خاص – إسرائيل تحبط الزخم الأميركي في لبنان

خاص – إسرائيل تحبط الزخم الأميركي في لبنان

الكاتب: ايلين زغيب عيسى | المصدر: Beirut 24
16 أيلول 2025

صار واضحاً أن التوجّه الذي تعمل الإدارة الأميركية على تظهيره في المنطقة، لا يتناسب مع ما تخطّط له إسرائيل. صحيح أنّ واشنطن ستبقى حليفة تلّ أبيب الأولى، وستدعمها في حفظ أمنها، إلّا أنّها لا ترى أنّ استمرار إسرائيل في نهجها، سواء في لبنان أو سوريا أو غزّة، يخدم الأهداف التي تسعى إدارة دونالد ترامب إلى إرسائها.

وقد فهم الموفد الأميركي توم برّاك في زيارته الأخيرة لبيروت مع زميلته مورغان أورتاغوس هذا الامر. وربّما يكون هذا من أحد الاسباب التي دفعته إلى أن يكون عصبيّاً عند تعاطيه مع الصحافيين في القصر الجمهوري.

أين نقاط التباين بين الولايات المتّحدة وإسرائيل، وأيّ من التوجّهين ستكون له الغلبة؟

تعتبر حكومة بنيامين نتنياهو أنّ “الفرصة” التي أُتيحت أمامها بعد هجوم 7 تشرين تشبه “الفرصة” التي أتاحتها أمام واشنطن هجمات 11 أيلول. وقد أعلن نتنياهو ذلك بوضوح، حين قال: “نحن أيضاً لدينا 11 أيلول الخاص بنا”.

فالحرب التي شنّتها الولايات المتّحدة على العراق وأفغانستان استمرّت سنوات طويلة، وأدّت إلى إطاحة النظامين في كلا البلدين، قبل أن يعود طالبان الجدد إلى الحكم. وتحت حجّة محاربة الإرهاب، سمحت واشنطن لنفسها بتغيير شكل المنطقة والتدخّل وفرض العقوبات. وعلى مثالها، يريد نتنياهو أن يستغّل هجوم 7 تشرين إلى الآخر. ولا يريد وقف الحرب في غزّة، ولا وقف استباحة أراضي لبنان وسوريا، بل يسعى إلى الاستمرار في عمليّاته لتحقيق أهداف بعيدة المدى، تنهي القضية الفلسطينية، وربّما تحقّق “حلم إسرائيل الكبرى”.

ففي غزّة، نسف نتنياهو أيّ إمكان للحلّ من خلال الضربة التي وجّهها إلى قيادة “حماس” في العاصمة القطرية. وأفهم الجانب الأميركي أنّه لا يريد أيّ تسوية دبلوماسية الآن، إنّما هو يسعى إلى ما هو أبعد من ضرب الحركة وتحرير الرهائن. وفي سوريا، تراجع الزخم الأميركي الداعم لحكم الرئيس أحمد الشرع ولوحدة البلاد، في ظلّ إمعان إسرائيل في سيطرتها على الأراضي التي دخلتها حديثاً، حيث تطرح إقامة منطقة عازلة.

أمّا في لبنان، فلا يختلف الأمر عن ذلك. وقد يبدو من غريب المفارقات أنّ كلاً من إسرائيل و”حزب الله” لا يوافقان على ورقة برّاك، ولا يريدان العمل بموجبها. وهذا ما يعقّد الجهود الأميركية لحصر السلاح واستعادة الدولة اللبنانية سيادتها وعافيتها الاقتصادية.

بالنسبة إلى نتنياهو، ليس ملفّ لبنان مستعجلاً. فالأولويّة هي لغزّة الآن، حيث تُنفّذ عملية واسعة لاحتلال المدينة وتهجير سكّانها وتفجير مبانيها وأبراجها. وبما أنّ “الحزب” قد أُضعف إلى درجة كبيرة، وكلّ تحرّكاته تحت السيطرة الجوّية الإسرائيلية، فيمكن لهذا “المحور” اللبناني أن ينتظر. كما أنّ إسرائيل ليست حاليّاً في وارد الانسحاب من المناطق التي احتلّتها في جنوب لبنان، وهي أبلغت ذلك بكلّ وضوح إلى الجانب الأميركي، وقالت إنّها لا تثق بقدرة السلطة والجيش اللبناني على الإمساك بالوضع، وتريد التأكّد بنفسها قبل الإقدام على أيّ خطوة.

وعليه، فإنّ التوصّل إلى حلّ في لبنان يبدو بطيئاً. فخطّة الجيش التي رحّب بها مجلس الوزراء لا تحدّد مهلاً للانتهاء من سحب السلاح، كما ترفض التعامل مع الموضوع بالقوّة، بل بالتراضي. وهذا يعني أنّ المدّة التي ستستغرقها عملية حصر السلاح هي مهلة مفتوحة، ومرهونة في واقع الأمر بالتطوّرات الإقليمية التي يمكن أن تحصل، خصوصاً في الموضوع الإيراني، الذي لا يبدو التوصلّ إلى تفاهم حوله قريب المنال.

هذه الحالة من الضبابية، تجعل لبنان يراوح عمليّاً في مكانه. واشنطن تقدّم الدعم للجيش بالقطّارة، وعبر سياسة “الخطوة مقابل الخطوة”، بهدف إبقاء الوضع تحت السيطرة، ومنع العودة إلى الوراء. وإسرائيل مرتاحة على وضعها، وطيرانها يتدخّل ساعة يشاء، ويضرب ويغتال من يشاء.

ومن الآن إلى أن تنتهي الحرب في غزّة، لن يُحسم الملفّ اللبناني. ولكن الانتظار ليس من مصلحة لبنان على الإطلاق. وإذا كان الأميركيون مهتمّين الآن بالشأن اللبناني، فهذا قد يتبدّل تبعاً للأولويّات. وعندها ستميل الدفّة إلى جهة الخيارات الإسرائيلية، والتي يرجّح أن لا يكون قيام الدولة القويّة الموحّدة من ضمنها.