مهدت لزيارة أورتاغوس بالنار: إسرائيل تطوق تعهد عون للحزب

مهدت لزيارة أورتاغوس بالنار: إسرائيل تطوق تعهد عون للحزب

الكاتب: غادة حلاوي | المصدر: المدن
19 أيلول 2025

استباقًا لوصول الموفدة الأميركية مورغان أورتاغوس، وسّعت إسرائيل نطاق عدوانها في تصعيد خطير ينذر بالأسوأ. ليست المرة الأولى التي تستبق فيها إسرائيل وصول أي موفد أميركي بحملة تصعيد واسعة على لبنان، بما يؤكد تنسيق الأدوار بينهما. بعدوان الأمس مهّد رئيس حكومة إسرائيل بنيامين نتنياهو الأرضية لجولة أورتاغوس لتكون بمثابة رسائل بالنار إلى الحكومة اللبنانية التي يتفاوض معها الأميركي على مسألة السلاح. واضح أن أميركا- ومعها إسرائيل- لم تكتفِ بمقررات الحكومة وخطة الجيش، بدليل ما قالته سفيرتها في لبنان خلال احتفال بالعيد الوطني الأميركي من أن “العمل الذي قام به الجيش اللبناني منذ اتفاق وقف إطلاق النار جبّار لكنه غير كافٍ”، وبالتالي ليس مستبعدًا أن يكون لبنان أمام تصعيد جديد تسلّم به واشنطن التي سبق وسلّمت بالعدوان الإسرائيلي على قطر وسمحت لإسرائيل بالاعتداء عليه، على الرغم من دور قطر ومكانتها في المفاوضات الفلسطينية – الإسرائيلية.

في هذا الجو لم يتردد الموفد توم براك في القول إن إسرائيل لم تعد تعترف بسايكس – بيكو، بما يعني أنها شرّعت لنفسها القيام بالعمليات العسكرية أينما أرادت في الشرق الأوسط من دون رادع ولا صوت معارض لا في الأمم المتحدة ولا في مجلس الأمن، ولا حتى موقف يُسجَّل لأوروبا.

يحصل كل ذلك وسط شبه غياب لبناني عن التطورات، فيما تعلن سوريا عن اتفاقات أمنية مع إسرائيل، ما يجعل لبنان أمام مهبّ الضغوط بعلم ودراية واشنطن التي لا تريد تسليم سلاح حزب الله فحسب، وإنما أن تكون الشاهد على إتلافه للتثبت من نهايته.

تسيير أمور العهد بعيداً عن السلاح

وسط هذه الأجواء يحذر رئيس الجمهورية من مغبة أي تصادم داخلي، ويؤكد على الحوار مع حزب الله، ويوفد مستشاره الأول العميد أندريه رحال للقاء رئيس كتلة الوفاء للمقاومة محمد رعد في جولة حوار جديدة، ستعقبها زيارة وفد حزب الله لبعبدا بعد عودة عون من زيارة نيويورك. تلك الزيارة ستكون باكورة الحوار المباشر بين الرئاسة وحزب الله وتُستكمل على مراحل لتفتح صفحة جديدة من العلاقة. ساعد في إنجاح اللقاء هدوء عاصفة قرارات الحكومة وإصرار حزب الله على أن لا حصرية للسلاح مع استمرار العدوان الإسرائيلي، وهو ما تؤكده حرب إسرائيل المصغّرة أمس على عدد من قرى الجنوب.

خلال اللقاء لم يترك المجتمعون موضوعًا من موضوعات الساعة إلا وتطرّقوا إليه، من رحلة رئيس الجمهورية جوزاف عون إلى نيويورك، وصولًا إلى القوانين والتشريعات المطروحة للنقاش في مجلس النواب، والأهم بينها قانون الانتخابات النيابية، كما ملف إعادة الإعمار الذي يصر عليه حزب الله، ومشروع الموازنة. كما تم التطرق إلى الاعتداءات الإسرائيلية على لبنان وموضوع السلاح، الذي وإن لم يكن أساسيًا على طاولة البحث، إلا أنه حظي بنقاش.

في الانطباع الأولي يبدو وكأن موضوع السلاح لم يعد يتصدر البحث بعد قرارات الحكومة، خصوصًا بعدما وُضعت الأمور في عهدة الجيش. لكأن العهد يريد الالتفات إلى المواضيع الداخلية، ولا سيما إعادة الإعمار وقانون الانتخاب وسير عمل الحكومة في الفترة المقبلة.

فمسألة قانون الانتخاب ليست عابرة وسط تبادل الاتهامات بين القوى السياسية حول من يريد تأجيل الاستحقاق ومن يريد الالتزام بالمواعيد الدستورية. أول الغيث بدأ مع اتهام القوات اللبنانية حزب الله بأنه يريد تأجيل الانتخابات لغايات في نفسه. واقع الأمور يشير إلى أن لكل فئة سياسية حساباتها. يريد الثنائي تطبيق قانون الانتخاب بالشكل الذي أُقرّ فيه بعيدًا عن الاستثناء بتصويت المغتربين لـ128 نائبًا، وإنما حصر أصواتهم باختيار ستة نواب يمثلونهم في بلاد الاغتراب. لا يريد الثنائي تجرّع الكأس المرّة مرتين بعد الخسارة التي مُني بها من أصوات المغتربين في انتخابات العام 2022. وفي الموازاة، ثمة من يقول إن القوات اللبنانية ترغب بالتأجيل لحسابات تتصل بانتخابات الرئاسة المقبلة، إذ تعوّل على أن المجلس المقبل الذي سينتخب بعد تغيير موازين القوى سيؤمن لفريقها السياسي أكثرية الثلثين نيابيًا، وأن الانتخابات بعد تأخير إعادة الإعمار لن تصب في صالح الثنائي داخل أقلام الاقتراع، ما قد يؤدي إلى نتائج أفضل ويسمح بكسر الثنائية الشيعية.

اتفاق ما قبل الرئاسة: الاستراتيجية بعد الانتخابات

في مجمل الأحوال، لا حديث عن تأجيل الانتخابات من دون أسس. وإن كانت الشرارة الأولى مجهولة المصدر، فالجميع بات على علم بأن التأجيل احتمال وارد، وقد تحدث عنه رئيس الجمهورية من قبل، كما تبلّغت وزارة الداخلية بوجود صعوبات بالجملة. وللانتخابات قصة أخرى ربطًا بموضوع حصرية السلاح والاستراتيجية الدفاعية أو استراتيجية الأمن الوطني. فالمتفق عليه قبل انتخابات الرئاسة أن البحث في مسألة السلاح سيكون حتمًا بعد الانتخابات النيابية وليس قبلها. غير أن الضغوط الأميركية – الإسرائيلية كانت أقوى من الاتفاق. ومن هنا، يمكن فهم العتب الدفين لحزب الله على رئيس الجمهورية واعتراضه الشديد على جلستي الحكومة وما أُقر خلالهما. وفي إحدى جلسات المصارحة لم يتردد نائب حزب الله في مفاتحة العميد رحال بالتعهّد والرفع من سقف تهديدات الحزب بوقف تسليم السلاح حتى من جنوب الليطاني.

لم تكن جلسة رعد مع رحال هي الأولى بعد جلستي الحكومة، فالتواصل لم ينقطع لحرص رئيس الجمهورية على متانة العلاقة مع الثنائي. وفي العمق يعوّل رئيس الجمهورية على دور بري في تدبير المخرج المناسب بالتفاهم مع حزب الله، وهو أبلغ الموفدين أن لا بد من الحوار سبيلًا بالنظر إلى حساسية الوضع الداخلي، وقد لمس تفهّمًا لموقفه، لولا أن إسرائيل جدّدت عدوانها الواسع على جنوب لبنان، بما يعني أن لا التزام بورقة توم باراك ولا مقررات الحكومة يكفي، وأن المطلوب تطبيق حصرية السلاح بما يتناسب مع الشروط الإسرائيلية، وما لا يفعله الجيش ستفعله إسرائيل بالقوة، بالتنسيق مع واشنطن، وهذه مهمة أورتاغوس.