
فضيحة عدم طباعة سجلّات الامتحانات الرسميّة ورقيًا “ماضي” أمل شعبان يطاردها في وزارة التربية
لم ينسَ اللبنانيون بعد، فضيحة معادلات الطلّاب العراقيين، كملف فساد “باب أول” في وزارة التربية، والذي حصل في زمن الرئيسة السابقة لدائرة الامتحانات الرسمية، وأمينة سرّ لجنة المعادلات للتعليم ما قبل الجامعي، أمل شعبان، التي تمّ توقيفها أكثر من 20 يومًا على خلفية اتهامها شخصيًا بتقاضي رشاوى لتسريع تسليم الشهادات للطلّاب العراقيين، قبل منع المحاكمة عنها تحت عنوان “عدم كفاية الأدلّة”. لكن يبدو أن ذاكرة وزيرة التربية، ريما كرامي، أقصر من ذاكرة الرأي العام اللبناني. فما لم يكن متوقعًا، هو “مكافأة” شعبان، من وزيرة مفترض أنها آتية من روحية 17 تشرين، ومكافِحة للفساد، و “شبهاته”، لتستعجل وضعها في منصب “رئيسة الديوان في مديرية التعليم العالي”.
لكن شعبان التي تتمسّك بمنع المحاكمة عنها موحية بأنه صك براءة من أي إدانة في الملف، تعلم أن هذا القرار لا يبرّئها من فضيحة أخرى لا تقلّ خطورة، تكشفها “نداء الوطن”، وهي عدم طباعة سجلّات الامتحانات الرسمية للأعوام 2020-2021-2022-2023. بمعنى آخر، فإن داتا الامتحانات الرسمية لقرابة 400 ألف تلميذ لبناني، حُفِظت حتى العام 2025 فقط “إلكترونيًا” لدى وحدة المعلوماتية في الوزارة، وكانت أي إضافة أو تحديث عليها، تفتح الباب -إن لم يكن للتزوير ضمن شبكات سمسرة تشبه شبكة سمسرة معادلات الطلّاب العراقيين- فأقلّه للخطأ البشري المحتمل، وسط غياب فاضح لنسخات ورقية تكون مرجعًا للتوثيق.
والوضع يزداد خطورة، إذا ثبتت رواية متناقلة في الوزارة، حول حالة واحدة على الأقل، لاسم تلميذة تكرّر مرتين في السجل الإلكتروني كمتقدّمة في العام نفسه للامتحانات: مرة كطلب حرّ، ومرة كتلميذة، نالت الإفادة على أنها مسجلة في إحدى المدارس.
وبمعزل عن ثبوت هذه “الواقعة” من عدمها، فإن الأكيد هو الكتاب الذي حصلت عليه “نداء الوطن”، الذي يثبت عدم طباعة وتجليد سجلات الامتحانات الرسمية لسنوات 2020، 2021، 2022 و 2023، وتحذير المدير العام، والذي ترفع فيه دائرة الامتحانات الرسمية، المسؤولية “عن أي إجراء تمّ اتخاذه لتعديل أي معلومة في هذه السجلّات باستثناء الموافقات الصادرة عن وزير التربية”.
ليطرح السؤال الذي لا يمكن التغاضي عنه: لماذا حرصت أمل شعبان على عدم طباعة سجلّات امتحانات 4 أعوام متتالية؟ ومن يتحمّل مسؤولية أي تعديل أو خطأ أو تزوير لا يمكن إثباته طالما أن السجلّات الورقية لم تطبع مباشرة بعد نتائج الامتحانات؟
كتب منذ عهد الحلبي
وحصلت “نداء الوطن” على نسخة من كتاب موجّه من دائرة الامتحانات الرسمية للمدير العام للتربية في حزيران 2024، أي في عهد وزير التربية السابق عباس الحلبي، موضوعه “طباعة وتجليد سجلات الامتحانات الرسمية لسنوات 2020، 2021، 2022 و 2023.
أما المرجع فهو كتاب سابق حمل الرقم 243/2024 بتاريخ 1/2/2024، أي قبل شهرين، كان قد تضمّن عدم وجود سجلّات ورقية للامتحانات الرسمية لسنوات 2020، 2021، 2022 و 2023.
وإذ يشير الكتاب إلى أن “وحدة المعلوماتية قد أرسلت عبر البريد الإلكتروني بتاريخ 22/3/2024 ملفات إلكترونية بصيغة pdf لسجلات الامتحانات الرسمية للسنوات المنوّه عنها”، يحذر من أن “البيانات والمعلومات الواردة في سجلّات الامتحانات الرسمية قد يتمّ تعديلها بسبب تصحيح أخطاء مادية أو صدور موافقات على قبول ترشيح تلامذة بعد استكمال ملفاتهم”.
ويلفت الكتاب الموجّه للمدير العام للتربية إلى “تعذر مطابقة المعلومات الواردة في السجلّات المرسلة مع أي معلومات أخرى بسبب عدم توفر أي وثائق تمّ إصدارها فور نهاية الامتحانات الرسمية في السنوات المذكورة أعلاه”، غامزًا من قناة غياب أرشيف ورقيّ على الداتا قبل إجراء تعديلات محتملة عليها طيلة السنوات الماضية يتيح المقارنة، ليقترح “النظر بالموافقة على طباعة السجلّات المرسلة واعتمادها كسجلّات للسنوات المنوّه عنها”.
إلّا أن أهمّ فقرة في الكتاب، كانت الفقرة الأخيرة، وجاء في حرفيتها “مع الإشارة إلى أننا نرفع أي مسؤولية عن أي إجراء تمّ اتخاذه لتعديل أي معلومة في هذه السجلّات باستثناء تلك التي قمنا بطلبها بموجب مراسلات خطية أو عبر البريد الإلكتروني والمبنية على موافقات صادرة عن السيد وزير التربية والتعليم العالي”.
وهذا النصّ إنما يشير بما لا يدعو للشك، إلى خشية الإدارة الجديدة التي حلّت مكان شعبان، من تحمّل وزر أي تعديلات حصلت، لا يمكن توثيق صحّتها طالما أن السجلّات لم تطبع قبل تلك التعديلات، أي مباشرة فور صدور نتائج الامتحانات الرسمية.
الخطأ البشريّ “وارد”
هذا الكتاب يثبت أن كتبًا عدة أرسلتها دائرة الامتحانات الرسمية، بهدف طباعة سجلّات الامتحانات الرسمية غير المطبوعة ورقيًا، مع الحرص على رفع المسؤولية عن أي تعديل على الملفات الإلكترونية pdf المسلمة من دائرة المعلوماتية، بعد أعوام على الامتحانات عوض تسليمها مباشرة بعد الامتحانات الرسمية في العام نفسه. كما يثبت أن وحدة المعلوماتية اكتفت حتى بعد مطالبتها، بتسليم سجلّات الامتحانات الرسمية، دون تضمين سنوات “الإفادات” التي لا علامات فيها.
ووفق معلومات “نداء الوطن”، فإن دائرة الامتحانات الرسمية لم تتسلّم سجلّات امتحانات الإفادات، على صيغة إلكترونية pdf ليصار لطباعته إلّا منذ أسابيع قليلة فقط، وهي ما زالت تُسلّم تباعًا، لكن هذا لا يلغي فضيحة مرور 5 سنوات مع تعديلات كانت تحصل بلا أرشفة ورقية، وبأن النسخ الورقية اليوم، تأتي لتتوافق مع الداتا المحفوظة “إلكترونيًا” لا لتعبر عن واقع الحال في حين صدور تلك النتائج.
وهنا، لا بدّ من التذكير بحادثة حصلت أيام الوزير أكرم شهيّب عام 2019، حيث تمّ سحب نتائج الامتحانات قبل أن تنشر معدّلة مجدّدًا، ليعتذر الوزير عن “الخطأ التقني” يومها، موضحًا أنه “خطأ في جمع العلامات في مادة الفلسفة، وعندما تنبّهنا إلى الخطأ تمّ سحب النتائج، وتمّت إعادة النشر طبقًا للسجلّات الإلكترونية”، مؤكدًا تحمّل الوزارة “كامل مسؤوليتها”.
وهذه الحادثة إن تثبت شيئًا، فاحتمالية الخطأ البشري في وحدة المعلوماتية المخوّلة إدارة المعلومات المتعلّقة بتلامذة المدارس الرسمية والخاصة وضمنها سجلات الامتحانات الرسمية ونتائجها، ما يجعل نسبة الخطأ البشري واردة أو أقلّه غير مستحيلة على المستوى التقني. فكيف في وزارة لم تخرج بعد من فضيحة معادلات الطلاب العراقيين في عهد أمل شعبان؟
لا بل أكثر من ذلك، كان لافتًا تسليم سجلات الامتحانات الرسمية pdf وفق ما يثبت الكتاب، بعد سنوات من إنجازها، قبل تسليم سجلّات سنوات الإفادات، التي ما زالت لليوم تسلّم تباعًا، علمًا أن داتا الإفادات لا تقل أهمية عن سجلّات سنوات الامتحانات الرسمية!
الخطأ الإداري “القاتل”
وهنا يطرح سؤال آخر: لماذا سلك أرشيف امتحانات العامين 2024 و 2025 مساره الطبيعي للطباعة، دون عقبات عندما لم تعد شعبان رئيسة لدائرة الامتحانات الرسمية؟
أكثر من ذلك، وعلى فرض أن وحدة المعلوماتية لم تقم بدورها بتسليم سجلّات الامتحانات الرسمية بنسخة إلكترونية pdf ليصار لطباعتها من قبل دائرة الامتحانات الرسمية، في الأعوام المذكورة 2020—2021-2022-2023، لماذا لم تقدّم شعبان كتبًا تطلب من وحدة المعلوماتية تسليمها النسخات الإلكترونية، أو تقدّم شكاوى في حال لم تتمّ الاستجابة؟
ويزداد المشهد ريبة عندما يتبيّن أن أيّ خلل في هذه السجلّات، إن وقع، تتحمّله دائرة الامتحانات الرسمية وحدها، لناحية مصادقتها على إفادات النجاح أو الرسوب، استنادًا إلى بيانات تلك السجلّات، وليس وحدة المعلوماتية.
فهل كانت شعبان لتخاطر بمصادقات خاطئة تتورّط فيها دائرة الامتحانات كرمى لتقصير من وحدة المعلوماتية في طباعة داتا الامتحانات الرسمية لـ 100 ألف تلميذ سنويًا؟
أكثر من ذلك، وفي بلد لم يحقق التحوّل الرقمي الكامل في إداراته، هل فاتت شعبان احتمالية خرق البيانات أو تعطل الخوادم الحاملة لقاعدة البيانات؟ ماذا كان ليحصل حينها؟ وهل كان 400 ألف طالب ليوضعوا تحت رحمة “خطأ قاتل” كهذا، مع الإطاحة ببيانات إلكترونية وحدها شاهدة على نتائج امتحاناتهم، في ظلّ غياب أو تغييب السجلّ الورقيّ؟
كرامي… و “ماضي” أمل شعبان
“ماضيكم شو بدي فيه”، قالت وزيرة التربية ريما كرامي للموظفين يوم تسلّمها الوزارة. لكن سجلّات الامتحانات الرسمية التي لم تطبع ورقيًا، في كسر فاضح لإجراء إداري لم تحد عنه وزارة التربية منذ عشرينات القرن الماضي، تؤثر في “مستقبل” الطلاب الأكاديمي، ولا تعفي الرئيسة السابقة لدائرة الامتحانات الرسمية، والرئيسة الحالية للديوان في مديرية التعليم العالي، أمل شعبان من “ماضيها” في التربية ولا تعفي الوزيرة من وجوب التحقيق في هذا “الماضي”.
فهل تستكمل سريعًا عملية تسليم جميع السجلّات للسنوات السابقة؟ والأهم: من يحاسب أمل شعبان، على فضيحة عدم طباعة السجلّات الورقية لامتحانات الإفادات والامتحانات الرسمية المتضمّنة علامات 4 سنوات على التوالي؟
ويبقى الخوف كلّ الخوف، “ثبوت” الرواية المتناقلة في أروقة الوزارة حول تكرار اسم مرشحة للامتحانات في سنة واحدة، وبأن يفتح ثبوت رواية كهذه، احتمال أن تكون الحالة الأولى، لا الأخيرة.