الانتخابات النيابية في موعدها.. إرادة الخارج وضرورة تغيير المشهد اللبناني

الانتخابات النيابية في موعدها.. إرادة الخارج وضرورة تغيير المشهد اللبناني

الكاتب: داود رمّال | المصدر: الانباء الكويتية
8 تشرين الأول 2025

في كل دورة انتخابية يمر بها لبنان، يكثر الحديث عن التأجيل والتعطيل، وعن الذرائع الداخلية التي غالبا ما ترفع في وجه الاستحقاقات الدستورية. إلا أن انتخابات مايو المقبل النيابية تبدو مختلفة في جوهرها وتوقيتها ودلالاتها.

المجتمع الدولي الذي يتابع تفاصيل الوضع اللبناني بدقة متناهية، لا يبدو هذه المرة في وارد السماح بتفويت فرصة نادرة تتيح إعادة إنتاج السلطة التشريعية وفق توازنات جديدة، خصوصا بعد ما شهدته المنطقة من تبدلات كبرى على المستويين السياسي والأمني، وبعد التغييرات العميقة في المشهد اللبناني الداخلي منذ آخر انتخابات في 2022 وحتى اليوم.

وقال مرجع نيابي سابق لـ«الأنباء»: «تتقاطع المواقف الغربية والعربية عند نقطة واحدة، وهي وجوب إجراء الانتخابات في موعدها ولو على إيقاع الأزمات، لأن تجاوزها سيكون بمثابة إعلان فشل كامل للمنظومة اللبنانية في البقاء ضمن الإطار الديموقراطي الذي يشكل الغطاء الوحيد لشرعية الطبقة الحاكمة أمام الخارج».

وتابع المرجع: «تتعامل العواصم المعنية مع هذا الاستحقاق على أنه محطة مفصلية يمكن أن تعيد رسم الخريطة السياسية اللبنانية وفق معادلات جديدة. فالتبدلات التي شهدتها موازين القوى في الشارع وفي المزاج الشعبي، إلى جانب التحولات داخل الطوائف والتيارات، توحي بأن المجلس النيابي المقبل سيكون مختلفا عن سابقه، لا من حيث الأشخاص فقط بل من حيث التحالفات والتوازنات. وهذا ما يفسر الإصرار الدولي على الموعد، إذ يرى المانحون والداعمون أن أي تجديد للطبقة السياسية الحالية خارج صناديق الاقتراع سيكون بلا شرعية، وأن المطلوب الآن هو إعادة فرز داخلية بإشراف خارجي غير معلن، لتحديد من يمثل فعلا، في مرحلة دقيقة من عمر الدولة اللبنانية».

وأكد المرجع «أن التعثر الداخلي الذي يطرح في الكواليس كعقبة محتملة لا يبدو هذه المرة ذا وزن أمام القرار الخارجي الحاسم. فالتجارب السابقة أثبتت أن كلمة السر الدولية كفيلة بتبديد أي اعتراض داخلي، مهما علت الأصوات أو تباينت الحسابات. والقوى السياسية اللبنانية، على اختلافها، تدرك تماما أن المظلة الدولية وحدها تمنح الشرعية لأي عملية سياسية مقبلة، وأن أي تمرد على هذا المسار سيعني العزلة وربما العقوبات. من هنا، تسير الماكينات الانتخابية بثبات، لأن الجميع بات مقتنعا بأن لا مهرب من خوض المعركة في مايو، تحت أنظار الخارج الذي يراقب ويرسم ويحاسب».

وأشار المرجع إلى ان «هناك رغبة واضحة في أن يخرج البرلمان المقبل بتركيبة أكثر اعتدالا وأقل استفزازا، قادرة على إنتاج سلطة تنفيذية تتعامل بواقعية مع المجتمع الدولي، وتعيد فتح قنوات التواصل مع المؤسسات المالية والمانحة، وتحد من تأثير الانقسام العمودي بين محورين إقليميين متصارعين. بكلام آخر، الخارج يريد مجلسا قابلا للتعاون لا للصدام. مجلس نيابي يوازن بين المكونات من دون أن يشكل امتدادا مباشرا لأي محور خارجي، ويفتح الباب أمام إصلاحات جذرية يسهل تسويقها في المحافل الدولية».

ولفت المرجع إلى أن «ثمة توجها خارجيا نحو تشكيل كتلة وسطية واسعة تعيد ضبط التوازنات التقليدية وتحد من الاستقطاب الحاد بين فريقي الموالاة والمعارضة، بما يسمح تشكيل حكومة إصلاحية مستقرة. من هنا، يبدو أن المجتمع الدولي قد حسم أمره انطلاقا من ان الانتخابات ستجرى في موعدها مهما كان الثمن، لأن الوقت لم يعد يسمح بترف الانتظار، ولأن التغيير، ولو المحدود، بات حاجة ملحة لبلد يقف منذ أعوانم على حافة الانهيار الكامل».

ما «يطبخ» للبنان خارجيا يتجاوز بكثير مسألة المقاعد النيابية أو توزيع الكتل. إنه، كما يقول المرجع «مسار إعادة تشكيل توازن سياسي جديد يراد له أن يواكب التحولات في الإقليم، وأن يضع البلاد على سكة استقرار مدروس لا يفلت من اليد الدولية. أما الداخل، فسيبقى يتحرك ضمن هامش ضيق، في انتظار كلمة السر التي ستحدد ليس فقط شكل المجلس النيابي المقبل، بل أيضا شكل لبنان السياسي في السنوات المقبلة».