
صراعُ القوى يُنذر بمجلسٍ مشلول: هل دخل التشريع إجازةً مبكرة؟
أثار انسحاب النواب من جلسة الاثنين ومقاطعتهم يوم الثلاثاء تساؤلات حول إمكان اعتبار ذلك إعلان “إجازة مبكرة” للتشريع، خصوصاً أنّ ما أُقرّ في اليوم الأول لم يصبح نافذاً. بعد الجلستين اللتين فقد فيهما المجلس النصاب، تصاعدت التساؤلات حول مستقبل التشريع في المرحلة المقبلة، فيما مجلس النواب يستطيع دستورياً ممارسة صلاحياته حتى اللحظة الأخيرة من ولايته. ولكن على الأرض، ومع اقتراب الاستحقاق الانتخابي، تتحوّل الجلسات تدريجاً إلى حلبة نقاش وسجالات انتخابية بدلاً من أن تكون ورشة تشريعية.
في كلامه تحدث نائب رئيس المجلس إلياس بو صعب عن صعوبة الوضع وقال بصريح العبارة: “لن نخرج من الأزمة إلا بتفاهم سياسي”. غير أن السؤال الأكبر يظل مطروحاً: ماذا لو لم يتم التوصل إلى هذا التفاهم؟ وهل سيدعو رئيس المجلس نبيه بري إلى عقد جلسات تشريعية مماثلة في ظل غياب التوافق السياسي، أم سيبقى المجلس محكوماً بالشلل والتعطيل حتى إشعار آخر؟
استدراك الأمر…
بدا واضحاً أن النواب، بمجملهم، شعروا بأن اللعبة لامست حد الخطر، فحاول عدد كبير منهم استدراك الموقف، مؤكدين أن الانسحاب كان على سبيل تسجيل موقف، وأن التعطيل لن يسري على الجلسات المقبلة، ذلك أن أي تعطيل طويل الأمد سيقود إلى شلل مؤسسي قد يضر بمصالح الدولة والناس.
كان موقف حزب “القوات اللبنانية” واضحاً من تعديل قانون الانتخاب، لا سيما بعدما شنّ رئيسه سمير جعجع هجوماً مباشراً على رئيس المجلس نبيه بري، واتهمه بـ”تعطيل الجلسة التشريعية”. وما قاله جعجع لا يمكن تفسيره على أنه قرار بالمقاطعة الكلية لجلسات التشريع حيث اعتبر نائب القوات سعيد الأسمر، في حديث إلى “المدن”، أنّ قرار انسحابهم ومقاطعتهم كان “خطوة لتسجيل موقف”، مشدداً على أنهم سيواصلون رفع الصوت في كل جلسة لضمان إدراج تعديل القانون على جدول الأعمال”. وأضاف: “هذه معركة سياسية سنخوضها حتى آخر نفس: أولاً لضمان إجراء الانتخابات في موعدها، وثانياً لإعطاء المغتربين حقهم الكامل في الاقتراع”.
وينتقد النائب قاسم هاشم من “كتلة المقاومة والتحرير” قرار مقاطعة الجلسات ويقول عبر “المدن” إن “الأمر مرتبط بكيفية تعاطي كل فريق مع الموضوع”، مضيفًا: “التعطيل ليس مستبعداً، لكنه يجب أن يُقاس بمصلحة البلد. هل من مصلحة لبنان أن نوقف التشريع في هذا الظرف؟” وختم مؤكداً أنّ “الحوار وقنوات التواصل مفتوحة كما جرت العادة، ويبقى الرهان على التفاهم السياسي”.
من ناحيته، ركّز النائب سيزار أبي خليل على البُعد السياسي للتغيّب، فقال “للمدن” إن “حق حضور الجلسات أو التغيّب عنها محفوظ لكل نائب، لكن المهم هو العمل السياسي وراء هذا الحق، خصوصاً عندما يؤدي إلى تعطيل تشريع قوانين طرحتها الحكومة التي يمثلونها. وأي تعطيل للهيئة العامة يعني عملياً تعطيل الموازنة وتعطيل عمل الحكومة.”
اعتبر النواب المعارضون لتعطيل المجلس أن انسحاب بعض الزملاء من الجلسات كان خطوة لتسجيل موقف أكثر من كونه مقاطعة شاملة. وفي هذا الإطار، أبلغ النائب التغييري إبراهيم منيمنة “المدن” أن ما جرى “شكّل رسالة قوية وواضحة”، مضيفاً أنّ الهدف كان توجيه تحذير سياسي وليس تعطيل الاستحقاقات الأساسية التي لا تحتمل التأجيل.
وفي الإطار عينه، أوضح النائب أحمد الخير من تكتل “الاعتدال الوطني” أن الانسحاب جاء “من منطلق تحفيز الفريقين للوصول إلى قواسم وحلول مشتركة لإطلاق عجلة الدولة وضمان إجراء الانتخابات”، مشدداً على أن التكتل “ليس مع تعطيل المجلس النيابي، بل هو حريص على استمرار عملية التشريع، لأن البلد في أمس الحاجة إلى إصلاحات عاجلة تتطلب خطوات واضحة ورسائل عملية”.
تعطيل التشريع ومستوياته
يظهر التعطيل النيابي اليوم على مستويين متوازيين: الأول، تعطيل عمل اللجان النيابية الأساسية مثل لجنتي المال والإدارة والعدل، ما يوقف مناقشة مشاريع وقوانين حيوية؛ والثاني، تعطيل الإقرار النهائي في الهيئة العامة، ما يحول دون اعتماد التشريعات بشكل رسمي ونافذ. وهذا الواقع يهدد مشاريع كبرى، وعلى رأسها موازنة 2026، التي يفترض أن تُقر قبل نهاية العام لضمان انتظام مالي وسداد التزامات الدولة.
إذا استمر التعطيل داخل اللجان الأساسية، فإن مشاريع واقتراحات مهمة ستظل محكومة بالجمود، رغم الاتصالات الجارية لتجنّب هذا السيناريو، ما يشير إلى احتمال الفصل بين عمل اللجان وعمل الهيئة العامة لاحقًا.
وفي السياسة، تحوّل تطيير النصاب إلى أداة ضغط بيد المعترضين، للتصويب على الثنائي الشيعي وعدم إقرار بنود تهمهم. وقد تجلى هذا الانقسام بوضوح في النقاش حول قانون الانتخاب: إذ باتت مقاطعة الجلسات أداة ضغط متبادلة. فثمة فريق يعتبرها انقلابًا على القانون النافذ، فيما يراها الآخر تجاهلًا لإدراج التعديل وخرقًا للأعراف والنظام الداخلي. فلمن ستكون الغلبة؟