
خاص- الحزب يستبدل المسيّرات بالبيانات
بعيدًا عن التصريحات و”العنتريات” التي يطلقها أقطاب “حزب الله” رفضًا لتسليم السلاح، لا بد من الإشارة الى أن الأمور تقاس بالأفعال وليس بالأقوال، وخاصة إذا كانت هذه الأقوال موجّهة تحديدًا الى بيئة الحزب قبل أشهر من الانتخابات النيابية التي يتوقع البعض أن تبدّل المشهد السياسي في لبنان إذا تم اختراق “الثنائي” في بيته، وتشكيل مجلس نواب سيادي في معظمه يواكب مسار الرئاستين الأولى والثالثة.
قبل طوفان الاقصى في السابع من تشرين الاول 2023 اعتاد “حزب الله”، بلسان أمينه العام الراحل السيد حسن نصرالله، تهديد العدو الإسرائيلي بالويل والثبور وعظائم الأمور في كل إطلالة تلفزيونية كان ينتظرها الجميع ويصدقها كثيرون. هذه التهديدات كانت تبدأ باحتلال الجليل، مرورًا بقصف أي منشأة عسكرية أو اقتصادية على كامل مساحة الدولة العبرية، وصولًا الى الوعد بالصلاة في المسجد الأقصى في القدس، وأحيانًا كانت هذه التهديدات تبلغ حد القدرة على رمي اسرائيل التي هي أوهن من بيت العنكبوت في البحر.
في الثامن من تشرين الاول 2023 حاول الحزب عبثًا تنفيذ تهديداته لإسرائيل بعدما فتح “حرب الإسناد” لدعم حركة “حماس” في غزة. إلا ان الجميع أيقن بعد أشهر من الحرب، وبفعل الضربات القاسية التي مني بها الحزب، ان تهديدات مسؤوليه لم تكن أكثر من مجرّد “ظواهر صوتية”، بعدما أخطأوا الحساب في تقييمهم لقدراتهم المتواضعة في مقابل قدرات اسرائيل العسكرية والاستخباراتية والتكنولوجية، فضلًا عن الدعم المطلق والدائم الذي تحظى به تل أبيب من واشنطن.
بعد الهزائم المتتالية التي مني بها، بدءًا من عملية البيجر وصولًا الى اغتيال نصرالله وما بينهما، أدرك “حزب الله” أنه خسر الحرب فقرر الحد من خسائره والمحافظة على وجوده من خلال موافقته على اتفاق وقف إطلاق النار في 27 تشرين الثاني 2024، وانطلق بالتالي الى إعادة تنظيم صفوفه ناقلًا أهدافه الاستراتيجية من حرب الحدود الى حرب الوجود.
في المرحلة التالية انتقل الحزب لتهديد الداخل عبر ترداد معزوفة عدم تسليم السلاح، بينما كانت جميع موقعه جنوب الليطاني تشهد تسليمًا كاملًا للجيش اللبناني، وأحيانًا تدميرًا من قبل طائرات العدو الإسرائيلي.
ميدانيًا إذًا، تسليم سلاح الحزب يسير إذًا على قدم وساق، والحكومة تواصل انطلاقتها بخطى ثابتة لحصرية السلاح، غير آبهة بالمواقف السياسية المعارضة أو بالعنتريات والتهويل من قبل قيادات الحزب.
أما التطور الأبرز الذي يضع “حزب الله” على خارطة الأحزاب اللبنانية كافة والذي يبشر بوصول قطار الحكومة الى محطته المرجوّة في وقت غير بعيد، هو انتقال الحزب من تهديد اسرائيل ثم محاربتها، الى الاكتفاء بإصدار بيانات الشجب والاستنكار والإدانة بعد كل عملية إجرامية تنفذها اسرائيل في لبنان وغزة وسوريا واليمن وقطر.. هذه النقلة النوعية في اداء الحزب لا يمكن وضعها إلا في سياق التأكيد على اقتناع الحزب الضمني بانتهاء دوره العسكري والتمهيد للانتقال الى العمل السياسي والاجتماعي الداخلي، بالتساوي مع جميع الأحزاب اللبنانية في الحقوق والواجبات.
المسألة إذًا باتت مسألة وقت وليس أكثر، لأن مسيرة الدولة بدأت بالفعل، ولا أحد بالتالي يمكنه الوقوف أمام قطار الشرعية الذي انطلق على مهل مدعومًا من الشرعيتين العربية والدولية، والأهم من أغلبية الشعب اللبناني التي باتت تتوق للعيش في دولة مسالمة غير منخرطة في المحاور، تحترم حقوق الإنسان ومستقبل الأجيال الصاعدة.