
المركزي يضع ملاحظاته على مشروع الفجوة: ردّ الودائع ممكن بمساهمة الجميع
على أهمية التطورات السياسية المرافقة لقرارات الحكومة نزع السلاح وما رافقها من تقدّم هذه الأولوية على ما عداها من الأولويات الملحّة الأخرى التي تفرض نفسها على أجندة العمل الحكومي، فهي لا تلغي الاستحقاق المالي المتمثل بأولوية إنجاز قانون الفجوة المالية، على نحو يعبّد الطريق أمام تنفيذ التزام الدولة بسلطتيها التنفيذية والتشريعية بردّ الودائع لأصحابها. وبناءً على ذلك، يجري العمل حالياً على وضع مسوّدة المشروع وسط تباينات حيال بعض المقاربات المتصلة بآليات تأمين السيولة وحصة الدولة التي تسعى إلى تقليصها وتحميل الجزء الأكبر لآليات يضعها المصرف المركزي إلى جانب مساهمة المصارف التي تتعامل مع المقترحات بحذر شديد وتتلقفها على مضض.
يتعاطى الحاكم كريم سعيد مع الموضوع من منطلق الصلاحيات المنوطة بالمصرف المركزي وترتكز على الدور الاستشاري. وبناءً على ذلك، وضع ملاحظاته وفقاً للنهج الذي يدعم فيه إطار القانون وذلك من خلال أربع ركائز أساسية تشكل بالنسبة إليه خريطة الطريق لمعالجة أزمة الفجوة والودائع. أولى الركائز تتصل بتصحيح ميزانية المركزي الذي يحمل ما يقارب 83مليار دولار من الالتزامات تجاه المصارف والمودعين، مقابل نحو 50 ملياراً حدّاً أقصى من الأصول. هذا يعني أن هناك 34ملياراً يجب إلغاؤها من المطالبات غير المشروعة مثل ودائع مجهولة المصدر أو أموال الأشخاص المعرّضين سياسياً عبر التحويلات غير المشروعة بعد الأزمة أو أموال ناتجة عن فوائد مفرطة. وسيؤدي “تنظيف” ميزانية المركزي من هذه الأموال إلى خروجه من أزمة الملاءة المالية لديه إلى التحدّي الأهم الكامن في تأمين السيولة المستحقة الدفع وقيمتها 50 مليار دولار.
أما الركيزة الثانية فتتصل بتجزئة الودائع بحيث يقترح المركزي تقسيم المودعين إلى ثلاثة: الودائع ما دون الـ100 ألف دولار وهم يشكلون 84.8 في المئة من مجمل المودعين، من ١٠١ إلى مليون دولار، ويشكلون 14في المئة، وما فوق المليون 2 في المئة. وتتوخى الخطة سداد ما يصل إلى 100ألف دولار ومليون نقداً على مدى ٤ إلى ٦ سنوات فيما تتم تسوية الأرصدة التي تزيد عن المليون من خلال الأوراق المدعومة بالأصول الصادرة عن المركزي، والتي ستكون مدعومة بالذهب والأصول العقارية وحيازات الشركات والاحتياطات، على أن تتراوح استحقاقاتها من 10إلى 20 سنة.
بالنسبة إلى الركيزة الثالثة، فهي تتعلق بتوزيع الأعباء المالية، وهو جوهر الأزمة، إذ تقترح ملاحظات المركزي أن تتقاسم الأعباء كل من الدولة والمركزي والمصارف، ويُتوقع أن تكون نسبة مساهمة المركزي نحو 40 في المئة نظراً إلى قدرته النسبية، على أن تتحمّل الدولة والمصارف الباقي. وفيما تظهر المصارف تردّداً، تسعى الدولة إلى نزع عبء المساهمة عن كاهلها من خلال عدم الاعتراف بدينها البالغ 16.5مليار دولار، يشجّعها على ذلك صندوق النقد حيث يسعى الجانبان إلى تقليص حجم العبء المالي للدولة لإظهار مستوى القدرة على تحمّل الديون أكثر قبولاً لدى الصندوق. وسيشكل هذا الموضوع نقطة الاحتكاك الأخطر مع الدولة التي تستخدم الصندوق ذريعة للتراجع عن سداد التزامها، علماً بأن تخلف الدولة عن دفع التزاماتها سيؤدّي إلى عجز المصرف المركزي عن تمويل خطة استرداد الودائع وحده، وسيعطي المصارف الذريعة للاستمرار في التهرب من تحمّل مسؤوليتها وتمتنع عن ضخ أي أموال جديدة لإعادة الرسملة ورد الودائع.
وهذا الأمر يقود إلى الركيزة الأخيرة من ركائز المصرف المركزي، المتعلقة بالجانب القانوني والتدابير القانونية والتنفيذية المطلوبة، حيث يجب على الحكومة الاستناد إلى مبدأ النظام العام الاقتصادي القائم على أن “رفاهية الشعب هي القانون الأعلى”، فتجيز إصدار قوانين استثنائية بمفعول رجعي لتنظيف الميزانيات من المطالبات غير المشروعة بما يتناسب مع المصلحة العامة، وتُعدّ مثل هذه التدابير مستنداً قانونياً ضرورياً لتنظيم الموازنة العامة وإتاحة الفرصة أمام رد الودائع.
وينطلق المركزي من هذه المقاربة من موازنته بين واقع الوضع المالي والمسؤولية الاجتماعية من أجل استعادة الملاءة المالية وحماية الجزء الأكبر من المودعين وضمان التوزيع العادل للمسؤوليات.