
خاص- هل تتجرّع حماس كأس السمّ؟
خلال متابعتي لخطة الرئيس الاميركي دونالد ترامب للسلام في غزة التي أعطت رئيس الحكومة الاسرائيلية بنيامين نتنياهو اكثر مما يتوقع، عادت بي الذاكرة فجأة الى المشهد الرئيسي من المسلسل السوري المميز “نهاية رجل شجاع” من بطولة أيمن زيدان وسوزان نجم الدين. هذا المسلسل الرائع بأبعاده الإنسانية والذي تم عرضه عام 1994 ينطبق الى حد كبير على حالة حركة حماس في حربها مع اسرائيل. حتى أن النهاية أتت متطابقة. هذا المسلسلسل الذي غيّر وجه الدراما السورية في حينه، كما غيّرت عملية “طوفان الأقصى وجه الشرق الأوسط، ينتهي بانتحار البطل بعدما صارع بشجاعة قسوة الحياة بكل ما أوتي من قوة، الا ان ظروفه، وخاصة بعد مرضه، تغلبت على قدرته على التحمّل فما كان منه إلا أن رمى نفسه في البحر. المغزى من المسلسل كانت أن القسوة والفقر قد يجعلان الشخص يختار الألم والموت ويسلك هذا الطريق غير مبال بما سيحدث له.
بعد إعلان خطة ترامب لاستسلام “حماس” وليس للسلام في غزة، واتجاه الحركة على ما يبدو للموافقة عليها، شعرت بحزن عميق على شبّان فلسطين الشجعان الذين تم تضليلهم من قبل محور الممانعة فخاضوا ببسالة حربًا خاطئة في توقيتها وأبعادها وأهدافها، وكانت النتيجة أن قدّموا أرواحهم على مذبح سياسة ولاية الفقيه وأهدافها التوسعية في الشرق الأوسط. استشهد هؤلاء الفتيان ليس فقط لأنهم شجعان، بل أيضًا لأن قادتهم استغلوا اندفاعهم وحماستهم لتحرير أرضهم من الاحتلال ودفعوا بهم الى حرب غير متكافئة بكل المقاييس ومعروفة النتائج سلفًا، إرضاء لمحور زرع الموت والدمار في معظم بلدان المنطقة من المحيط الى الخليج.
خطة ترامب للسلام في غزة تجاوزت بأشواط بمفاعيلها المستقبلية اتفاق وقف اطلاق النار بين اسرائيل و”حزب الله”، فصححت تل ابيب الخطأ الذي وقعت فيه في اتفاقها مع الحزب بأن سمحت ببقائه وإن بشروط قاسية، ما اضطرها لمواصلة ضرباتها الجوية ضد مواقع معينة في لبنان، كما وجدت انها قد تكون مضطرة لخوض حرب ثانية اذا شعرت بان ما تبقى من سلاح الحزب ما زال يشكل خطرًا عليها. لذلك استخلصت اسرائيل العبر سريعًا ولم تقبل بأقل من إنهاء “حماس” نهائيًا في قطاع غزة كشرط غير قابل للتفاوض في أي اتفاق سلام.
خطة ترامب للسلام في غزة تعني في الحقيقة موافقة “حماس” على الانتحار. فهل تتجرّع الحركة كأس السم على غرار ما فعل مرشد الثورة الإيرانية آية الله الخميني عندما وافق على إنهاء الحرب مع العراق؟ إلا أن على “حماس” ان تدرك، قبل إعطاء ردها النهائي على المقترح الأميركي- الإسرائيلي، أن عام 2025 لا يشبه بشيء عام 1988 بعد تطوّر الطب والعلوم الأخرى، لأن السم الذي تجرّعه الخميني في حينه لم يقضِ على الجمهورية الإسلامية الناشئة، في حين أن كأس السم المعدّ للحركة سيكون بمثابة انتحار فوري لها وللفصائل الفلسطينية الأخرى (وربما غير الفلسطينية) التي تدور في فلكها.
أما اذا قرّرت “حماس” أن تتجرّع كأس السم، فماذا سيكون موقف إيران بعد تصدّع محور الممانعة بكامله؟
فإيران التي فقدت رجلها الأولى بعد الهزيمة الكبرى التي مني بها “حزب الله” في حرب إسناد غزة، ثم فقدت رجلها الثانية بانهيار النظام السوري ولجوء الرئيس بشار الأسد الى روسيا، باتت شبه مقعدة بفعل الضربات المتلاحقة التي تلقتها. كما أنها معرّضة اليوم لأن تفقد يدها اليسرى اذا وافقت “حماس” على اقتراح ترامب واتخذت قرار الانتحار. في هذه الحالة تكون واشنطن وتل ابيب قد تركت لطهران يدها اليمنى، الحوثيون في اليمن، الذين سارعوا بعد اعلان اقتراح ترامب الى الغاء اتفاقهم مع الأميركيين حول منع استهداف السفن التجارية في خليج عدن، مؤكدين انهم سيستهدفون سفنا تابعة لشركات نفط أميركية كبرى.
يبقى السؤال: هل تلجأ ايران، التي تعيش وضعًا مضطربًا بعد تعثر المفاوضات النووية وتجديد العقوبات الأممية- الأوروبية عليها، الى استخدام يدها اليمنى المتبقية لها لتوقيع اتفاق إذعان يرضي إسرائيل مع الولايات المتحدة، ام انها ستواصل استخدام ذراعها الأخيرة لمواصلة نشر الفوضى في المنطقة، وهو ما سيعرّضها بالتأكيد لضربة جديدة أشد قسوة من سابقتها؟