
العدوان على قطر أحيا المخاوف اللبنانية المشروعة
مع العدوان الإسرائيلي على دولة قطر، بما حمله من تجاوز فج لكل الخطوط الحمراء واستفزاز مباشر للمنطقة، بدا لبنان من أكثر البلدان العربية تفاعلا مع هذا الحدث، ليس فقط من باب التضامن الأخوي الذي أجمعت عليه قواه السياسية ومؤسساته الدستورية، بل أيضا انطلاقا من إدراك عميق لخطورة أن يتدحرج التصعيد ليطال الساحة اللبنانية مجددا. فلبنان الذي يمر في لحظات تاريخية وخطيرة يسعى فيها إلى تثبيت التهدئة الداخلية عبر تواصل الرئاسات الثلاث وتفاهمات القوى السياسية، وجد نفسه أمام قلق متجدد من أن يسعى العدو الإسرائيلي إلى توسيع رقعة استهدافاته بما يربك التوازن الدقيق الذي بدأ يتكون داخليا.
وكشف مصدر سياسي لبناني رفيع لـ «الأنباء» انه «فور وقوع العدوان على قطر، انطلقت سلسلة اتصالات سياسية وأمنية وعسكرية داخل لبنان، عكست وعيا جماعيا بوجوب تدارك أي انعكاس مباشر لهذا الحدث على الداخل، وهذا الاستنفار لم يكن محصورا ببيانات الإدانة أو المواقف والاتصالات التضامنية، بل تجاوزها إلى خطوات عملية هدفها منع استخدام لبنان من قبل أي طرف معاد لإشعال بؤر توتر جديدة. فالتجربة المريرة مع السياسات العدوانية الإسرائيلية وما تتركه من تداعيات اقتصادية وأمنية واجتماعية، جعلت المسؤولين اللبنانيين أكثر حرصا على العمل الاستباقي لقطع الطريق أمام أي محاولة لاختراق الجبهة الداخلية أو استدراج البلاد إلى دائرة الصراع المفتوح».
وأوضح المصدر ان «الإجراءات العسكرية والأمنية التي اتخذت منذ اللحظة الأولى، تركزت بشكل خاص في المناطق ذات الوضع الخاص، ولاسيما في الجنوب الذي يشكل تاريخيا ساحة اختبار لرسائل التصعيد الإسرائيلي أو غيره من القوى المتربصة. وهذه الإجراءات لم تكن جديدة من حيث المبدأ، لكنها رفعت إلى مستوى أعلى من الجهوزية والاحتراز، إدراكا لخطورة المرحلة وما تحمله من احتمالات مفتوحة. وكثف الجيش اللبناني والأجهزة الأمنية حضورهما الميداني، ورفعا من وتيرة التنسيق، في إطار منع أي استغلال للساحة اللبنانية من أجل تمرير رسائل دموية أو خلق مواجهات قد تجر البلاد إلى تداعيات لا قدرة لها على تحملها، جراء صواريخ مشبوهة تطلق، وتستغلها إسرائيل في ممارسة فعل العدوان المدمر والدموي».
وقال المصدر «جاءت هذه المقاربة اللبنانية شاملة ومتوازنة، حيث ترافقت الإجراءات الأمنية مع رسائل سياسية واضحة بعيدة عن الأضواء ووصلت إلى من يعنيهم الأمر، تؤكد رفض تحويل لبنان إلى ساحة لتصفية الحسابات أو لجره إلى مواجهة غير محسوبة مع إسرائيل. وفي الوقت نفسه، حمل التضامن مع قطر بعدا يتجاوز الإطار العاطفي أو الرمزي، ليشكل تعبيرا عن وعي لبناني بأن العدوان على أي دولة عربية هو جزء من سلسلة اعتداءات إسرائيلية لا تتوقف عند حدود جغرافية معينة، وأن التصدي لها سياسيا وإعلاميا هو أيضا حماية غير مباشرة للبنان».
وفي هذه اللحظة المفصلية، يحاول لبنان الإمساك بخيط التوازن الدقيق بين التضامن الفاعل مع قطر، والعمل الجاد على تحصين ساحته الداخلية بوجه أي مغامرة إسرائيلية جديدة. فرفع منسوب الإجراءات العسكرية والأمنية ليس اعتياديا بل استثنائيا، وضرورة استراتيجية لتجنيب لبنان كلفة الانزلاق إلى دائرة العدوان مجددا. وما يعزز هذا الخيار هو الإدراك العميق لدى مختلف القوى اللبنانية بأن أي اهتزاز جديد قد يدفع البلاد إلى مسار أكثر خطورة مما هي عليه اليوم، وأن حماية الداخل تبقى أولوية تتقدم على كل الحسابات الأخرى.