الانتخابات النيابية بدأت قبل أن تبدأ

الانتخابات النيابية بدأت قبل أن تبدأ

الكاتب: اندريه قصاص | المصدر: لبنان 24
18 أيلول 2025

تسعى الأحزاب ذات الثقل التمثيلي في الضفتين المتقابلتين من ضفاف الوطن إلى مراكمة ما أنجزته في انتخابات العام 2022. وفي طليعة هذه الأحزاب ثلاثة على الأقل: “القوات اللبنانية” و”التيار الوطني الحر” على الساحة المسيحية، و”حزب الله” على الساحة الشيعية، في غياب مكّون أساسي عن الساحة السنّية بعد قرار الرئيس سعد الحريري تعليق العمل السياسي لتيار “المستقبل”، مع احتفاظ الحزب التقدمي الاشتراكي في الجبل بحصرية التمثيل الدرزي.

وانطلاقًا من هذه الحصرية يعمل كل حزب أو تيار سياسي وفق اجندته السياسية وكأن الانتخابات النيابية حاصلة غدًا. وهذا الاستعداد قائم على قدم وساق حتى في ضوء ما لم يتخذه مجلس الوزراء من قرار واضح في ما يتعلق بنص المادتين 112 و122 من قانون الانتخابات، ويستدعي تدخلا للمشترع لإزالة الغموض، والحؤول دون التفسيرات المختلفة لأحكامهما، هذا فضلا عن النواقص الثابتة في بعض الأحكام الأخرى التي تستوجبها أيضا تدخلات تشريعية من أجل معالجتها واستكمال الإطار القانوني اللازم بشأنها لكون هذه المسائل تخرج عن إطار سلطة الحكومة.
وبذلك يكون مجلس الوزراء قد رمى كرة أي تعديل محتمل إلى ملعب مجلس النواب، بتكليفه وزير الداخلية والبلديات التنسيق إطلاع اللجان النيابية المشتركة التي يشارك في اجتماعاتها، والتي تعكف على درس اقتراحات القوانين الانتخابية الجديدة أو اقتراح تعديلات على القانون الحالي على مضمون ما ورد في هذا القرار، من أجل العمل على معالجة وتصحيح العيوب الموجودة في القانون الحالي أو استدراك تلك النواقص في أي قانون انتخابي جديد سيرعى وينظم العملية الانتخابية المقبلة.

“القوات”
في ما يتعلق بـ “القوات” اللبنانية” فإنها تعمل بصمت وبتأنٍ، بما لديها من خبرة تراكمية في المجال الانتخابي من خلال ماكينتها الانتخابية، التي يعترف خصومها قبل حلفائها، بأنها الأقوى والأكثر فعالية على الأرض، تحضيرًا ومواكبة. فـ “معراب” تحوّلت منذ اليوم الأول الذي أعقب الانتخابات البلدية إلى خلية نحل استقطابية، باعتبار أن لرؤساء البلديات والمخاتير تأثيرًا قويًّا في مسرى الانتخابات النيابية كونهم “مفاتيح انتخابية” مهمة.
من هنا فإن “معراب” تعمل لتنظيم هذا العمل لاستثماره انتخابيًا، ومن ثم الانتقال من ما هو نظري إلى التطبيق العملي على الأرض، بحيث يصار إلى إعداد كوادر تنظيمية متخصّصة وخبيرة في القانون النسبي الحالي المعمول به، مع نسج مروحة واسعة من العلاقات السياسية مع عدد من الأحزاب المؤثرّة في محيطها، إضافة إلى بعض المستقلين أو التغيريين، الذين لديهم حيثية شعبية متقدمة في بيئتهم، خصوصًا أولئك الذين أثبتوا من خلال تجربتهم السابقة في العمل التشريعي والرقابي جدارة لافتة.

“التيار الوطني”
أمّا بالنسبة إلى “التيار الوطني الحر” فإن النائب جبران باسيل يحاول من خلال الجولات التي يقوم بها في أكثر من منطقة، وآخرها طرابلس وعكار، مصطحبًا معه الرئيس السابق ميشال عون كرافعة تحفيزية، تعويض ما يمكن أن يخسره من أعداد في كتلته النيابية بعدما أصبح التحالف مع “الثنائي الشيعي” في المناطق المشتركة شبه مستحيل، على أن يبقى التعويل على ما لدى “الجنرال” من رصيد شعبي حتى خارج الصفوف العونية. إلاّ أن هذا العامل لوحده غير كافٍ في عملية سيكون التنافس فيها صعبًا، خصوصًا أن العوامل المساعدة، التي كانت متوافرة لـ “التيار” في انتخابات العام 2022 لم تعد موجودة. وقد يكون من بين أهمّ هذه العوامل أن رمز التيار لم يعد في الحكم، وأن حلفاء الأمس قد أصبحوا في خطّ المواجهة المباشرة، خصوصًا في المناطق المختلطة، التي لا يزال لـ “الثنائي الشيعي” حضورًا فاعلًا، وبالأخصّ في جزين وبعبدا وبيروت وزحلة والبقاعين الشمالي والغربي.

“حزب الله”
أمّا بالنسبة إلى “الثنائي الشيعي”، وبالأخصّ “حزب الله”، فإن المهم في العملية الانتخابية المقبلة ألاّ يُسجّل أي خرق في أي منطقة، سواء في جبيل أو في بعبدا مثلًا، أو في أي دائرة انتخابية جنوبية أو بقاعية، أو في المغتربات. ولذلك فإن العمل منصب حاليًا، وعلى رغم الصعوبات الداخلية، التي يعاني منها “الحزب”، على رصّ الصفوف، وعدم السماح بأي خرق أيًّا تكن الظروف، لأن أي خرق محتمل في “البلوك” الشيعي يعني بالنسبة إلى “حزب الله” أن المؤثرات، التي كان يُتهم “حزب الله” باللجوء إليها في الانتخابات السابقة لم تعد مجدية بعد الخسارة العسكرية، التي مُني بها في حربه مع إسرائيل. وأكثر المناطق التي تشكّل “خاصرة رخوة” بالنسبة إليه هي دائرة كسروان – جبيل، حيث يصل عدد الناخبين الشيعة فيها إلى حدود التسعة ألف صوت. وهذا العدد غير كافٍ لتأمين حاصل انتخابي. وقد يلجأ “الحزب” إلى مسايرة باسيل في هذه الدائرة، على أن يؤمّن له في المقابل المقعد “المخوطر” في بعبدا مثلًا. ولكن هذه العملية تحتاج إلى الكثير من الدرس والتمحيص.
ويأخذ “الحزب” في الاعتبار أنه يخوض الانتخابات النيابية للمرة الأولى في غياب السيد حسن نصرالله، وهو الذي كان رمزًا من رموزه الملهمين، وهو الذي كانت كلمته مسموعة ومطاعة.

من هنا، فإن للانتخابات النيابية الحاصلة في موعدها في ربيع العام 2026، على حدّ تأكيد وزير الداخلية والبلديات، ستكتسب هذه المرّة طابعًا مختلفًا عن المرّات السابقة.