
هل ترتفع قيمة الذهب أم تنهار قيمة العملات؟
نشهد منذ سنوات وعقود تحسُّناً كبيراً في قيمة الذهب، وقد كان أجدادنا يعتبرون أنّ الإستثمار بالذهب هو الملاذ الآمن، في زمن الإضطرابات والحروب، وبحسب العادات طُبّق المثل: «إحفظ قرشكَ الأبيض ليومكَ الأسود»، إذ كان يعني إحفظ قرشك الذهبي الذي لا يخسر، لا بل تتحسّن قيمته مع الوقت.
لماذا الذهب كان ولا يزال الملاذ الآمن؟
أولاً: لأنّ إستخراج الذهب مع مرور الوقت محدود، كما أنّ قيمته تلحق العرض والطلب. علماً أنّ الطلب يزيد عن العرض المحدود.
ثانياً: إنّ الذهب لا يتبع الأزمات والإضطرابات المالية، النقدية، الإقتصادية والحروب، ولا يتعلّق بأي سياسة مالية وإقتصادية في البلد والعالم، لكن له إستقلالية منفردة كمعدن محدود العرض بطلب متزايد.
ثالثاً: يُعتبر الذهب ملاذاً آمناً من خلال الطلب الكبير عليه، في قطاعات إنتاجية عدة مثل صناعة المجوهرات والساعات والأسنان واللوحات، وأيضاً يُعتبر طلباً إستثمارياً من قِبل المصارف المركزية لإحتياطاتها أو حتى من قبل صناديق إستثمارية كبيرة.
رابعاً: إنّ قيمة أونصة الذهب في العام 1971، كانت توازي 35 دولاراً، أمّا اليوم فأصبحت توازي أكثر من 3 آلاف دولار، ممّا يُترجم التحسّن الهائل في قيمته.
للمقارنة، ما كنّا نشتريه بحسب قيمة أونصة الذهب في السبعينات من القرن الماضي، إستمرّينا في شرائه بحسب قيمة الأونصة عينها في العام 2025. أمّا ما كنّا نشتريه بسعر الأونصة في العام 1970 أي 35 دولاراً، أصبحنا نحتاج إلى آلاف الأضعاف اليوم لنشتري السلع عينها على الأقل. هذا يعني أنّ قيمة الذهب مستقرّة، أمّا قيمة العملة فتنهار آلاف المرّات مع مرور الزمن، وتخسر جزءاً كبيراً من قيمتها الشرائية.
فالعملات ترتبط مباشرة بالتضخّم وبطبع العملات وضخّها في السوق، وبالدَين العام المتزايد في جميع الدول، ولا سيما بثقة المستهلك. فالعملات ترتبط بالسياسة المالية الداخلية والدولية، وتنحدر قيمتها يوماً بعد يوم، مع تراجع نسبة العيش لمَن يتكل فقط على ودائعه، أو حتى أيضاً على الفائدة الوهمية التي دائماً تقلّ عن نسبة التضخُّم التي تأكل في الصميم قيمة العملة وقيمة الوديعة أيضاً.
في المحصّلة، لا يزال الذهب اليوم الملاذ الآمن للأفراد والإستثمارات والإقتصادات، مقارنةً بالإتكال على الإستثمارات في العملات التي تخسر من قيمتها يوماً بعد يوم، جرّاء طبعها وضخّها في السوق والتضخُّم والسياسات المالية والنقدية الداخلية والدولية. فعرض العملات ليس محدوداً، لكنّه ينخفض مقارنة مع عرض الذهب المحدود وطلبه المتزايد.
بالإضافة إلى ذلك، المنافسة الجديدة مع العملات المشفّرة، هي التي تكسب الأرض أكثر فأكثر في عالمنا الإقتصادي الحديث. هذا يعني أنّ الذهب لن ترتفع قيمته الحقيقية بالفعل، لا بل استقرّت عبر الزمن. أمّا العملات الورقية، فهي التي تخسر قيمتها وقوّتها الشرائية ونسبة عيش مستخدميها.