بري يخوض أم المعارك وشبح اقتراع المغتربين يهدد توازنات المجلس

بري يخوض أم المعارك وشبح اقتراع المغتربين يهدد توازنات المجلس

الكاتب: سعد الياس | المصدر: القدس العربي
5 تشرين الأول 2025

على الرغم من أهمية التقرير الشهري الأول للجيش اللبناني حول تطبيق خطته لحصرية السلاح والذي سيُعرَض أمام مجلس الوزراء يوم غد الإثنين، والذي على أساسه ستتحدد نظرة المجتمع الدولي والعربي لجدية تطبيق هذه الخطة من عدمها، إلا أن ما يرافق الاشتباك السياسي حول قانون الانتخاب وكيفية اقتراع المغتربين لا يقل أهمية، لأنه يعبّر عن عمق الصراع الدائر حول التمثيل النيابي باعتبار أنه سيحدد موازين القوى في برلمان 2026 والأكثرية النيابية التي بدأت تميل منذ الآن لصالح القوى السيادية مع تمايز نواب سنّة من عكار وطرابلس وبيروت كانوا منضوين تحت لافتة «لبنان الجديد» في الاستحقاق الرئاسي، وبدأوا يميلون بوضوح إلى موقف القوى السيادية وفي طليعتها «القوات اللبنانية» والكتائب وبعض النواب التغييريين والمستقلين.

وإذا كانت وزارة الخارجية أعلنت رسمياً عن فتح المنصة لتسجيل أسماء المغتربين الراغبين في الاقتراع في الخارج من 2 تشرين الأول/أكتوبر لغاية 20 تشرين الثاني/نوفمبر 2025، إلا أن الإقبال على هذا التسجيل ضعيف لغاية الآن بسبب عدم معرفة اللبنانيين في الانتشار وجهة تصويتهم هل هي لستة نواب في القارات أو لـ 128 نائباً حسب دوائرهم؟

وبات معروفاً أن الثنائي الشيعي ومعه «التيار الوطني الحر» يريدون تقليص ثقل الاغتراب مخافة أن يشكّل تصويت المغتربين لـ 128 نائباً رافعة إضافية للقوى السيادية. من هنا، يخوض رئيس مجلس النواب نبيه بري أم المعارك ويمتنع عن طرح الاقتراع المعجل المكرر حول اقتراع المغتربين على التصويت في الجلسات التشريعية إدراكاً منه أنه سينال الأغلبية النيابية، وهو ما ردّت عليه كتل نيابية بتطيير النصاب بهدف شلّ عمل المجلس النيابي والضغط على الرئيس بري للتراجع عن موقفه، فيما هو ماض في موقفه ويتمسك بقانون الانتخاب النافذ القائم على حصر تأثير المغتربين بالدائرة 16 في الخارج واختيار ستة نواب فقط موزعين على الطوائف مناصفة بين المسيحيين والمسلمين، معلناً «هذا القانون لا يتقدم عليه إلا الانجيل والقرآن»، مع ما يعنيه ذلك من رفضٍ لأي تعديل على القانون، تناغماً مع «حزب الله» الذي يعترض على اقتراع المغتربين تحت عنوان «إنتفاء تكافؤ الفرص بين المرشحين وغياب الضمانات التي تحفظ للمقترعين ممارسة خياراتهم بحرية ومن دون أي ترهيب». وهذا ما ترد عليه القوى السيادية التي تسأل إذا كان المواطنون في مناطق الثنائي الشيعي يتمعتون بكامل الحرية للترشح والاقتراع في ظل فائض القوة وأعمال الترهيب التي رافقت الاستحقاقات الانتخابية سواء النيابية أو البلدية؟

تزامناً، يتهم كل فريق الفريق الآخر بالسعي إلى تمديد ولاية المجلس النيابي لاعتبارات مختلفة. ففريق الثنائي الشيعي يرى أن من مصلحة القوات اللبنانية ورئيسها سمير جعجع تمديد ولاية المجلس الحالي سنة أو سنتين كي يتمكن المجلس الجديد من انتخاب رئيس الجمهورية المقبل، لأن ولاية رئيس الجمهورية العماد جوزف عون ستنتهي في 9 كانون الثاني/يناير 2031 فيما ولاية المجلس النيابي في حال جرت الانتخابات في موعدها في ايار/مايو 2026 ستنتهي قبل 8 أشهر في أيار/مايو 2030.

هذا الاعتقاد تنفيه «القوات اللبنانية» التي تفتح قنوات مع الشيعة المعارضين للثنائي وتتجه لدعم ترشيحهم في بعض الدوائر مثل جبيل وبعبدا وبيروت وزحلة وبنت جبيل في محاولة لتحقيق اختراق في الكتلة الشيعية المؤلفة من 27 نائباً والتي تتوزّع بين «حركة أمل» و«حزب الله». وهذا ما يخشاه فريق الثنائي الذي يظن أن «القوات» ومعها القوى السيادية تتجه في حال حصول الاختراق لترشيح أحد المعارضين الشيعة لرئاسة المجلس النيابي ونزع مفتاحه من يد الرئيس بري. أما المعارضون للثنائي الشيعي فيشيرون إلى أن أحد أسباب رفض الرئيس بري طرح الاقتراح المعجل المكرر حول اقتراع المغتربين على التصويت وإغراق اللجنة الفرعية باقتراحات القوانين هو كسب الوقت وتضييق المهل لعدم التمكن من إدخال أي تعديل على قانون الانتخاب الذي على أساسه ستُجرى الانتخابات، وصولاً لفرض التمديد للمجلس الحالي وضمان بقاء الرئيس بري على رأسه والتحكم باللعبة البرلمانية.

ومن المعلوم أن المسيحيين يشكلون أغلبية المغتربين وصوتهم مع الناخبين السنة والدروز سيكون مرجحاً بنسبة كبيرة في الانتخابات المقبلة على أساس الاقتراع لـ 128 نائباً، ويتوقع أن ترتفع نسبة التسجيل للانتخابات المقبلة عما كانت عليه عامي 2018 و2022 التي بلغت 223449 ناخباً. ووفقاً لتقرير وزارتي الداخلية والخارجية تم توزيع الطوائف على القارات حسب أغلبية المسجلين، وبما أن القارة الاوقيانية غير مأهولة تم التوافق على اعتبار القارة الأمريكية قارتين شمالية وجنوبية. من هنا أعطي المقعد الكاثوليكي لأوروبا التي تضم 48 دولة لأنه يحتوي بحسب أرقام 2022 على 5588 ناخباً كاثوليكياً من أصل 68875، وأعطي المقعد الأورثوذكسي لأمريكا الشمالية التي تضم دولتين لأنه يحتوي 9807 أورثوذكسياً من أصل 55888 مسجلاً، وأعطي المقعد السني لآسيا التي تضم 41 دولة بعدما تسجّل 20421 سنياً من أصل 56191، وأعطي المقعد الماروني لاستراليا لأنه يحتوي على 12460 مارونياً من أصل 20464، وأعطيت القارة الأفريقية (54 دولة) للشيعة لأنه تسجّل 11672 شيعياً من أصل 17708، فيما أعطي المقعد الدرزي لأمريكا الجنوبية (33 دولة) بعدما تسجّل 417 درزياً من أصل 4323.
وتظهر هذه الأرقام أنها ارتفعت عن عام 2018 حيث تسجل في أوروبا 24510، وفي أمريكا الشمالية 22040، وفي آسيا 12669، وفي اوقيانوسيا 11825، وفي أفريقيا 6671، وفي أمريكا اللاتينية 5250 ما مجموعه 82965 ناخباً.

وبناء على هذه الأرقام وعلى صناديق الاقتراع التي صبّت بالدرجة الأولى لمصلحة نواب التغيير ثم نواب القوات اللبنانية، تتحدد المواقف. وفي حال عدم التوصل إلى تسوية سياسية، فإن السؤال المطروح هل تؤجل الانتخابات؟ وهل يقبل رئيس الجمهورية العماد جوزف عون بمثل هذا التأجيل في بداية عهده؟ وهل تقبل الكتل التي تنادي بالاقتراع لـ 128 نائباً بالأمر الواقع وتسير القانون النافذ على أساس 6 نواب في الخارج لعدم تطيير الانتخابات وعدم تجرّع كأس التمديد للمجلس الحالي؟

يبقى أن إقصاء المغتربين عن حقهم بالاقتراع هو انقلاب غير ناعم على الديمقراطية، أما التمديد القسري للمجلس فيعني غياب المساءلة ومصادرة حق اللبناني في الانتخاب وتداول السلطة، لكنه يعني أيضاً استمرار رئيس الحكومة نواف سلام على رأس الحكومة الحالية وهو أمر يزعج «حزب الله» الذي يتحيّن الفرصة للانقلاب عليه.