زيارة البابا للبنان تُسابِق أفول حروب ومَخاطر اشتعال أخرى

زيارة البابا للبنان تُسابِق أفول حروب ومَخاطر اشتعال أخرى

المصدر: الراي الكويتية
8 تشرين الأول 2025
– إعلان الفاتيكان حصول الزيارة في 30 نوفمبر… قوبل بترحيبٍ كبير

هل تكون «الأعاصير» التي تَعصف بالمنطقة ولبنان منذ 7 أكتوبر 2023 انتهتْ في 30 نوفمبر المقبل؟ أم أن الزيارةَ الرسولية التي أَعلن الفاتيكان أن البابا ليو الرابع عشر سيقوم بها لـ «بلاد الأرز» في هذا التاريخ ستتمّ على وقع استمرار ارتجاجاتِ «طوفان الأقصى» على المسرح اللبناني؟ وهل تشكّل هذه المحطة حافزاً في بيروت للإسراع في ترتيبِ البيت الداخلي وفق ما يُرسم لـ «الشرق الجديد»، أم أنّ ثمة مَن يمكن أن يتفيأها لمزيدٍ من معاندةِ مسار استعادة الدولة مقوّماتها وتحويلها تالياً فسحةً جديدة لـ «شراءِ وقتٍ» إضافي؟

هذه الأسئلة حَضَرَتْ بقوةٍ مع إعلان الكرسي الرسولي أن لبنان سيكون ضمن أول جولة خارجية يقوم بها البابا وتشمل بدايةً تركيا (بين 27 و 30 نوفمبر) وذلك «تلبية لدعوة فخامة رئيس الجمهورية (العماد جوزف عون) والسلطات الكنسية اللبنانية»، وتَقاسَمَتْ المشهد الداخلي مع الذكرى الثانية لـ 7 أكتوبر الذي يُخشى أنه يَقترب من أن تُسدل الستارةُ عن فصوله «الجهنمية» في غزة لتتسلّم «بلاد الأرز» كرةَ النارِ التي تُنْذِر بأن تجعلَها إسرائيل هذه المرة حارقة لِما بقي من «أخضر ويابس» أَفْلت من «مطحنة» الدم والدمار في حرب الـ 65 يوماً خريف 2024.

ومنذ كَشْفِ موعد الزيارة، بدا أنها شكّلتْ «نقطة ضوء» في آخِر النفَق اللبناني الذي تَزاحَمَتْ فيه الأزمات والكوارث منذ خريف 2019 وصولاً إلى التحاقه بـ «محرقة غزة» في 8 أكتوبر 2023 ليجد «وطن الرسالة» كما أعلنه البابا القديس يوحنا بولس الثاني نفسَه منذ ذلك التاريخ خصوصاً أمام مخاطر وجودية تتجاوز دورَه، بعدما انكشف بالكامل على العواصف الإقليمية واقتيد إلى «عيْنها»، وسط مخاوف متعاظمة تُبْديها مَصادر مطلعة من أن يُجَرّ إلى «نموذج غزة» في حال أصرّ «حزب الله» على تأخيرِ عملية تفكيكِ ترسانته ما قد يفتح البابَ أمام وَضْعِه تحت ضغط «النار» بين خياريْن «أحلاهما مُرّ»: تسليم السلاح بشروطِ تل أبيب وواشنطن أو «الجحيم» الذي لوّح به الرئيس دونالد ترامب لـ «حماس».

ورغم حَسْمِ موعد زيارة البابا، فإنّ من الصعب بمكان تقدير «اللحظة السياسية» التي ستحصل فيها كون الأيام الـ 53 الفاصلة عنها تَشي بأنها حَبْلى بتطوراتٍ من شأنها تبديل وجه المنطقة التي تقف على أرضٍ متحرّكةٍ في الطريقِ إلى «نهائيةٍ» تترسّخ تباعاً مرتكزاتها على قاعدةِ إطفاء الحروب «لمرة واحدة ونهائية» وإرساء السلام، أو أقلّه بداياته، وترسيمٍ جديد للنفوذ الإقليمي يُراعي التحولات الجيو – سياسية ويترجم ضمورَ نفوذ إيران ومحورها ومعادلة «عودة طهران إلى طهران» عبر إما قَطْع أذْرعها وإما شلّها، من دون إسقاط احتمالاتِ عودة مواجهة الـ «وجهاً لوجه» بين الجمهورية الإسلامية واسرائيل ومعها الولايات المتحدة.

وفي تقرير على موقع «أخبار الفاتيكان»، جاء أن البابا «سيزور لبنان كي يحمل عطفه إلى هذا الشعب، الذي توازي معاناته قوّة صموده أمام الأزمة الاقتصادية، وانفجار مرفأ بيروت عام 2020 وتبعاته الكارثية، والجمود السياسي الذي بدا أنه بدأ يُكسر منذ يناير مع انتخاب الرئيس جوزيف عون، وما حمله ذلك من آمال بتجدد الحياة السياسية»، وأضاف: «أنَّ صمود الشعب اللبناني لم يتراجع حتى أمام الحرب الأخيرة بين إسرائيل و«حزب الله»التي دمّرت الجنوب. وفي فبراير الماضي، كان الكاردينال مايكل تشيرني، عميد دائرة خدمة التنمية البشرية المتكاملة، قد قام بمهمة إلى لبنان بتكليف من البابا، حاملاً إلى ممثلي الكنائس والمنظمات الخيرية والمؤمنين واللاجئين، قربَ أسقف روما الروحي والإنساني. وفي نهاية كل لقاء، كان الجميع يعبّرون عن رجائهم بأن يتحوّل ذلك القرب إلى حضورٍ فعلي، وأن يشهد لبنان من جديد زيارة بابوية بعد زيارة بنديكتوس السادس عشر عام 2012، إحدى آخر رحلات حبريته القصيرة. وها هو الرجاء يتحقّق اليوم مع وصول البابا ليو الرابع عشر».

عون يرحب

من جهته، رحّب عون بالزيارة الرسولية الأولى التي سيقوم بها الحبر الأعظم، والتي سيخصصها للبنان.

وقال «إنّ هذه الزيارة التي يقوم بها قداسته إلى وطننا في بداية حبريّته، ليست مجرّد محطة رسمية، بل لحظة تاريخية عميقة تعيد التأكيد على أنّ لبنان، رغم جراحه، لايزال حاضراً في قلب الكنيسة الجامعة، كما في وجدان العالم، مساحة للحرية، وأرضاً للعيش المشترك، ورسالة إنسانية فريدة تُعانق السماء وتخاطب ضمير البشرية».

اضاف «إنّ هذه الزيارة المباركة تُشكّل علامة فارقة في تاريخ العلاقة العميقة التي تجمع لبنان بالكرسي الرسولي، وتجسّد الثقة الثابتة التي يوليها الفاتيكان لدور لبنان، رسالةً ووطناً، في محيطه وفي العالم، كما شدد عليها الأحبار الأعظمون الذين لطالما اعتبروا لبنان، بتعدديته الفريدة، وبإرثه الروحي والإنساني، هو أكثر من وطن، هو أرض حوار وسلام، ملتقى للأديان والثقافات، ورسالة حية للعيش المشترك».

وتابع «يأتي قداسة البابا إلى لبنان، وقلوب أبنائه مشرعةٌ له من أقصى الشمال إلى أقصى الجنوب. جميع اللبنانيين، مسيحيين ومسلمين، يتهيّأون منذ الآن لاستقباله بفرحٍ صادقٍ ووحدةٍ وطنية نادرة، تعكس صورة لبنان الحقيقية. ان لبنان قيادةً وشعباً، ينظر إلى هذه الزيارة بكثير من الرجاء، في زمنٍ تتعاظم فيه التحديات على مختلف المستويات. ونرى فيها نداءً متجدّداً إلى السلام، وإلى تثبيت الحضور المسيحي الأصيل في هذا الشرق، وإلى الحفاظ على نموذج لبنان الذي يشكّل حاجةً للعالم كما للمنطقة». وختم: «إننا ننتظر هذه الزيارة التاريخية بكثير من الرجاء والفرح، مؤمنين بأنها ستكون محطة روحية ووطنية جامعة، تحمل معها بلسماً للقلوب ودعماً معنوياً كبيراً للبنان في مسيرته نحو النهوض والاستقرار».

محطات بابوية

ومحطة البابا، لن تكون الزيارة البابوبة الأولى للبنان الذي عرّج عليه البابا بولس السادس في 2 يناير 1964 فيما كان متّجهاً إلى بومباي، إذ توقف لمدّة 50 دقيقة في مطار بيروت الدولي، حيث انتهز الفرصة لينشر رسالة السلام. وتركت هذه الزيارة أثرها في ذاكرة «بلاد الأرز» التي كان تستضيف للمرّة الأولى رأس الكنيسة الكاثوليكية على أرضها.

وفي 10 و11 مايو 1997 زار البابا يوحنا بولس الثاني «لبنان ما بعد الحرب الأهلية» في محطة تاريخية سلّم خلالها الإرشاد الرسولي المنبثق عن السينودوس «رجاء جديد من أجل لبنان».

وانطبعتْ زيارة يوحنا بولس الثاني التي اعتُبرت في بُعدها المعنوي بداية تحطيم «جدار الخوف» في زمن الوصاية السورية على لبنان وما عُرف بإحباط المسيحيين المتأتي من إقصاء زعمائهم بالنفي أو الاعتقال، بإعلانه لبنان «أكثر من مجرّد بلد، بل رسالة سلام».

وبين 14 و 16 سبتمبر 2012، كانت الزيارة البابوية الرسمية الثانية مع بنديكتوس السادس عشر لتقديم الإرشاد الرسولي إلى أساقفة الشرق الأوسط والذي انبثق عن السينودوس الخاص الذي انعقد في أكتوبر 2010 في الفاتيكان.

وجاءت هذه الزيارة في غمرة التحوّلات الإقليمية في أعقاب بدء «ثورات الربيع العربي» ولا سيما في سوريا التي كانت التشظيات السياسية والأمنية لثورتها تحضر بقوة في الواقع اللبناني.

وفي يونيو 2022 كان يُفترض أن يزور البابا فرنسيس بيروت، ولكن حينها أثير لغط كبير بعدما لم تلتزم الرئاسة اللبنانية حينها بـ «البروتوكول» الذي يَقضي بأن يعلن الكرسي الرسولي أولاً عن موعد الزيارة فاستعجلت كشْفَها، لتتشابك آنذاك مع «الحروب السياسية» التي كانت مستعرة على تخوم انتخاباتٍ نيابية كما على مشارف انتهاء ولاية الرئيس ميشال عون (أكتوبر 2022).

ورغم أن الفاتيكان أعلن حينها أن البابا فرنسيس لن يزور بيروت لأسباب صحية، فإن الاعتباراتِ السياسية التي بقيت مكتومةً وراء امتناعِه عن زيارة لبنان ارتسمتْ لاحقاً مع المحطة التي حملتْه إلى البحرين في نوفمبر 2022 من دون أن تشتمل على بيروت.

ملف السلاح

وفي موازاة الانشغال بالزيارة التي أعلنت للبابا، بقي ملف سلاح «حزب الله» في واجهة الاهتمام، خصوصاً مع دخول حرب غزة عامها الثالث ومعها «حرب الإسناد» التي أطلقها حزب الله في مثل هذا اليوم من 2023.

وفيما أعلن رئيس حزب «القوات اللبنانية» سمير جعجع، أنه «يتعيّن على حزب الله أن يتعظ من تجربة حركة حماس الفلسطينية في قطاع غزة، وأن يسلّم سلاحه الى الدولة اللبنانية في أقرب وقت»، مضيفاً «حرام إضاعة الوقت بموضوع تسليم السلاح»، كان الحزب يمضي بمواقف تراوح بين رفض هذا الأمر في المبدأ وبين «ان يتوقف العدوان الاسرائيلي على لبنان وينسحب العدو ويعود الأسرى ويبدأ الإعمار، ويُناقش الأمن الوطني على أسس واقعية تحفظ الكرامة والسيادة وعندها يمكن الحديث عن استراتيجية وطنية أما قبل ذلك فالكلام لا يُقنع أحداً».

ولم يتوانَ الأمين العام للحزب الشيخ نعيم قاسم عن تكريس «الأوعية المتصلة» مع إيران بإعلانه «المقاومة خاضت معركة صعبة ومعقدة جداً لم يمرّ عليها مثلها خلال الـ 40 سنة ونيّف»، مضيفاً «إسرائيل لن تتمكن من أن تحقق أهدافها. نحن أقوياء»، شاكراً «دعم القيادة والدولة والشعب في إيران للمقاومة. ونحن نشعر أن إيران كلّها، من أولها إلى آخرها، معنا؛ أعطتْنا وقدمت لنا وجعلتنا نشعر بهذه العزيمة وبهذه القوة».

من جهتها، مضت إسرائيل في استهدافاتها جنوباً حيث أغارتْ مسيّرةٌ على جرافة في منطقة وادي مريمين غربي بلدة ياطر ما أدى الى مقتل سائقها، قبل أن تستهدف غارة أخرى بلدة السلطانية.