السفير المصري علاء موسى: إيران تدرك أنّه حان الوقت لترفع يدها عن لبنان

السفير المصري علاء موسى: إيران تدرك أنّه حان الوقت لترفع يدها عن لبنان

الكاتب: نورما ابو زيد | المصدر: نداء الوطن
6 أيلول 2025

لا يصرّح بقدر ما يلمّح. ولغته مغلّفة بطبقات من الدبلوماسية الهادئة والهادفة. ومهما تكن الأسئلة مسنّنة وحادة، إجاباته تأتي سلسة، ناعمة، مرنة، وخالية من الزوايا التي تجرح.

دبلوماسيته الفائضة، تجعل كلامه مبطّناً أحياناً ومدوزناً غالباً، ما يستدعي قراءة دقيقة لما بين سطوره، ويجعل الإنصات له تمريناً دائماً على فكّ الشيفرات، ومع ذلك تصل رسائله المضبوطة بإيقاع مدروس بوضوح، ولذلك ليس مستغرباً أن يكون سفيراً فوق العادة لبلاده.

ماذا قال عن الجيش اللبناني، قدراته، تحدياته، ودوره المقبل؟

وهل لا تزال “الخماسية” بنظره تعمل كيد واحدة، أم تفكّكت إلى “أصابع” منفردة وأدوار متفرّقة؟

وهل رفع مستوى التحذير من الحرب والاغتيالات السياسية، أم استبعد هذا السيناريو بالكامل؟

وماذا عن إيران؟ هل تحدّث عن تراجع وشيك لدورها في لبنان؟

وفي الملفّ الإقليمي، ماذا قال عن الفضاء الأميركي ـ الإسرائيلي الذي يغلّف المنطقة، وعن بنيامين نتنياهو الذي يعيد رسم خرائطها عبر تهجير غزة، واحتلال نقاط في جنوب لبنان، ومرابضته على أبواب دمشق؟ وكيف قرأ رسائل الطمأنة من أحمد الشرع إلى “حزب الله” و”الحشد الشعبي”؟ وهل تطرّق إلى ملفّ التكفيريين؟

السفير المصري في لبنان علاء موسى، فتح مع “نداء الوطن” صفحات لبنان والمنطقة، وقرأ في تفاصيلها وتعرّجاتها بعين دبلوماسية حذقة، وفهم عميق للمشهد. وفي ما يأتي نصّ الحوار:

نفتتح الحوار بسؤال عن ترحيب مجلس الوزراء بخطة الجيش في جلسة الحكومة أمس؟

يجيب: ما قامت به الحكومة يوم أمس، يُعدّ خطوة إيجابية في الاتجاه الصحيح، وقد قدّمت أفضل الممكن قياساً على الظروف المعقّدة المحيطة.

ويضيف: اجتازت الحكومة اختبار الجلسة بنجاح، حيث أُديرت المداولات بحكمة وحصافة، وبرز فيها تمسّك واضح بمبدأ حصر السلاح بيد الدولة، وبتأكيد على حقّها في بسط سلطتها على كامل الأراضي اللبنانية. وفي الوقت نفسه، شدّدت على أن تطبيق هذا المبدأ يظلّ مرهونًا بعوامل عدّة، في مقدّمها جهوزية الجيش والظروف الإقليمية.

ويتابع: ترى مصر أنّ الحفاظ على الاستقرار يقتضي الابتعاد عن الانخراط في مواجهات داخلية، وتفادي كلّ ما يشعل فتيل الأزمات.

يستند إلى تجارب مصر السابقة، ويضيف بلهجة هادئة: خضنا أربع حروب، استخلصنا منها درسًا واحدًا، هو أنّ اللجوء إلى القوّة لا يكون إلاّ كملاذٍ أخير، وبعد استنفاد كلّ الوسائل السلمية.

هل يعني ذلك أنّكم تؤيدون طاولة حوار؟

يردّ بنبرة واقعية: ليس من الضروري أن نسميها طاولة حوار. ما يجري اليوم من تفاعل وتواصل بين قصر بعبدا وعين التينة، أو بين السراي الحكومي وعين التينة، هو بحدّ ذاته شكل من أشكال الحوار. ليس الحوار مشروطاً بالجلوس حول طاولة واحدة. المهم، أنّ هناك نقاشًا وتبادلًا في وجهات النظر، وهذا في جوهره حوار فعّال ولو دون طاولة.

ويضيف: يجب أن يكون هناك أفق سياسي لأيّ حوار، ومدى زمني، وإرادة لتطبيق ما تمّ الاتفاق عليه.

نتطرّق إلى الخشية من اغتيالات تطال شخصيات مثل جوزاف عون ونبيه برّي ونوّاف سلام، ونسأله: هل تعتقد أنّ ثمّة ما يستدعي هذه المخاوف؟

فيجيب باستغراب: لا أعلم من وضع هذه القائمة، وأفضّل النأي بنفسي عن هذا النوع من الطروحات. ما يجب أن نركّز عليه هو تهدئة الأوضاع في لبنان، لأنّ أي توتير إضافي خطير.

وهل ترى في الأفق خطر مواجهة محتملة بين الجيش اللبناني و”حزب الله”؟

يجيب: في الحقيقة، علينا أن نعمل لتجنّب مثل هذه السيناريوهات. فلماذا نقفز إلى النتائج قبل أن نبذل ما يكفي من الجهد لاحتوائها؟

ثمّ يسأل: هل الجيش اللبناني قادر بوسائله أن يبدأ بالفعل في عملية نزع السلاح إن لم يتعاون معه الحزب؟ ويضيف: هل يعلم الجيش بمواقع مخازن السلاح؟

يترك السؤال معلّقاً للحظة ثمّ يجيب: أنا أشكّ في ذلك.

أقاطعه قائلة: إسرائيل تعلم. ولا شكّ أنّها أرسلت مواقع المخازن عبر الأميركيين!

فيجيب: لو كانت إسرائيل تعلم، لكانت قصفت هذه المواقع منذ زمن. إسرائيل لا تعرف كلّ شيء، ولذلك، الرهان على التوافق والحوار، هو الطريق الأكثر واقعية وفعالية لسحب السلاح.

سبعة أشهر أكلها الرئيس عون من عهده مراعاةً لـ “حزب الله”. هل يمكن أن يأكل العهد من عمره أكثر، في انتظار موافقة قد لا تأتي؟

يجيب: مقاربة الرئيس عون جيدة جدًّا، وموضوعية جدًّا، وهادئة جدًّا، وحكيمة جدًّا، ومصر تدعمها بشكلٍ كامل. هذه المقاربة تقوم على مبدأ الخطوات المتزامنة، إذ إنّ عملية حصر السلاح مرتبطة ارتباطًا وثيقًا بالأوضاع الداخلية في لبنان، كما بالأوضاع الإقليمية المحيطة به، ولا يمكن التعامل معها بمعزل عن هذا السياق المتداخل.

نسأله: هل ترى أنّ مفتاح السلاح في طهران؟

فيجيب: ليس بالضرورة. أعتقد أنّ التوصّل إلى آلية مناسبة وسلسة لحصر السلاح بيد الدولة، يعتمد بشكل أساسي على توافر ظروف إقليمية مؤاتية.

وما هي هذه الظروف تحديداً؟

على سبيل المثال، هناك اتفاق تمّ توقيعه في تشرين الفائت، ينص على خطوات محدّدة، تترتّب عليها التزامات لكلّ من الجانبين اللبناني والإسرائيلي. الجانب اللبناني نفّذ ما عليه من خطوات، وهذا الأمر يعرفه الأميركي والفرنسي. بينما الجانب الآخر لم يلتزم بعد بتعهداته.

هل هذا يعني أنّ الورقة الأميركية معلّقة إلى حين التزام إسرائيل بسياسة الخطوة خطوة؟

أنا لا أحبّذ التعامل بهذا المنطق: “إما أو لا”. دعونا نعمل جميعاً كأصدقاء لبنان، أيّ مصر والسعودية وقطر وفرنسا وأميركا وآخرين، على خلق الظروف الإقليمية والدولية الملائمة لإعادة الاستقرار إلى لبنان. والاستقرار لا يتحقّق فقط عبر حصر السلاح، بلّ هو نتاج مجموعة من العوامل المتكاملة، تشمل المسار الاقتصادي، وإصلاح الدولة، وتعزيز الحوكمة، إلى جانب حصر السلاح.

نقول له: ولكن “الإقلاع الاقتصادي” مشروط بحصر السلاح!

فيجيب: فكرة المشروطية، تحتاج برأيي إلى مقاربة مختلفة وإيجابية. فبدلاً من الاشتراط، من الأجدى أن نتحدّث عن حوافز تشجّع على تسريع مسار حصر السلاح بيد الدولة، لا فرضه كشرطٍ مسبق.

وما هي هذه الحوافز؟

مثلاً وقف الخروقات الجوية للبنان. الانسحاب من بعض النقاط من الجنوب. تسليم عدد من الأسرى. ضخّ أموال من أجل إعادة الإعمار. تنظيم مؤتمر دولي لدعم الجيش اللبناني. هذه الخطوات محفّزة، وتفتح الباب أمام مناخ يساعد على التقدّم في ملفّ حصر السلاح.

نعرّج على زيارة جان إيف لودريان إلى بيروت الأسبوع المقبل، التي عنوانها العريض مؤتمر لإعادة الإعمار، ونسأله: هل يمكن رفع سقف التوقعات في ظلّ تمسّك الخليج وواشنطن بحصر السلاح أولاً؟

يجيب: فرنسا تعمل على تنظيم مؤتمرين: أحدهما لدعم الجيش، والآخر لتعافي لبنان اقتصادياً. نجاحهما مرتبط بمستوى التزام الدول المانحة، والتي ستكون بمعظمها خليجية. لذلك، نُكثّف اتصالاتنا ليس فقط مع الجهة الداعية، بل مع الدول المدعوة أيضاً، ونؤكد دائماً أنّ استخدام منطق الحوافز أكثر فاعلية من فرض الشروط، لأنّ وقع الكلمة يصنع فارقاً في صناعة المقاربات.

نسأله: كم دولة من الدول الضاغطة في الملفّ اللبناني، تتفهّم أهمية اعتماد سياسة الجزرة بدلاً من العصا، لا سيّما الأطراف الأكثر تأثيرًا كأميركا والسعودية؟

برأيي، التأثير الإيجابي في لبنان لا يقتصر على أميركا والسعودية فقط، بل يشمل أطرافًا عدّة. لا يمكن لطرف أو طرفين أن يعيدا الاستقرار إلى لبنان بمفردهما. هناك أدوار متكاملة لأصدقاء لبنان، من مصر إلى فرنسا وقطر، والجميع يساهم في هذا المسار. ونحن على تواصل دوري مع مختلف هذه الجهات، وكذلك مع أطراف أخرى فاعلة، مثل إسرائيل وإيران.

نضع على طاولة السفير موسى، المعلومات التي تقول إنّ الحكومة لجأت إلى خيار حصر السلاح مضطرّة، إثر تلويح إسرائيل بتوجيه ضربة في آب تطال مرافق الدولة. واليوم، تُنقل رسالة أخرى مفادها أنّ إسرائيل جاهزة للحرب في تشرين الثاني، ما لم تسيّل الحكومة حبر قرار حصر السلاح إلى خطوات على الأرض. ونسأله: هل تتخوّف من حرب؟

يردّ بتحفّظ واضح: أنا أشكّ في صحّة هذه الرواية، وما أراه هو أنّ إسرائيل، من خروقاتها المتكرّرة، وأعمالها العدائية المتقطعة، واستمرار احتلالها لمناطق في الجنوب، وفرضها منطقة عازلة، هي في وضع يرضيها راهناً، ولا أعتقد أنّها بصدد الذهاب إلى أبعد من ذلك، على الأقلّ في المرحلة الراهنة.

ويضيف بنبرة حاسمة: لا أعتقد أنّ من الحكمة استخدام ورقة الحرب في هذا السياق. ثمّة ورقة أهم، وهي أنّ ما يقوم به لبنان، هو بدافع المصلحة الوطنية، لا إرضاءً لأيّ طرف خارجي.

ويتابع: حصر السلاح بيد الدولة اللبنانية ليس تنازلاً، بل مصلحة لبنانية خالصة. ولهذا، فإنّ البحث عن توافق سياسي هو الخيار الأمثل، وأفضل بكثير من البحث عن غطاء سياسي. الفرق كبير بين من يتّفق معك على المبدأ، ومن يمنحك الغطاء ثمّ يتراجع عند أول اختبار.

ثمّ يسأل: هل معنى ذلك تعليق مسار حصر السلاح حتى يتحقّق التوافق؟ ويجيب: ليس بالضرورة. ما أقوله هو أنّنا يجب أن نستنفد كلّ السبل السلمية السلسة والهادئة، وألاّ نندفع نحو المواجهة، لأنّ كلفتها سيدفعها اللبناني وحده، ولا أحد غيره.

ألا ترى أنّ مسألة السلاح تحمل بعداً عقائدياً يتصل عضوياً بولاية الفقيه؟ ومن هذا المنطلق، هل من الممكن إقناع حزب الله بتسليمه؟

يجيب بهدوء: عندما نشأت المقاومة، نشأت من منطلق وجود احتلال يستوجب مقاومة، ولا داعي للحديث عن طهران. في تقديري، إيران اليوم منشغلة بتحديات ومخاطر أكبر بكثير من الملفّ اللبناني، وهذا ما أثبتته الوقائع خلال الفترة الماضية.

ويتابع: المحادثات مع طهران، سواء من جانب مصر أو من جانب أطراف أخرى، تسير في هذا الاتجاه. وأعتقد أنّ هناك إدراكًا متزايدًا داخل إيران، بأنّ الوقت قد حان لتخطو خطوات إلى الوراء، ولترفع يدها عن لبنان.

ما الأخطر: العقيدة المستوردة أم تعدّد الأجنحة في غياب السيّد حسن نصر الله؟

الأخطر هو غياب المشروع الوطني. الأخطر هو أن يكون هناك مشروع فئوي يُقدّم على مصلحة لبنان.

ننتقل إلى “اللجنة الخماسية”، ونسأله: هل تراخيها تسليم ضمني بترك الملف اللبناني لواشنطن والرياض؟

هذا غير دقيق. “الخماسية” تسير وتعمل ولكن ليس بنفس وتيرة عملها قبل انتخاب الرئيس.

عقدت الخماسية عدة اجتماعات منذ انتخاب الرئيس عون حتى اليوم، وأطرافها يواصلون التعاون مع الدولة اللبنانية ضمن ما يستطيع كل منهم تقديمه. فرنسا تركّز على الملف الاقتصادي، ومصر تواكب الملف السياسي وتُجري اتصالات إقليمية لتشجيع المرونة. أما السعودية وأميركا، فلكل منهما مسار خاص ضمن هذا الإطار.

ويضيف: صحيحٌ أنّ التحرك السعودي الأميركي، يبدو أكثر وضوحاً، بحكم وجود مبعوثين، فضلاً عن أنّ السعودية تتولى الملف الاقتصادي، والخليج يمثّل رافعة مالية مهمّة، فيما تتولى واشنطن جانب الدعم العسكري. لكن ذلك لا يعني غياب أدوار مصر وفرنسا وقطر. التنسيق قائم ودوري.

وهل مطروح الآن تفعيل اللجنة الخماسية في شقها العسكري لمساعدة الجيش اللبناني في حصر السلاح؟

اللجنة العسكرية تعمل ضمن إطار اتفاق وقف إطلاق النار، وتنسّق بشكل مباشر مع الجيش اللبناني والأمم المتحدة في ما يخصّ حصر السلاح جنوب الليطاني. أما توسيع نطاق عملها، فيبقى رهن التوافق بين الأطراف المعنية. لننتظر إنجاز المرحلة الأولى أولاً، فالثانية ليست مطروحة للنقاش حاليًا.

نذهب إلى القبول الواسع الذي تحظى به مصر من جميع الأطراف اللبنانية، ونسأله: هل يمكن أن تلعب دوراً أكبر؟

أتفق معك في أهمية السؤال. مصر تحظى بثقة كل الطوائف والمواطنين اللبنانيين، لأنها لا تسعى لمصلحة خاصة، بل من أجل لبنان قوي ومستقر يدعم الأمن القومي العربي. لكنها تدرك أنها لا تستطيع وحدها، ولا بد من تعاون مشترك. وأتوقع أن يكون لمصر دور أكبر قريباً عبر مبادرات واضحة، خاصة مع تصاعد التحديات.

هل توافق على أنّ المنطقة دخلت العصر الأميركي ـ الإسرائيلي، وأن نتنياهو هو سايس وهو بيكو العصر؟

منذ السابع من تشرين الأول 2023، شهدت المنطقة تحولات كبيرة، وإسرائيل كشفت عن وجهها الحقيقي، الذي يتجلّى ليس فقط في أفعالها، بلّ أيضاً في تصريحات مسؤوليها. لذلك، أرى أنّ المنطقة ودولها تواجه خطرًا حقيقيًا جراء السلوك الإسرائيلي، الذي لا تخفيه الحكومة المتطرفة. ومن هنا، يصبح من الضروري مواجهة طموحات إسرائيل العلنية، ولكي يتمّ ذلك بفعالية، يجب أن نتحصّن بموقف عربي موحّد، يتبنّى خطوات واضحة. وهناك تنسيق دائم الآن ما بين عدد من الدول العربية الرئيسية، وهي تتفاعل بجديّة مع هذا الملفّ الحسّاس.

إلى أيّ حدّ يؤثّر ما يجري في غزة على الأمن المصري القومي؟

طبعاً يؤثّر بشكل مباشر.

وكيف تتعاملون معه؟

مصر تنظر إلى ما يحدث على جبهتها الشرقية، بكلّ اهتمام، وبكلّ تركيز، ولن تسمح في أيّ لحظة من اللحظات أن يهدَّد أمنها القومي. نعمل على نزع الفتيل، والآن نحن في مرحلة حرجة للغاية نتيجة الأطماع الإسرائيلية. هناك خطة إسرائيلية لاحتلال غزة تمّ الإعلان عنها، وهذا يمثّل طبعاً تهديداً مباشراً للأمن المصري، وثقي مليون في المئة أنّ مصر لديها القدرة ولديها الوسائل ولديها الاتصالات اللازمة من أجل منع تطور الأمر، وهو ما نقوم به حالياً، وأنا هنا أتحدّث عن الوسائل السلمية، أيّ الحديث مع الشركاء، من أجل التنبيه بأنّ الخطوات القادمة إذا خطتها إسرائيل، لن تكون فقط تهديداً للأمن المصري، لكن للأمن القومي العربي، والأمن الإقليمي. مصر دولة ليست صغيرة. مصر دولة كبرى وتستطيع الدفاع عن مصالحها.

إسرائيل تكاد تنهي سيطرتها على عزة، وترسم شريطاً حدودياً في لبنان، وتقف على أبواب دمشق. ألا تعتقد أنّ بنيامين نتنياهو أنهى رسم الخرائط الجديدة؟

يجيب: سعيد بهذا السؤال لأنّه يسلّط الضوء على نقطة مهمة، وهي أنّ دول الطوق هي الأكثر تأثرًا، وأنّ البعيدين جغرافيًا يتصورون أنّهم لن ينالوا قسطًا، فيما هذا غير صحيح. فأيّ تغيير في المنطقة لن يقتصر تأثيره على دول المواجهة فقط، بلّ سيمتد تأثيره للجميع. وقد تأكّد لنا من خلال اتصالاتنا، أنّ كلّ دول المنطقة مدركة لفداحة الموقف، وإمكانية تأثيره عليها.

نذهب إلى تفاصيل أكثر، ونسأل: هل واضح بالنسبة لسعادتك أن سوريا الشرع تخرج من النزاع مع إسرائيل؟

ما يحدث في سوريا شأن داخلي سوري.

(أقاطعه) داخلي ولكن يؤثّر.

طبعاً. طبعاً.

هل صعد أحمد الشرع إلى القطار المتجه إلى تلّ أبيب، ويُنتظر من بيروت أن تفعل مثله؟

لن أقارن الوضعين. فكلّ حالة لها خصوصياتها. هناك حديث عن ترتيبات بين الجانبين الإسرائيلي والسوري، لكن لبنان وضعه مختلف تماماً، وتحدياته كبيرة. لذا، يجب على لبنان أن يعزّز مناعته الداخلية أولاً، ليتمكّن من وضع سياسة خارجية تحقّق مصالحه وأمنه القومي. من المبكر الحديث عن مستقبل لبنان، لذا دعونا نركّز الآن على ما يسهم في استقراره.

ألا تعتقد أنّ دول الطوق أمام خيارين فقط: التطبيع أو التقسيم؟

يجيب: علينا تعزيز وضعنا الداخلي لنتمكن من فرض خياراتنا التي تخدم مصالحنا، بدلاً من أن نُجبر على الاختيار فقط بين التقسيم أو التطبيع.

هل تجاوزت سوريا مخاض التقسيم الذي لاح مع مجازر السويداء لأنّ أوجاع البقاء ضمن الخرائط الحالية أخفّ من أوجاع القفز منها؟

سوريا دولة مهمة، وركيزة أساسية في المنظومة العربية، وعلاج أزمتها يتطلب عملية سياسية شاملة، تجمع كلّ الأطياف السورية على التوافق حول منهج ودستور وإجراءات تُعيد لسوريا قوتها ومكانتها السابقة.

قال الشرع إنه يتناسى الجروح التي أحدثها له “حزب الله” و”الحشد الشعبي”، ودعا العراق ولبنان إلى شراكة استقرار وازدهار. هل المسألة بهذه البساطة؟ وهل يسعى فعلاً لتصفير المشاكل مع جيرانه؟

والله أفلح إن صدق. فالحديث الطيّب مهم، لكن الأهم هو ما يتبعه من إجراءات على الأرض. فلننتظر لنرى مدى التزامه بالتطبيق، وإذا كان الأمر كذلك فسيكون جيداَ، وإن لم يكن، فلكلّ حادث حديث.

الحديث الطيب وحده لا يكفي، بلّ يجب أن تصاحبه إرادة حقيقية للتنفيذ. فدون هذه الإرادة تبقى الكلمات بلا قيمة.

هل لديه الإرادة؟

أرجو هذا.

هل تمكّن الشرع من طي صفحة الأسدين؟

أعتقد أن سوريا أمامها طريق طويل لاستعادة عافيتها، شرط أن تبدأ فوراً خطوات حقيقية نحو ذلك، تبدأ بإطلاق عملية سياسية شاملة تشمل جميع الأطياف في إدارة الحكم. دون انطلاقة هذه العملية، يبقى الأفق مليئاً بالتحديات.

هل يُعتبر الشرع الحاكم الفعلي لسوريا أم مجرّد حاكم لبعض أحياء دمشق؟

ننظر إلى سوريا بقدر كبير من الحذر والتوجس والقلق على مستقبلها. سوريا دولة ذات أهمية كبرى، ونتمنى لها الاستقرار الدائم. ما نشهده اليوم من أحداث يعكس حالة عدم استقرار، ونأمل أن يتمّ تجاوزها والتعامل معها بشكل فعّال.

نسأله: هل المجموعات التكفيرية في سوريا ما زالت مقلِقة؟

طبعًا. هي مقلقة للجميع وليس فقط مصر. وربما لبنان هو أكثر طرف تقلقه نظرًا للحدود المشتركة.

مثل هذه المجموعات تتبنّى أفكاراً متطرّفة، وتعتمد لغة القوة والعزل، مما يجعلها تحمل خطرًا حقيقيًا على محيطها. لذا، نأمل أن توجد خطة واضحة في سوريا للتعامل مع هذه الظاهرة بشكل فعّال.

كيف وصف السفير المصري الشخصيات اللبنانية البارزة، وما النصائح التي وجّهها لها؟

ـ جوزاف عون؟

أشد على يده، وأؤيّد مقاربته بالكامل، وأشجعه على الاستمرار في المسار الذي اختاره، وأقول له: لا تسمح للمطبات أن تعوقك عن التقدّم.

ـ نواف سلام؟

يقوم بنشاط ملحوظ في الفترة الأخيرة، وأهنئه على حيويته وتحرّكه في مختلف الاتجاهات. تبدو الصورة أمامه الآن أكثر وضوحاً، وأنصحه بالاستمرار على هذا النهج، وبالوتيرة ذاتها.

ـ نبيه بري؟

يمتلك قدراً كبيراً من النباهة، وأراه دوماً صوت العقل والحكمة، وفي مثل هذه اللحظات الدقيقة، لا صوت يعلو على صوته. أدعوه لأن يتدخّل ويضع كلّ خبراته وكلّ حكمته في خدمة إخراج لبنان من الاستحقاق المقبل، بما يحمله من تحديات كبرى. فهو يدرك جيداً تعقيدات الواقع اللبناني والإقليمي والدولي، ودوره في هذه المرحلة بالغ الأهمية.

ـ سمير جعجع؟

أكنّ إعجابًا كبيرًا للحكيم، لما يتمتّع به من صراحة وقوة وثبات في الموقف. واليوم، أرى أنّه بات في موقع أقوى، فقد انتقل من صفوف المعارضة إلى صفوف الموالاة، ما يحمّله مسؤولية أكبر. ومن هذا المنطلق، أدعوه إلى أن يضع كلّ حكمته وخبرته وصراحته في خدمة المرحلة المقبلة.

ـ نعيم قاسم؟

لا أعرفه شخصيًا، لذلك لا يمكنني توجيه رسالة مباشرة إليه، سوى القول إنّ علينا جميعاً أن نتعلّم من دروس الماضي.

ـ فراغ الشارع السني؟

وقعت خسائر كثيرة، في ظلّ الفراغ الزعاماتي الذي يشهده الشارع السنّي، ومن الضروري أن تبرز شخصية تتمتّع بدعم داخلي لأنّها ستلقى بلا شكّ صدى إيجابيًا في الإقليم طالما أنها تمثّل شريحة واسعة. ولا يمكن تجاهل أنّ عودة سعد الحريري في حال حصلت، ستشكّل بالتأكيد إضافة مؤثرة.