«رسائل بالجملة» وراء التصعيد «النفسي» والعسكري والسياسي عشية الذكرى الأولى لـ «الحرب الثالثة»

«رسائل بالجملة» وراء التصعيد «النفسي» والعسكري والسياسي عشية الذكرى الأولى لـ «الحرب الثالثة»

المصدر: الراي الكويتية
19 أيلول 2025
– هل يُراد من التسخين فرْض وقائع لمماشاة المسار السوري “الأمني” مع اسرائيل؟

على مَشارف 5 أيام من الذكرى الأولى لانفجار «حرب لبنان الثالثة» في 23 سبتمبر 2024 باجتياحٍ جوي سبق اغتيال الأمين العام لـ «حزب الله» السيد حسن نصرالله في 27 منه، استعادتْ إسرائيل مشهديةَ النار وأحيْت «يوميات» الإنذارات بالإخلاء «على الخرائط» التي وُجّهتْ فجأةً لسكان 3 بلداتٍ جنوبية قبل قصف أهداف زعمت تل أبيب أنها تعود للحزب فيها.

وإلى رمزيةِ توقيتِ «إيقاظ» هذا النمط من الاستهدافِ «المُجَدْوَل جغرافياً» في غمرة إطلاق الحزب فاعليات ذكرى مرور سنة على اغتيال نصرالله وخلَفه هاشم صفي الدين والتي تمتدّ حتى 12 أكتوبر المقبل، مع ما ينطوي عليه ذلك من أبعاد وخلفيات معنوية ونفسية بأنّ الحرب لم تنتهِ وأن تل أبيب مازالت تملك اليدَ الطولى «حيثما تشاء ومتى شاءت في لبنان»، فإن موجات الهجمات المستعادة التي حُددت في بلدات ميس الجبل، كفرتبنيت ودبين، بدت مدجَّجةً برسائل في أكثر من اتجاه برسم الحزب، كما لبنان الرسمي.

موجة نزوحٍ

وفي الوقت الذي سَبَقَتْ بدءَ تنفيذ التهديدات، موجةُ نزوحٍ من القرى التي وُضعت على «لائحة الاستهداف» وسط «حبْس أنفاس» في عموم لبنان خلّفه إعلان القناة 14 الإسرائيلية أن سلاح الجو يستعدّ «لشن موجات من الهجمات في لبنان والأماكن المهدَّدة»، فإنّ هذا التصعيد الخطير اكتسب دلالاته لاعتبارات عدة أبرزها:

– إنه الأوّل منذ موجة الغارات الـ 23 على الضاحية الجنوبية لبيروت في 5 يونيو الماضي، والتي اتّخذتْ شكل إنذاراتٍ لأبنية في عيْنها «عُلِّمت» بـ «الأحمر»، رغم أنه قبل هذا التاريخ وبعده وحتى الأمس القريب لم تتوقف إسرائيل عن خرق اتفاق وقف النار (27 نوفمبر) وتنفيذ ضرباتٍ في مختلف المناطق اللبنانية من دون «إشعارات مسبقة»، في إطار استهداف كوادر من «حزب الله»، وكان آخرهم في بعلبك ليل الأربعاء، حيث أعلنت اغتيال حسين سيفو شريف واصفة إياه بأنه «تاجر ومورد أسلحة كبير عمل من لبنان لتوجيه خلايا إرهابية داخل سوريا خططت لتنفيذ مخططات إرهابية ضد دولة إسرائيل».

– إنه أول هجومٍ يَستحضر سيناريوهات ما قبل اتفاق 27 نوفمبر، والتي اعتُمدت خصوصاً في الضاحية الجنوبية، منذ تقديم الولايات المتحدة مقترحاً تنفيذياً لاتفاق وقف النار حمل اسم الموفد توماس براك وجوهره حض لبنان على سحب سلاح «حزب الله» من جنوب الليطاني وشماله وتفكيك كامل ترسانته العسكرية وفق جدول زمني محدَّد (خط نهايته 31 ديسمبر)، قبل أن يَخضع الطرْحُ لـ «لبْننةٍ» اعتقدتْ بيروت أنها تحظى بتفهُّمٍ خارجي كفيلٍ بلجمِ تل أبيب عن أي ارتقاءٍ في الضربات لمستوياتٍ تقارب الحرب الواسعة أو الموسَّعة.

ومن ترجمات هذه «اللبْننة» إقرار حكومة الرئيس نواف سلام قرار حصر السلاح بيد الدولة، وأهداف ورقة براك، ثم إحالة التطبيق على خطة للجيش من 5 مراحل أولها استكمال تفكيك ترسانة الحزب جنوب الليطاني حتى أواخر ديسمبر، مع ترْك المراحل الأخرى المحدَّدة جغرافياً من دون مهل زمنية معلَنة.

وقد راهَنَ لبنان الرسمي على ضغطٍ دولي يمكن أن يدفع اسرائيل إلى الانسحاب من النقاط التي أبقتْها تحت الاحتلال جنوباً بما يساعد على «تَمَدُّد» تنفيذ الخطة من دون صِدام مع الحزب، ويوازِن بين ملاقاة بيروت المقترح الأميركي والتزامها «من جانب واحد» بآلية «الخطوة مقابل خطوة» وبين تَفادي الانزلاقِ إلى نزاعٍ داخلي، بالتوازي مع تثبيت قاعدة راسخة عنوانها «لا عودة عن قرار سحب السلاح» وذلك وفق مسارٍ يرتكز على اتفاق الطائف والبيان الوزاري للحكومة وخطاب القسَم للرئيس جوزف عون والقرار 1701.

– أن اندفاعةَ النار الإسرائيلية، اعتُبرتْ في جانبٍ منها إشارة عدم رضى على خطةِ الحكومة وكيفية تنفيذها، و«إعلاناً بالقوةِ» بأن تل أبيب غير معنية بالمَراحل التي حُدِّدت عبر الجيش اللبناني وأنها لن تحوّل الفترة الفاصلة عن نهاية ديسمبر «استراحةً» أو مساحة مفتوحة للبنان الرسمي و«حزب الله» لا جنوب الليطاني ولا شماله.

وإذ تقع بلدتا دبين وميس الجبل جنوب النهر وكفرتبنيت شماله، فإن إسرائيل التي تكمن للبنان وربما تَسعى لإلحاقه بما قد يرسو عليه الوضعُ على المَسرح السوري من اتفاقاتٍ أمنية، وما قد يستدعيه ذلك من «مقدّمات» ذات طابع عسكري مع «بلاد الأرز»، تستظلّ بحسب أوساط على خصومة مع «حزب الله» استمرار الأخير في إعلاء الصوت رَفْضاً لتسليم سلاحه مع إعطائه إشاراتٍ متضاربة حيال المضيّ في تعاونه لتفكيك بنيته حتى جنوب الليطاني، رابطاً أي نقاش في موضوع السلاح بوقف الاعتداءات وانسحاب إسرائيل وإطلاق الأسرى وبدء الإعمار ثم انطلاق حوار حول إستراتيجية دفاع وطني.

«الميكانيزم»

– إن الغاراتِ العنيفةَ، التي بدت أيضاً في إطار تعميق الخراب خصوصاً في القرى الأمامية ومنْع عودة سكانها ومظاهر الحياة فيها (ميس الجبل استقبلت الأربعاء طلائع غرف جاهزة لمدارس بديلة)، عَكَسَتْ في بُعدٍ أساسيّ آخَر الهوامشَ الضيقة جداً أمام لبنان وجيشه في التعاطي مع أي «شكاوى» أو «تبليغات» إسرائيلية عن «خطر ما» في منطقة، سواء اتّخذ شكلَ مَخزن أسلحة أو بنية تحتية للحزب أياً تكن، تُقدَّم أمام اللجنة الخماسية المولجة مراقبة تنفيذ اتفاق 27 نوفمبر، «الميكانيزم»، التي يترأسها جنرال أميركي وتضم ممثلين عسكريين لكل من فرنسا (نائبة الرئيس) ولبنان و«اليونيفيل» وإسرائيل.

ولم يمرّ وقتَ طويل على معاودة تفعيل «الميكانيزم» واجتماعاتها، بعد قرار الحكومة سحب سلاح «حزب الله» وتبنّيها خطة الجيش، وسط انطباعٍ بأن هذه الآلية باتت هي «الناظم» و«الناظِر» حتى لمدى تنفيذ الجيش ما تَعَهَّدَ به، وأنّ إسرائيل لن تتوانى عن «الإشراف» على طريقتها على التطبيق، رغم عدم اعترافها بأي حدودٍ لاعتداءاتها حيثما ارتأتْ في لبنان، وصولاً لحرصها على تظهيرِ قدرتها على «توحيد الجبهات» بالنار وفق «الحرب السباعية» التي تبقى غزة الأكثر توهُّجاً فيها… إلى حين.

وفي الوقت الذي اتخذ التصعيد الإسرائيلي أهمية مضاعفة كونه أتى قبل 3 أيام من وصول الموفدة الأميركية مورغان أورتاغوس لبيروت الأحد حيث يفترض أن تشارك في اجتماع لـ «الميكانيزم» وتتابع مسار خطة الجيش اللبناني، الذي يستعدّ الخارج لدعمه بما يعزز قدرته على السير بسحب السلاح، لم يكن عابراً الموقف الذي أصدره رئيس الحكومة نواف سلام خلال ترؤسه جلسة للحكومة مخصصة لاستكمال مناقشة مشروع موازنة 2026 والتي حصلت الإنذارات ثم الهجمات الإسرائيلية أثناء انعقادها.

فقد أعلن سلام أنه «رداً على التهديدات التي أطلقها الجيش الإسرائيلي باستهداف بلدات ميس الجبل، كفرتبنيت، ودبّين، وما رافقها من إنذارات عاجلة لإخلاء المنازل، يهمني أن أكرر أنّ الحكومة اللبنانية، المتمسكة بمسار وقف الأعمال العدائية، تؤكد أنّها منخرطة في اجتماعات الميكانيزم، لكن السؤال المشروع اليوم: أين التزام إسرائيل بهذه الآليات؟ وكيف يُعقل أن تستمر في ممارسة الترهيب والاعتداءات، فيما يُفترض بهذه الاجتماعات أن تضمن التطبيق الكامل للقرار 1701 ولوقف العمليات العدائية؟».

ودعا سلام باسم لبنان «المجتمع الدولي، ولا سيّما الدول الراعية لاتفاق وقف العمليات العدائية إلى ممارسة أقصى الضغوط على إسرائيل لوقف اعتداءاتها فوراً، والعودة إلى الآلية واتفاق وقف العمليات العدائية والتزاماته، بما في ذلك الانسحاب من الأراضي اللبنانية التي مازالت تحتلها، ووقف الاعتداءات، والإفراج عن الأسرى».

وكان الناطق باسم الجيش الإسرائيلي أفيخاي أدرعي كتب على صفحته على منصة «اكس»: «سيهاجم جيش الدفاع على المدى الزمني القريب بنى تحتية عسكرية تابعة لحزب الله في انحاء جنوب لبنان وذلك في مواجهة محاولاته المحظورة لإعادة إعمار أنشطته في المنطقة.

نوجّه تحذيراً عاجلاً إلى سكان المباني المحددة بالأحمر في الخرائط المرفقة والمباني المجاورة لها في القرى التالية: ميس الجبل، كفرتبنيت، دبين أنتم تتواجدون في مبان يستخدمها حزب الله. من أجل سلامتكم أنتم مضطرون لاخلاء تلك المباني والمباني المجاورة لها فوراً والابتعاد عنها لمسافة لا تقل عن 500 متر».