
جدل الانتخابات يتصاعد.. بين ضغط عون وسلام وهواجس القوى السياسية
تشكل الانتخابات النيابية المقررة في مايو 2026 محطة لبنانية سياسية مفصلية، إذ يأتي في لحظة إقليمية وداخلية محملة بالتحولات الكبرى التي أعادت رسم موازين القوى وخيارات الشارع وأولويات الدولة. وهذا الملف يفترض أن يجدد الشرعية التمثيلية ويعيد إنتاج المؤسسات الدستورية وفق منطق التداول الديموقراطي، يواجه حالة ارتباك واضحة لدى القوى السياسية اللبنانية التي تتعامل معه بكثير من الحذر والتوجس، ما يجعل مصيره غير محسوم حتى اللحظة.
وقال مصدر سياسي لبناني بارز لـ «الأنباء»: «القوى السياسية التي خبرت نتائج الانتخابات السابقة وتداعيات الانهيار الاقتصادي والانفجار الاجتماعي وتفاقم التصدعات الطائفية والحزبية، تبدو اليوم أكثر خشية من خوض انتخابات جديدة في ظل مناخ سياسي غير مستقر وتوازنات متحركة داخليا وإقليميا. فالمشهد العام ينبئ بتحولات قد تقلب الحسابات، خصوصا أن الاصطفافات الداخلية لم تعد محصورة بالانقسامات التقليدية بل باتت متأثرة بشكل مباشر بالتحولات الإقليمية، من الحرب الإسرائيلية المفتوحة على لبنان وغزة وصولا إلى مسار المفاوضات الكبرى في المنطقة. في هذا السياق، يظهر أن معظم القوى السياسية تميل إلى خيار التمديد للمجلس النيابي الحالي باعتباره أقل كلفة من المغامرة بخوض انتخابات قد تأتي بنتائج غير مضمونة، لكن المشكلة تكمن في أن أحدا لا يريد أن يتحمل علنا مسؤولية طرح التمديد والدفاع عنه أمام الرأي العام».
على الضفة المقابلة، يوضح المصدر «يتصدر رئيس الجمهورية العماد جوزف عون ورئيس الحكومة نواف سلام المشهد كأبرز الداعمين لإجراء الانتخابات في موعدها، انسجاما مع التزامات لبنان الدستورية وحرصا على عدم انزلاق المؤسسات في مسار التعطيل. فكلا الرجلين يدرك أن أي تأجيل سيضع لبنان في مواجهة مباشرة مع المجتمعين العربي والدولي، خصوصا أن الشرعية البرلمانية سيكون مطعونا فيها بعد سلسلة من التمديدات السابقة للمجلس السابق، وأن الداخل اللبناني المنهك قد لا يتحمل مزيدا من الانقلابات على الاستحقاقات الدستورية».
من جهة أخرى، يرى المصدر «يبدو أن تعمد إبقاء الخلاف على المادة 112 من قانون الانتخاب مفتوحا حتى الآن، ومع اقتراب تاريخ بدء المهل الانتخابية مع ديسمبر المقبل، هو ابعد من مقاربة تقنية أو إجرائية، بل يشكل عمليا جسر عبور نحو التمديد. فالخلاف القانوني السياسي حول تفسير هذه المادة يتحول إلى أداة بيد القوى التي لا ترغب في الذهاب إلى صناديق الاقتراع، إذ يتيح لها التلطي وراء جدل تشريعي دستوري مفتعل لتبرير التعطيل وتمرير الوقت، على أن يصار لاحقا إلى استخدامه ذريعة دستورية لتبرير قرار التمديد للمجلس الحالي».
إلى جانب هذه المناورات السياسية والقانونية، يشير المصدر إلى ان «ثمة من يرفع لافتة الوضع الأمني مبررا إضافيا لعدم إجراء الانتخابات. فالعدوان الإسرائيلي المستمر على لبنان وما يرافقه من عمليات تهجير واسعة لأهالي الشريط الحدودي، إضافة إلى تأخر عملية إعادة الإعمار وغياب الضمانات لعودة النازحين، كلها عوامل يتم استحضارها للتأكيد على أن البيئة الأمنية واللوجستية غير مؤاتية لإجراء استحقاق انتخابي وطني. غير أن هذه الذريعة لا تبدو مقنعة في ضوء التجارب السابقة، حيث أجريت الانتخابات البلدية والاختيارية في ظل ظروف أمنية أشد خطورة وضمن سياقات مشابهة من التوتر وعدم الاستقرار».
ويحذر المصدر من «ان التهرب من الانتخابات النيابية عبر التمديد يحمل مخاطر جسيمة على المستويين العربي والدولي. فلبنان الذي يسعى إلى استعادة الثقة المفقودة مع المجتمع الدولي والمؤسسات المالية، سيكون أمام امتحان مصداقية صعب، إذ لن تجد القوى الدولية والإقليمية أي مبرر مقنع لتعطيل الانتخابات، بعدما سبق للدولة أن أنجزت الانتخابات البلدية والاختيارية في ظروف استثنائية. وهذا ما يجعل حجة التمديد ساقطة بالمعايير السياسية والقانونية، ويحول أي قرار بالتمديد إلى إعلان صريح عن العجز عن تجديد المؤسسات وتكريس صورة الدولة العاجزة عن الالتزام بمسارها الديموقراطي».
المعادلة في جوهرها تكشف، بحسب المصدر، «أن لبنان يقف اليوم أمام خيارين لا ثالث لهما: إما المضي نحو انتخابات نيابية في موعدها بما تمثله من فرصة لتجديد الحياة السياسية وتعزيز الشرعية الداخلية والخارجية، أو الانزلاق نحو تمديد جديد سيضع البلاد في مواجهة مباشرة مع الداخل الساخط والخارج المتحفز». في الحالين، سيكون هذا الملف اختبارا لمدى قدرة القوى السياسية على تجاوز حساباتها الضيقة والارتقاء إلى مستوى التحديات الوطنية والإقليمية التي تحيط بلبنان من كل جانب.