جعجع العامليّ

جعجع العامليّ

الكاتب: اسعد بشارة | المصدر: نداء الوطن
12 أيلول 2025

يغوص سمير جعجع هذه المرّة في جبل عامل، لا من باب الخصومة التقليدية ولا من باب الاصطفافات الضيّقة، بل من زاوية الاستنهاض، استنهاض لبنانوية شيعية كانت في الأصل حجر الزاوية في ولادة الكيان اللبناني. فالتاريخ يروي أنّ مؤتمر وادي الحجير عام 1920 شكّل محطة مفصلية في تحديد موقع شيعة جبل عامل، إذ وقف العلّامة عبد الحسين شرف الدين مع خيار لبنان الكبير، ورأى فيه ضمانة وخلاصًا من التهميش والحرمان. غير أنّ المسافة التي تفصل الطائفة اليوم عن تلك اللحظة التاريخية باتت مسافات ضوئية، بعدما جُرفت في مسارات متعدّدة وانخرطت في مشاريع عابرة للحدود، لتعود في النهاية إلى التمسّك القسري برؤية أحادية لا تشبه جذورها.

رحم اللّه المفكّر كريم مروة الذي كتب يومًا أنّ لبنان الكبير أنصف الشيعة، بعد قرون طويلة عانوا فيها التهميش والنكبات. فلبنان لم يكن مجرّد كيان طارئ بالنسبة لهم، بل شكّل مظلة حامية لمجتمع ظلّ يبحث عن الاعتراف والكرامة. ومن هنا، فإن استعادة تلك اللحظة التأسيسية تبدو حاجة وجودية، لا فقط للتوازن الوطني، بل أيضًا للعودة إلى صلب فكرة الدولة التي تتّسع للجميع.

من هنا، جاءت رسالة سمير جعجع “العامليّة”، والتي تتجاوز الحسابات السياسية الظرفية. فالرسالة الواضحة إلى أبناء جبل عامل تقول: نحن شركاء في وطن واحد، لنا ما لكم وعلينا ما عليكم، فلماذا الإصرار على الارتهان إلى سجادة إيرانية تتحرّك تحت أقدامكم كل عقد من الزمن لتُحدث فيكم زلزالًا بقوة عشرة ريختر؟ لماذا الإصرار على أن يكون القرار الوطني رهينة في لعبة المحاور، فيما التاريخ يذكّركم بأن لبنان كان الملاذ والنموذج، وأنه لا بديل عن العودة إليه؟

إن دعوة جعجع هذه ليست صرخة عابرة، بل محاولة لمدّ اليد إلى مكوّن أساسيّ من مكوّنات الوطن. فالشيعة الذين أسّسوا مع الموارنة والسنة والدروز لبنان الكبير، هم مدعوّون اليوم أكثر من أي وقت مضى إلى استعادة دورهم التأسيسيّ. العودة إلى لبنان ليست خسارة، بل ربحًا صافيًا، والانتظار ليس شعارًا بل التزامًا وطنيًا.

فلتكن الرسالة: عودوا إلى لبنان، فنحن بالانتظار.