
القوانين رهن مراسيم تطبيقية لا تأتي أبداً … الحكومات تعطّل التنفيذ
تستعجل الحكومة، تحت وطأة الضغط الخارجي، إنجاز الحد الأقصى الممكن من الإجراءات المصنفة إصلاحية، من أجل تأكيد جديتها في تنفيذ التزاماتها، سعياً وراء توفير كلّ المستلزمات المطلوبة منها لتأمين الحصول على الدعم المالي الدولي كشرط أساسي لاستعادة التعافي السياسي والاقتصادي والمالي للبلاد.
قد تبدو طريق الورشة التشريعية سالكة في ظل التزام مماثل لرئيس المجلس نبيه بري أمام الخارج أيضاً بإنجاز التشريعات المطلوبة دولياً، بالرغم من أن غالبية القوانين المطروحة على الطاولة شكلت في ما مضى ولا تزال بذور خلافات حادة ومصدر تجاذب سياسي شائك. وإن كان التعجيل يرضي في مكان منه المطالب الدولية، فهو أيضاً يخفي في طياته رغبة الكتل النيابية في تحقيق إنجازات في سنة انتخابية بامتياز، فيما الوقت الباقي أمام الحكومة قد أصبح قصيراً جداً، ما يستدعي تسريع الخطوات، علماً بأن أبرز ما تسعى الحكومة إلى إنجازه قبل الدخول في مناخ الانتخابات يكمن في تحديين أو استحقاقين: موازنة 2026 وقانون الفجوة المالية.
ولكن هل إقرار القوانين كافٍ لدخولها حيّز التنفيذ؟ وماذا عن المراسيم التطبيقية التي غالباً ما يتأخر صدورها أو لا تصدر على الإطلاق على نحو يطيح بتلك القوانين ويعطل تنفيذها، إما بسبب إهمال ومماطلة، وإما لأسباب سياسية أو خاصة تعكس عدم رغبة القوى السياسية المعنية في دخول تلك القوانين حيّز التنفيذ؟
تجنباً لهذا النوع من التفسيرات، وترجمة لـ”حرص” المجلس النيابي على مواكبة تطبيق القوانين الصادرة، عمد رئيس المجلس نبيه بري عام 2014إلى تشكيل لجنة متابعة تنفيذ القوانين في المجلس، بهدف تعزيز دوره الرقابي كما جاء في تعريف عملها (“الرقابة البرلمانية على أعمال الحكومة إحدى الوظائف الأساسية التي منحها الدستور للمجالس التشريعية لمتابعة ما تقوم به السلطة التنفيذية خاصةً في تنفيذ أحكام القوانين التي يتم إقرارها في المجلس. ويتضح أن الحكومة هي المسؤولة الأولى عن تنفيذ القوانين وبالتالي في حال تقاعسها عن التنفيذ يعود للمجلس صلاحية مراقبتها ومساءلتها ومحاسبتها”.
وفي التعريف أيضاً إن “متابعة تنفيذ التشريعات من قبل المجلس تأخذ حيّزاً مهمّاً من خلال ممارسة الرقابة البرلمانية ومساءلة الوزراء المعنيين عبر تقديم الأسئلة والاستجوابات، أو عبر جلسات المناقشة العامة، خاصةً أن نصوص القوانين تتضمّن أحكاماً أساسية وقواعد عامّة، وتترك الأمور التفصيلية أو التطبيقية إلى السلطة التنفيذية كي يتم استصدارها إما بموجب مراسيم عادية أو مراسيم تتخذ في مجلس الوزراء، وإما بموجب قرارات وزارية تصدر عن وزير أو أكثر بحسب الاختصاص، لأن القاعدة القانونية يتم النص عليها صراحةً في متن القانون على أن يعود أمر النص على الدقائق التفصيلية إلى الحكومة. وفي غالبية القوانين نلحظ، في باب الأحكام الختامية، مادة تنص على أن دقائق تطبيق هذا القانون تصدر بمراسيم تُتخذ في مجلس الوزراء”.
والواقع أنه منذ تشكيل اللجنة أصبح أمامها 73 قانوناً وفق ما كشفه رئيسها الوزير ياسين جابر، ما يعني أن فاعليتها ضعيفة جداً رغم اجتماعاتها المتكررة، التي لم تتحوّل يوماً إلى مرحلة طلب جلسات استجواب أو اسئلة إلى الحكومة إلا نادراً جداً. والمشكلة أن تنفيذ القوانين يتطلب إما المراسيم التنفيذية أو حتى رصد موازنات كقانون الإيجارات مثلاً والسبب هو الافتقار إلى القرار السياسي لمعالجة الأزمات الموروثة. ويظهر واضحاً من القوانين التي لا تزال تحتاج إلى مراسيم تطبيقها أنها أقرت إما من باب قفل جدل سياسي من دون الإرادة بالتنفيذ أو تخصيص الإمكانيات المالية لها أو من باب وضع هذه القوانين في إطار الإصلاحات كما هي الحال بالنسبة إلى قانون تعديل السرية المصرفية أو الإصلاح المصرفي المقرين أخيراً، أو من باب تعطيل فريق لها لما يمكن أن تحققه من منافع سياسية لفريق آخر. وفي كل الأحوال، يصبح تطبيق القوانين رهيناً لشروط المحاصصة السياسية أو المكاسب الخاصة، والاستنسابية في انتقاء أي قوانين تنجز مراسيمها التطبيقية وأيّ منها يبقى في أدراج اللجنة في انتظار الوقت المناسب لمقايضتها.
يتعذر التأكد من القوانين الـ٧٣ المشار إليها باعتبار أن أحدث تعديل على صفحة مجلس النواب يعود إلى عام ٢٠٢١، فيما اجتماعات اللجنة كانت تضيف في كل مرة قوانين جديدة على لائحتها في ظل ما يصدر، وسط استغراب قانونيين لسبب ربط القوانين بمراسيم لتطبيقها، وهل يعود لتعطيل تنفيذها مثل قانون الكهرباء الذي شهد أخيراً تعيين الهيئة الناظمة التي يعود لها وضع المراسيم، ولكن لم يعالج بعد تعيين مجلس إدارة جديد للمؤسسة أو مثلاً ملف المعوقين أو القوانين المتصلة بتطوير الادارة في قطاعات الطيران المدني أو الاتصالات أو مكافحة الفساد أو حماية المستهلك أو سلامة الغذاء أو الضمان الصحي أو الأسواق المالية، واللائحة تطول، فيما يؤمل أن تكون تعيينات الهيئات الناظمة أخيراً مدخلاً لتصحيح خلل التطبيق.
يرد عضو اللجنة النائب جورج عقيص، على استيضاحات “النهار” في هذا الشأن بالقول إن اللجنة نشأت بعدما لوحظ أن هناك ممارسة حكومية مزمنة بعدم تنفيذ القوانين، وتحديداً بعدم إصدار المراسيم التنظيمية والتنفيذية، فأنشأ الرئيس بري بصلاحياته هذه اللجنة التي يُفترض أن تكون محدودة المهمات والصلاحيات برئاسة الوزير ياسين جابر عندما كان لا يزال نائباً في البرلمان. وأحصينا القوانين غير المنفذة في شكل كامل أو جزئي وبلغ عددها ٧٥ حتى عام ٢٠٢٢ ومنها قوانين مكافحة التدخين، السير، الهيئات الناظمة… وكان التواصل قائماً مع الوزراء لحثهم على وضع المراسيم ووضعنا برنامج عمل لهذه الغاية مع جمعيات متخصصة واستعنّا بخبراء. لكن بخروج النائب ياسين من المجلس وعدم تعيين الرئيس بري رئيساً للجنة توقف عملها، بالرغم من الحاجة الملحّة لاستمرار مواكبة ورصد القوانين غير المنفذة لأن هذا يدخل في صلب صلاحيات المجلس بالرقابة البرلمانية وإلا فالحكومة تعطل العمل التشريعي للمجلس من خلال تعطيل تنفيذ القوانين. ويلفت عقيص إلى أن عجلة التشريع بطيئة أساساً ومع تخلف الحكومة عن إنفاذ القرارات التطبيقية يبطؤ اكثر العمل التشريعي أو الإصلاحي، وعدم وجود لجنة برلمانية يضاعف البطء حيث لا رقابة برلمانية من جهة ولا جزاء على التخلف الحكومي. ويعطي عقيص مثلاً الهيئات الناظمة المقرة في القانون منذ عقدين ولم يتم إنشاؤها إلا أخيراً مع ما رتبه ذلك على القطاعات المعنيّة.
ولفت عقيص إلى أن المجلس، حرصاً منه على حماية العمل التشريعي، اعتمد صيغة “تحديد دقائق القانون” وأحياناً تحديد دقائق تنفيذ مادة معينة لعدم تعطيل تنفيذ كل القانون، رغم أن ذلك ليس سليماً جداً لأن القوانين يجب أن تأتي بصيغ عامة ليكون على الحكومة وضع دقائق التنفيذ. لذلك بتنا نعمل على تفصيل القوانين لتفادي الحاجة إلى المراسيم التطبيقية. وهاتان الممارستان التشريعيتان لتجنب الوقوع في محاذير تعطيل تنفيذ القوانين إن لم يُصر إلى إصدار مراسيمها التطبيقية.