هكذا أخلت قوات “أبو حذيفة” حيا للعلويين في دمشق

هكذا أخلت قوات “أبو حذيفة” حيا للعلويين في دمشق

المصدر: اندبندنت عربية
14 أيلول 2025

يحمل حي السومرية رمزية لعهد عائلة الأسد التي حكمت سوريا لأكثر من خمسة عقود، سُحقت خلالها المعارضة التي تنتمي للأغلبية السنية، بينما منحت المناصب العليا والأراضي للموالين العلويين.

اقتحمت قوات الأمن السورية حي السومرية المتهدم في دمشق أواخر أغسطس (آب) الماضي، مدججة بالبنادق والسيوف وحاملة أوامر الإخلاء، وسرعان ما غادرت الحي بعدما تركت على كل منزل علامة بخط كبير باللون الأسود، إما “إكس” أو “أو” لتحديد من يمكنه البقاء ومن يجب عليه الرحيل.

استهدفت المداهمات الحي الذي تقطنه عائلات آلاف الجنود السابقين في الجيش خلال حكم الرئيس المخلوع بشار الأسد، الذي أطاحته قوات المعارضة منذ تسعة أشهر في أحداث تبعتها موجة من العنف ضد الأقلية العلوية التي ينتمي لها.

غزوة أبو حذيفة

ويحمل حي السومرية رمزية لعهد عائلة الأسد التي حكمت سوريا أكثر من خمسة عقود، سُحقت خلالها المعارضة التي تنتمي للأغلبية السنية، بينما منحت المناصب العليا والأراضي للموالين العلويين.

وفي الفترة من الـ27 إلى الـ29 من أغسطس، داهم عشرات من أفراد الأمن بقيادة مسؤول من وزارة الداخلية يعرف باسم أبو حذيفة المنازل واحداً تلو الآخر، وأبلغوا السكان بأنهم يعيشون على أراضٍ استولت عليها عائلة الأسد بشكل غير قانوني، وطالبوهم بإثبات ملكيتهم لمنازلهم، وفقاً لما ذكره نحو 10 من السكان واثنين من الزعماء المحليين الذين قالوا جميعاً إنهم تعرضوا لهذه المعاملة.

وقال سكان لـ”رويترز” في الأيام الأخيرة من أغسطس، إن العائلات التي لم تتمكن من تقديم وثائق ملكية على الفور يكتب على جدران منازلها حرف “أو” بطلاء أسود ويلصق عليها أوامر إخلاء مطبوعة، وذلك في أكثر الروايات تفصيلاً حتى الآن عن المداهمات والقوات التي تقف وراءها.

وجاء في الإخطارات التي رأتها “رويترز” معلقة على عشرات المنازل، أن هذا إخطار لسكان المساكن غير القانونية في السومرية بمغادرة منازلهم في مدة لا تزيد على 48 ساعة وإلا تعرضوا للعقاب بموجب القانون، وذكرت الوثائق أنها صادرة عن “لجنة الإسكان العامة التابعة للأمانة العامة لرئاسة الجمهورية”.

وقال سكان وزعماء محليون إن كثيراً من المنازل كان يحمل العلامة “إكس” مما يشير إلى أنها آمنة، بينما كانت هناك منازل أخرى تحمل العلامتين “إكس و”أو” معاً وضعتهما مجموعات مختلفة من قوات الأمن خلال المداهمات، كذلك وضعت إخطارات الإخلاء على بعض المنازل التي تحمل العلامة “إكس” فقط أو العلامتين معاً.

حتى أنا صفعوني

وقال أشخاص أجريت معهم مقابلات إن العشرات من السكان الرجال تم استجوابهم حول ما إذا كانوا قد خدموا في الجيش خلال حكم الأسد، واحتُجز آخرون في مبنى سكني تم تحويله إلى مركز للشرطة وتعرضوا للضرب هناك من مسلحين، وفقاً لأربعة من السكان من بينهم ثلاثة قالوا إنهم أنفسهم تعرضوا لذلك.

وذكر علي بركات، وهو عضو في لجنة حي السومرية التي تعمل كمجلس بلدي وتمثل السكان في الاجتماعات مع الحكومة “أنا محام وأسعى إلى الحصول على الدكتوراه، وحتى أنا تعرضت للصفع”.

وأضاف “أعيش في منزلي منذ 40 سنة، اشتراه والدي بدمه وعرقه ودموعه حتى يتمكن من توريثي إياه، لن أتخلى عنه”.

ولم ترد وزارتا الإعلام والداخلية السوريتان على طلبات للتعليق على إجراءات الإخلاء في السومرية، بما في ذلك أسباب المداهمات وما إذا كانت الحكومة قد أذنت بها، ولم تتمكن “رويترز” من العثور على أي سجل سابق للجنة الإسكان المذكورة في الإخطارات.

ولم يرد مسؤول وزارة الداخلية أبو حذيفة على اتصالات هاتفية من “رويترز” في الـ29 من أغسطس الماضي، وفي الثاني من سبتمبر (أيلول) الجاري، رد على رسالة نصية تسأله عما إذا كان لا يزال في السومرية بقوله “لا”، ولم يرد على أسئلة أخرى.

وزار صحافي من “رويترز” السومرية في الـ11 من سبتمبر وأخبره السكان أن أبو حذيفة موجود الآن في المبنى الذي تم تحويله إلى مركز للشرطة، وقال مرؤوسون له هناك إنه لا يقبل طلبات إجراء المقابلات.

أشبه بمدينة أشباح

وقبل مداهمات الإخلاء، كان حي السومرية الذي يقطنه العلويون بالكامل تقريباً يضم نحو 22 ألف شخص، نصفهم تقريباً من عائلات الجنود السابقين خلال حكم عائلة الأسد، وفقاً لبركات وزميل له في لجنة الحي، وقالا إنه خلال أسبوع واحد لم يبق سوى نحو 3 آلاف شخص.

ولم يتسن لـ”رويترز” التحقق من أرقام اللجنة بشكل مستقل، وشاهد مراسل زار المنطقة في الثالث والـ11 من سبتمبر ما هو أشبه بمدينة أشباح، إذ لا توجد أنوار في المنازل، ولا سيارات على الطرقات، بل عدد قليل فقط من الناس في الشوارع.

وفي الـ11 من سبتمبر، شاهد صحفيون من “رويترز” قوات الأمن تحرس المدخل الرئيس للسومرية وتمنع الوصول إلى الحي.

ولم يتسن لـ”رويترز” التأكد مما إذا كان أي من السكان قد طُردوا من منازلهم، وقال جميع من أجريت معهم المقابلات إن المداهمات بثت شعوراً عاماً بالذعر أدى إلى فرار معظم العائلات في الأيام التالية، خوفاً من العنف الذي شهدته المناطق الساحلية هذا العام، عندما انقلبت جماعات مسلحة تابعة للحكومة الجديدة على المدنيين العلويين مما أسفر عن مقتل المئات.

حكاية السومرية

طرد أفراد من عائلة الأسد، ومنهم بشار، السكان السنة من ضواحي عدة في العاصمة وبنوا مساكن لتوزيعها على الجنود وعائلاتهم، ومعظمها منازل رخيصة ورديئة من طابق واحد، شكلت هذه الأحياء طوقاً علوياً يحمي مقر السلطة.

واستولى رفعت الأسد، وهو مسؤول أمني سوري كبير وشقيق حافظ الأسد الذي كان رئيساً آنذاك، على السومرية نفسها في السبعينيات وأعاد تسميتها تيمناً بابنه سومر، وكانت تعرف سابقاً باسم البلان.

وخلال مداهمات الإخلاء الشهر الماضي، قال اثنان من السكان إنهما قدما وثائق ملكية، لكن أبو حذيفة رفض الأوراق، وأخبرهما أنها تعود إلى عهد الأسد، لذا تعتبر غير صالحة، ووضعت علامة “أو” على منزليهما.

وقال محافظ دمشق ماهر مروان، في بيان في الثالث من سبتمبر، إن “ما جرى في حي السومرية بدمشق هو نتيجة لتراكم مشكلات الاستملاك الجائر والفساد العقاري عبر عقود من حكم النظام البائد”، وأوضح أن الدولة السورية ملتزمة حل هذه القضايا بعدالة وشفافية بعيداً من التهجير أو الطرد القسري.

وأضاف أنه ستُشكل لجان قانونية من محافظتي دمشق وريف دمشق للنظر في “الاستملاك الواقع على السومرية وما لحقه من عشوائيات دامت عقوداً وتناقلت بين الأهالي”، لكنه لم يقدم مزيداً من التفاصيل، ولم يرد مروان على طلب للتعليق.

ووصف الخبير المستقل في حقوق الإنسان والسياسة الاجتماعية ميلون كوثاري، وأول مقرر خاص للأمم المتحدة معني بالسكن اللائق، ما حدث في السومرية الشهر الماضي بأنه “سلسلة من الانتهاكات، بدءاً من التهجير، وصولاً إلى تشتت السكان وتشرد بعضهم.

وقال لـ”رويترز”، “عمليات الإخلاء القسري انتهاك صارخ لحقوق الإنسان، إذا كانت الحكومة السورية جادة في التزام المعايير الدولية لحقوق الإنسان، فهي مسؤولة عن انتهاك حقوق هؤلاء الأشخاص، هذا موقف واضح على المستوى الدولي”.

مشروع مترو

وأدى السقوط المفاجئ للأسد في ديسمبر (كانون الأول) 2024 إلى صعود حكومة جديدة بقيادة أعضاء سابقين في “هيئة تحرير الشام”، وهي أقوى جماعات التمرد الإسلامية السنية التي قاتلت الرئيس العلوي في الحرب الأهلية التي استمرت 14 عاماً ودمرت البلاد.

وسعت الإدارة الجديدة إلى دمج العشرات من أفراد الفصائل المتمردة في قواتها الأمنية بما في ذلك بعض المقاتلين الأجانب، وحاولت ملء الفراغ الأمني الذي خلفه انهيار جهاز الدفاع التابع للأسد، وابتليت سوريا بنوبات من سفك الدماء لأسباب طائفية قتلت فيها الجماعات المسلحة التابعة للحكومة مئات المدنيين من الطائفتين العلوية والدرزية.

وتمثل عمليات الإخلاء في السومرية واحدة من المعضلات الشائكة التي تواجه حكام سوريا الجدد، وهي كيفية معالجة إرث مصادرة الممتلكات وقيام عائلة الأسد بإعادة توزيعها، مما أدى إلى تفاقم التوتر الطائفي فترة طويلة.

وأعطيت أيضاً على مدى العقود الماضية مناطق علوية أخرى مثل “المزة 86″ و”الورود” لموالين للأسد على حساب السكان السابقين.

وأصبح تحدي تسوية حقوق الملكية ملحاً من جديد، في الوقت الذي تهدف فيه سوريا إلى تنفيذ عدد من مشروعات البنية التحتية الكبيرة في دمشق، ومن بينها مشروع لإنشاء خط مترو بقيمة ملياري دولار أعلنت عنه الحكومة في أوائل أغسطس، وأفادت وكالة الأنباء السورية بأن مشروع المترو يتضمن إنشاء مركز تبادلي رئيس في السومرية مع مرأب يتسع لمئات السيارات.

مسألة العشوائيات

وقال المدير التنفيذي لمؤسسة “اليوم التالي”، وهي منظمة سورية غير ربحية تعمل على دعم الانتقال الديمقراطي في سوريا، معتصم السيوفي، إن أي تطوير عقاري في المستقبل يجب أن يأخذ الحساسيات الطائفية في الحسبان، وأردف “هناك حاجة إلى حل في شأن التخطيط العمراني على مستوى البلاد يأخذ في الاعتبار مسألة العشوائيات”، وأضاف “مع ذلك، يجب ألا ينطوي أي حل بالتأكيد على إخلاء السكان من منازلهم بهذه الطريقة”.

وكانت السومرية تُزرع منذ زمن طويل من قِبل سكان معضمية الشام، وهي ضاحية سنية مجاورة، والآن مع رحيل عائلة الأسد يُطالب البعض باستعادة المنطقة.

وقال محمد الواوي، وهو صاحب متجر لمواد التنظيف في معضمية الشام يبلغ من العمر 54 سنة، إن عائلته كانت تمتلك قطعة أرض صغيرة غرب السومرية، وأضاف “لقد تخلينا عن استعادتها منذ أعوام، من كان يصدق أن النظام سيسقط هكذا؟”.