عليها.

لم يكن جديداً كلام عضو مجلس الشيوخ الأميركي السيناتور الجمهوري المتشدد ليندسي غراهام، على الرغم من وضوحه وانحيازه الصارخ إلى تل أبيب، عندما أعلن بعد لقائه مع الوفد الأميركي الرفيع الرئيس جوزف عون أن أي مطالبة لإسرائيل بخطوات هي غير ذات جدوى قبل نزع سلاح “حزب الله”، وقال حرفياً: “أي نقاش حول انسحاب إسرائيل سيكون بلا جدوى ما لم يُنزع سلاح الحزب”.

فالموقف الأميركي جاء مطابقاً، بل أكثر تشدداً من الموقف الذي أعلنه رئيس الحكومة الإسرائيلية بنيامين نتنياهو بعد لقائه السفير توم براك، حيث أبدى ترحيبه بقرار نزع سلاح المقاومة إلى درجة عرض المساعدة في نزعه، من دون أن يصدر أي موقف رسمي رافض أو مستنكر لهذا الكلام، وكذلك عدم التعليق على إقامة منطقة عازلة على الحدود الجنوبية لعدم تبلغ لبنان رسمياً بذلك.

غراهام المعروف بمواقفه المنحازة بالمطلق إلى تل أبيب، بلغ حد التلويح باستخدام السلاح النووي ضد غزة في منتصف أيار / مايو 2024 عندما استحضر قصف بلاده لليابان بالقنابل الذرية، ولم يكن جديداً عليه إطلاق المواقف الحادة ضد “حزب الله”، حتى باتت مسألة سحب السلاح تحت سيف التدويل.

وبمواقفه من بيروت، كشف عن مسار مغاير تماماً لاتفاق وقف النار الذي رعته واشنطن وباريس والتزمه لبنان كلّيا، بحسب الوقائع الميدانية وتأكيدات عون والمسؤولين اللبنانيين. وأعاد السيناتور الجمهوري إلى الواجهة تظهير وجهة النظر الإسرائيلية في تطبيق بنود الاتفاق، وهذا ما تمارسه منذ فجر 27 تشرين الثاني / نوفمبر الفائت حيث تواصل اعتداءاتها اليومية بعدما دمرت معظم بلدات الحافة الأمامية، وخصوصاً بعد بدء سريان الاتفاق، ونفذت قرابة الـ700 غارة على لبنان بينها نحو 250 بهدف القتل، وأدت حتى تاريخه إلى استشهاد 256 شخصاً وإصابة أكثر من 530 آخرين.

تلك الاعتداءات غابت كليا عن السردية الأميركية التي وضعت الكرة في ملعب اللبنانيين، وإن كان براك قال إنه “يجب إقناع الحزب بتسليم السلاح”. ولكن في الوقت نفسه كان تشديد على ضرورة الانتقال إلى المرحلة التنفيذية بعد عرض خطة الجيش لحصر السلاح على طاولة مجلس الوزراء الثلثاء المقبل، على الرغم من الموقف الثابت لـ”حزب الله” برفض قرارات الحكومة في جلستي 5 و7 آب / أغسطس الحالي وما قد يستتبع ذلك من تداعيات على الساحة الداخلية إذا قررت الحكومة تنفيذ الخطة المنتظرة.

وجاءت الترجمة الأميركية لتنفيذ الخطة على لسان نائبة المبعوث الخاص إلى الشرق الأوسط مورغان أورتاغوس التي قالت من بعبدا: “حان وقت الأفعال في لبنان، وسنساعد الحكومة اللبنانية في تنفيذ قرارها التاريخي”.

وكانت قد استبقت ذلك بالإشارة إلى أن “إسرائيل راغبة في التوجه خطوة مقابل خطوة مع الحكومة اللبنانية”.

وعلى الرغم من اختلاف لهجة الوفد الأميركي بين النمط الهادىء الذي كان يعتمده براك، والصريح لأورتاغوس، فقد كان غراهام الأكثر ترجمة لموقف أميركي حازم، وتولى هو الحديث في اللقاءات الرسمية، بينما كان براك شبه مستمع. وانسحب الأمر على بعض المسؤولين اللبنانيين الذين استمعوا أكثر بكثير مما تحدثوا.

أما الرئيس نبيه بري فكان يقدم مطالعة أمام الوفد، مع تركيزه على ضرورة تنفيذ اتفاق وقف النار وتوجسه مما يحكى عن منطقة اقتصادية هي في نهاية المطاف منطقة عازلة.

وشرح للوفد أحد بنود الاتفاق الذي ينص على عودة الأهالي إلى منازلهم وأراضيهم، وهذا البند يجب أن ينفذ أسوة ببنود الاتفاق التي لا تزال تل أبيب تتنكر له.

من الواضح بحسب خصوم واشنطن أن مواقف غراهام تهدف إلى توريط اللبنانيين في المواجهة الداخلية إذا قررت الحكومة تنفيذ خطة الجيش من دون تفاهم محلي، علما أن الخطة يجب أن تطلع عليها واشنطن لطمأنة تل أبيب، وخصوصاً أن التسريبات تشير إلى أربع مراحل تتضمنها، تبدأ بسحب نصف سلاح المقاومة في المرحلة الأولى ونصفه الآخر في المرحلة الثانية، فيما تخصَّص المرحلتان الثالثة والرابعة للأسلحة المتبقية لدى تنظيمات أخرى.
وتزامنا مع المرحلة الرابعة يبدأ الانسحاب التدريجي من النقاط اللبنانية المحتلة، مع التذكير بأنه منذ إقرار الحكومة تكليف الجيش وضع خطة لحصرية السلاح والموافقة على الورقة الأميركية، ارتفعت وتيرة الاعتداءات تحديداً في الجنوب، ما أدى إلى استشهاد (أو إصابة) أكثر من 70 شخصاً بعد 7 آب / أغسطس الحالي.

بيد أن ما ميّز الجولة الخامسة لبراك يكمن في حضور “صقور القرار الأميركي” لتكرار شكر لبنان على القرار التاريخي بسحب السلاح الذي يشكل تهديداً لتل أبيب، وهي عبارة وردت على اللسان الأميركي، عدا عن أن براك الذي كان قليل الكلام، ما خلا توبيخه للصحافيين في بعبدا، واعتباره أن الشيعة يمثلون 40 في المئة من اللبنانيين، كان تحت هاجس الحذر من إطلاق مواقف قد تعرضه للمساءلة أمام الكونغرس، وبالتالي كان غراهام متصدراً تظهير الموقف الأميركي.