عندما يحل «الشاباك» محل «الموساد»… رسالة نتنياهو المدروسة إلى الداخل والخارج!

عندما يحل «الشاباك» محل «الموساد»… رسالة نتنياهو المدروسة إلى الداخل والخارج!

الكاتب: ايليا ج. مغناير | المصدر: الراي الكويتية
14 أيلول 2025

عندما أعلن رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، مسؤوليته عن الهجوم غير القانوني على قطر الدولة ذات السيادة، لفت ما ورد في بيانه الانتباه لسببين:

أولاً، تناقضت سرعة اعترافه في شكل حاد، مع اعتماد إسرائيل على مدى عقود، على الإنكار والتسريبات الإعلامية للتلميح إلى دورها في العمليات السرية. ففي عمليات الاغتيال، أو عمليات التخريب، أو العمليات الإلكترونية في الخارج، كانت الصيغة الإسرائيلية هي نفسها دائماً: الصمت على المستوى الرسمي، و«مصادر مجهولة» للمراسلين الأجانب، وهالة من الغموض المصقول بعناية. وبظهوره أمام الكاميرات في شكل شبه فوري، كسر نتنياهو تقليداً عريقاً خدم إسرائيل دبلوماسياً وإستراتيجياً.

ثانياً، كانت الطريقة التي وصف بها العملية أكثر لفتاً للانتباه. فقد نسب نتنياهو الفضل في الضربة إلى «الجيش، والقوات الجوية، والشاباك».

كان جهاز «الموساد» غائباً، الوكالة التي تتحمل بموجب القانون والتفويض مسؤولية الاستخبارات والعمليات السرية في الخارج.

في الهيكل الأمني الإسرائيلي، تُحدد الأدوار بوضوح: الموساد للعمليات الخارجية، الشاباك للأمن الداخلي، أمان للاستخبارات العسكرية، والجيش بسلاحه الجوي للعمليات العلنية.

لم يكن استبعاد «الموساد» من مهمة نُفذت في قطر، الوسيط السياسي المهم مع «حماس»، زلة لسان. يُعرف نتنياهو برسائله المدروسة. يختار كلماته لمخاطبة جماهير عدة: العبرية للجبهة الداخلية، والإنكليزية للعواصم الأجنبية. في هذه الحالة، يثير استبعاد «الموساد» تفسيرات عدة محتملة، لكل منها تداعيات بعيدة المدى. لماذا؟

«الشاباك» في الخارج

بإسناده الفضل للشاباك، حقق نتنياهو شذوذاً في الاختصاص القضائي. مهمة الشاباك محلية بحتة: مكافحة الإرهاب داخل إسرائيل والأراضي المحتلة، ومكافحة التجسس، وحماية الأمن الداخلي. ليس من المفترض أن يعمل هذا الجهاز في العواصم الأجنبية.

بتسميته، طمس نتنياهو الحدود بين الساحتين الداخلية والخارجية. وهذا يعني ضمناً أن قادة «حماس» في قطر لم يُعاملوا كمسألة تتعلق بالسياسة الخارجية، بل كتهديد أمني «داخلي»، حتى عند استهدافهم في الخارج.

يحمل هذا التأطير ثقلاً رمزياً: إذ تُقدم إسرائيل معركتها مع «حماس» كسلسلة متصلة لا تتجزأ، تتجاوز الحدود، قابلة للاستهداف في بيروت ودمشق وطهران والدوحة، وأينما كانوا. ما هو «داخلي» وما هو «خارجي» يُدمجان في المنطق الأمني عينه.

وقد سربت وسائل إعلام إسرائيلية تسجيلاً صوتياً لرئيس «الموساد» ديفيد برنياع، خلال اجتماع للمجلس الوزاري المصغر، وهو الهيئة الحربية التي يرأسها نتنياهو والمكلفة باتخاذ قرارات سريعة في أوقات الأزمات. في التسجيل، يُسمع برنياع وهو يقول إن «من الممكن اغتيال قادة حماس في الدوحة». وأضاف: «أثناء المفاوضات، لا يُقتل المفاوضون. الآن لا توجد مفاوضات جارية».

تشير كلماته إلى أن تعليق نتنياهو للمحادثات فتح الباب أمام المضي قدماً في خطة اغتيال قائمة. إذا كان برنياع قد قبل هذا المسار وكان الخيار مطروحاً بالفعل قبل أسبوعين من هجوم القدس الذي تذرع به نتنياهو لاحقاً كمبرر لضربته غير القانونية على قطر، فلماذا استبعد رئيس الوزراء «الموساد» من دوره؟

التفسير الأول والأكثر مباشرة وتبسيطاً هو دبلوماسي. لو ذكر نتنياهو «الموساد»، لوصفت الضربة علناً بأنها اغتيال استخباراتي على أرض حليف للولايات المتحدة.

كان ذلك سيثير غضب واشنطن وربما يعرض قنوات إسرائيل الخلفية الهادئة للخطر لبحث نهاية للحرب في غزة. وقد لعبت قطر أدواراً عدة لأعوام: فهي تستضيف طالبان، والمكتب السياسي لـ«حماس»، بينما تتوسط في وقف النار مع إسرائيل والولايات المتحدة.

لطالما كان الموساد، تحت إدارة متعاقبة، هو الجهاز المكلف بالتنقل بين قطر ومصر وإسرائيل في تلك المفاوضات. ولهذا، فإن الاعتراف بدور الموساد في العملية ضد «حماس» في الدوحة سيُنسف تلك القنوات. وبإبعاد الموساد عن الرواية، حافظ نتنياهو على الأقل على مظهر من مظاهر الإنكار.

التفسير الثاني هو التواصل السياسي. فبإسناد العملية إلى الشاباك، خاطب نتنياهو الرأي العام الإسرائيلي مباشرةً. ويُنظر إلى الشاباك محلياً على أنه المدافع ضد الهجمات الفلسطينية على الأراضي الإسرائيلية.

إن إسناد العملية إلى ضربة خارجية يُخبر المواطنين الإسرائيليين أن «جهاز الأمن الداخلي» الخاص بهم يمد حمايته إلى ما وراء الحدود، وأن العالم بأسره مسرح واحد. كما يُطمئن الرأي العام بأنه لا توجد حصانة لقائد لـ«حماس»، مهما كان بعيد المنال، وأن جهاز الأمن الداخلي سيحميهم في كل مكان، وأن حدوده السماء.

التفسير الثالث هو السياسة الإسرائيلية الداخلية. لنتنياهو سجل طويل في التلاعب بالمؤسسات. يتعارض أحدهما مع الآخر. برفعه الشاباك وتجاهله الموساد، قد يُشير إلى استيائه من قيادة الموساد أو يُقلل من حضوره في لحظة حساسة.

في التاريخ الإسرائيلي، سعى رؤساء الوزراء مراراً إلى موازنة القوى بين الأجهزة، أحياناً بمعاقبة إحداها بحرمانها من الفضل في عملية ما، وأحياناً أخرى بدعم لتحقيق مكاسب سياسية. لذا، قد يعكس تجاهل نتنياهو المُدبّر كلاً من الاعتبارات الخارجية (الدبلوماسية) والداخلية (التنافسات المؤسسية).

أنماط الماضي

ليست هذه المرة الأولى التي يُخفي فيها القادة الإسرائيليون دور «الموساد» عمداً. تُسلّط العديد من الحالات السابقة الضوء على نمط ثابت من التجاهل أو الإسناد الخاطئ. بدلاً من ذلك، وعند الضغط عليهم، يتحدثون في شكل مبهم عن «أجهزة الأمن» من دون تحديدها.

عندما تكون الدولة المستهدفة عدواً صريحاً – مثل إيران أو لبنان – يُمكن أن يبقى الموساد سراً مكشوفاً. ولكن عندما تُنفذ العملية على أراضي دولة صديقة للولايات المتحدة أو تتوسط مع إسرائيل، يجب حجب اسم «الموساد». بدلاً من ذلك، يُعاد توجيه الفضل، إما إلى لا أحد على الإطلاق أو إلى فروع أخرى.

لماذا اختيار «الشاباك» الآن؟

يبدو هذا الاختيار مُتعمداً. فهو يُشير إلى أن قادة «حماس» في الخارج يُعاملون كتهديد داخلي. كما أنه يُرسل إشارة خفية إلى الدوحة وواشنطن: «لم تكن هذه عملية استخباراتية ضد سيادتكم؛ بل كانت امتداداً لحملتنا الداخلية لمكافحة الإرهاب».

في الوقت نفسه، يُهمّش هذا القرار الموساد في وقت يواجه فيه نتنياهو اضطرابات سياسية. لطالما كان مدير الموساد شخصية نافذة في السياسة الإسرائيلية، بل إنه أحياناً يتحدى روايات رئيس الوزراء.

بإقصاء الموساد علناً، يُقلل نتنياهو من مكانته ويُعزّز الشاباك، موائماً بذلك التصور المحلي مع احتياجاته السياسية. ومع ذلك، من السذاجة الاعتقاد بأن الموساد لم يكن متورطاً. فالموساد موجود في كل دولة تقريباً ترى فيها إسرائيل أعداءً، حتى لو كانوا حلفاء.

من هنا، فإن إقصاء نتنياهو للموساد هو كلامٌ بلاغيّ أكثر منه واقعي. والحقيقة هي على الأرجح أن الموساد أعدّ المعلومات الإستخباراتية، وحدد الهدف، وربما يكون قد دعم العملية. لكن بنفيه الفضل للموساد، عزله نتنياهو عن العاصفة الدبلوماسية.

لهذا الفضل غير المألوف تداعياتٌ عدة. أولاً، يُعيد تعريف الحدود بين الأمن الداخلي والخارجي لإسرائيل. إذا كان الشاباك يُقال إن الموساد يعمل في الخارج، وينهار التمييز بين مسارح العمليات المحلية والأجنبية.

يُعامل قادة «حماس» في الدوحة بالطريقة عينها التي يُعامل بها مقاتلو الحركة في غزة. وهذا يُعزز مبدأ إسرائيل في ساحة معركة عالمية لا يوجد فيها «ملاذ آمن» للعدو.

ثانياً، يُظهر هذا تلاعب نتنياهو بسمعة المؤسسات. فمن خلال تهميش الموساد ورفع مكانة الشاباك، يُغير ميزان الهيبة داخل المؤسسة الأمنية. قد يُشير هذا إلى خلاف مع قيادة الموساد أو يكون جزءاً من إستراتيجية أوسع لإبقاء الوكالة تحت السيطرة.

ثالثاً، يُسلط هذا الضوء على إعطاء نتنياهو الأولوية للرسائل السياسية على الدقة المؤسسية. كان اعترافه السريع بالمسؤولية – وهو قطيعة مع عقود من الإنكار – يهدف إلى إظهار القوة أمام جمهوره. وكان اختياره للشاباك يهدف إلى إعادة صياغة الضربة كعمل دفاع عن النفس الوطني بدلاً من العدوان الأجنبي.

… في عالم رسائل نتنياهو، ما يُحذف قد يكون أبلغ صوتاً مما يُقال.