خاص – دويلة ليبان بوست

خاص – دويلة ليبان بوست

الكاتب: نبيل موسى | المصدر: Beirut24
20 تشرين الأول 2025

لأسباب موضوعية كثيرة، تعتقد غالبية اللبنانيين أن سلاح “حزب الله” هو المشكلة الوحيدة التي تواجه العهد وحكومته الأولى. لكن في الحقيقة فإن سلاح “الدويلة” لا يشكل إلا “المشكلة الأم” التي أنتجت على مدى سنوات طويلة دويلات فساد عديدة في كافة المرافق والمجالات.

فسلاح الحزب كان “الدويلة الأم” التي أفرزت دويلات مصالح متشابكة في كافة المجالات وعلى مستويات عدة، في القطاعين العام والخاص، وأمّنت لها بالتالي مظلة حماية دائمة، فنمت وترعرعت بهدوء على حساب الدولة المركزية التي تراجع دورها تدريجيًا الى الحد الأدنى.

ولكن، ومع بداية تراجع سطوة السلاح في أعقاب “حرب الإسناد”، طفت الى السطح أسماء ومواقع هذه الدويلات وما شكلته من أضرار على الاقتصاد الوطني.

على سبيل المثال لا الحصر نذكر بعض هذه الدويلات التي تكاثرت مثل الفطريات في زمن تراجع هيبة الدولة وسلطة القانون: دويلة استيراد النفط ومشتقاته والى جانبها دويلة المولدات الخاصة، دويلة مصرف لبنان ومعها جمعية المصارف وما أنتجته من مآس لمئات آلاف المودعين، دويلة “أوجيرو” وشركتي الخليوي ومعها موزعي الانترنت، دويلة شركات تحويل الأموال وما رافق بعضها من شبهات تبييض أموال، دويلة شركة “إنكريبت” في النافعة وما نتج عنها من عرقلة عمل القطاع على مدى سنوات، دويلة شركة “رامكو” التي ورثت شركة “سوكلين” في سوء الإدارة وارتفاع الكلفة، دويلة مصانع الإسمنت مع ما يرافقها من تحاصص وتدمير للبيئة والصحة العامة، دويلة المدارس الخاصة التي تنحر أولياء الطلبة وما من مغيث، دويلة الجمعيات المموّلة من الخارج وغير الخاضعة لأية رقابة مالية أو سياسية، دويلة “الميدل إيست” صاحبة أغلى تذكرة سفر في العالم، دويلة إدارة واستثمار مرفأ بيروت التي حرمت خزينة الدولة من مئات ملايين الدولارات على مدى سنوات، دويلة كازينو لبنان مع ما يرافقها من تحقيقات بتهم فساد…

أما اليوم، فثمة دويلة قديمة العهد استفاقت من سباتها لتشهد ارتفاعًا جنونيًا في أسهمها يكاد يسابق الارتفاع العالمي الحاصل في سعر الذهب لشدة الطلب على خدماتها، ليس لكفاءتها ودقتها وسرعتها في الإنجاز، بل بكل بساطة لأنها بالنسبة الى المواطن “حاكمك وربّك”. إنها بالتأكيد “دويلة ليبان بوست” التي تحتكر إنجاز جميع المعاملات الرسمية في كل المؤسسات الحكومية، استنادًا الى عقد حصري منتهي الصلاحية مع الدولة اللبنانية ولكنه ما زال ساريًا بطرق مبهمة.

آخر محطة رسمية لـ”دويلة ليبان بوست” كانت في 16 تشرين الثاني من عام 2023، عندما قرّر مجلس الوزراء، الذي كان يرأسه آنذاك نجيب ميقاتي، تمديد العقد معها على سبيل التسوية اعتباراً من 1 حزيران 2023 ولغاية استلام المشغّل الجديد، وتكليف وزارة الاتّصالات تعديل جداول أسعار الخدمات البريدية الواقعية، وذلك إلى حين إطلاق مزايدة رابعة وتسليم الفائز. مضت على هذه الواقعة سنتان ونصف سنة، ولا تزال “ليبان بوست” المسؤولة عن الخدمات البريدية في لبنان، فيما المزايدة الرابعة المنتظَرة في علم الغيب.

وبالإضافة الى العمولات الخيالية التي تتقاضاها “ليبان بوست” والتي تتجاوز بأضعاف أحيانًا الرسوم الرسمية على المعاملة، فقد تحوّلت “دويلة ليبان بوست” من شركة خاصة هدفها خدمة الزبائن وتحقيق الأرباح الى إدارة رسمية جديدة تتفنّن في إذلال المواطن وجعله ينتظر لساعات في مكاتبها ليتمكن من إنجاز معاملته، لا لسبب إلا لأن الإدارة الرسمية أرغمته على تقديم معاملته حصرًا عبر هذه الشركة.

في الختام، سؤال بريء: ما قصة هذا الاحتكار وهذه الحصرية التي تمنحها حكوماتنا المتعاقبة للشركات الخاصة التي تتعامل معها، فتغيب بالتالي جودة العمل والمضاربة في الأسعار؟ الإجابة بسيطة جدًا وساطعة كالشمس، إذا كلفنا أنفسنا إجراء بحث بسيط عن أسماء أصحاب هذه الشركات وشركائهم.

إنه زمن دولة الدويلات المحميّة.. ولكن إلى حين!!