تجفيف الودائع بالسندات: التعافي بنهج رياض سلامة

تجفيف الودائع بالسندات: التعافي بنهج رياض سلامة

الكاتب: خضر حسان | المصدر: المدن
20 أيلول 2025

قطعت السلطة السياسية أشواطاً في محاولتها حلّ الأزمة الاقتصادية والمالية، بما يتوافق مع مصالحها ومن خلفها مصلحة جمعية المصارف، على أنّ الخاسر الأكبر هو المودع الذي يتحضَّر لتجفيف بقايا ودائعه، عن طريق السندات. ولأنّ السلطة والمصارف تديران الدفّة وفق مصالهم، فإنّ مسار التعافي بدأ بالنسبة لهم. ومع بعض الخطوات الإصلاحية المتماشية مع مطالب صندوق النقد الدولي، خلص وزير المالية ياسين جابر إلى أنّ “لبنان بدأ يخطّ طريقه بخطىً علمية وعملية إلى بدء التعافي من الأزمة الاقتصادية المالية والمصرفية”. فهل يقبل المودعون السندات؟.

التعافي من الأزمة

تلتقي السلطة السياسية مع المصارف حول اقتراب نهاية الأزمة. والمؤشرات تستند إلى أنّ “الحكومة الحالية والمجلس النيابي، تمكّنا بعد سنوات من الشلل، من تعديل قانون السرية المصرفية وإصدار قانون الإصلاح المصرفي. كما يجري العمل على إقرار قانون الانتظام المالي، ووضع برنامج لإعادة الودائع”، وفق جابر الذي لفت النظر إلى أنّ إعادة أموال المودعين “ستعالج عن طريق إعطائهم سندات”. 

هذه المعالجة تروق لجمعية المصارف، ما دامت ستُخرج لبنان من اللائحة الرمادية، وتعيد صورة القطاع المصرفي إلى ما كنت عليه قبل العام 2019. وحتّى اللحظة، كل شيء إيجابي بالنسبة للمصارف، وهو ما عبَّرَ عنه الأمين العام لجمعية المصارف فادي خلف، في افتتاحية التقرير الشهري للجمعية في شهر آب الماضي، بقوله “إنّ الجو العام الجديد الذي بدأ يتشكّل، يلاقي ما تعمل عليه جمعية المصارف”. ومع “الجهود” التي تقوم بها السلطة السياسية “وإذا سارت الأمور على النحو المأمول، فإنّ سنة 2026 ستشهد تطبيق الحلول على نحوٍ تدريجي، ضمن خريطة طريق واضحة، وهو ما يسمح بعودة الثقة تدريجياً إلى القطاع (المصرفي)، ويعيد للمودع حقوقه على نحوٍ عادل، منظّم وتدريجي”. على أنّ مفهوم العدالة والتنظيم تحدّدهما المصارف مع السلطة السياسية، بغضّ النظر عن رأي أصحاب الودائع فيهما. أمّا قبول الاستعادة التدريجية للودائع، فستُفرَض بالقوة. 

أمام هذا الواقع، رأت مصادر مصرفية في حديث لـ”المدن”، أنّ “التعافي ضروري”، والاستدلال عليه يكون عبر “ما أُنجز من إصلاحات خلال أشهر، لم تُنجَز خلال سنوات سابقة”. ومع ذلك، لا تنكر المصادر أنّ نهاية الأزمة لن تكون سريعة كما يبدو، لأنّ هناك محطات مفصلية “منها تحديد حجم الفجوة المالية، وبعدها تحديد مَن سيتحمَّل الأعباء، وبِكَم وكيف ستتوزّع”. وبالرغم من عدم الوضوح حتى الآن، يظهر أنّ هناك شبه إجماع على تحميل “العبء الأكبر لمصرف لبنان، ثم المصارف، ومن بعدها الدولة”.

ولفتت المصادر النظر إلى أنّ المصارف “بتعاقدها مع شركة “انكورا” ANKURA تبحث عن كيفية التوفير على نفسها أعباء الحل”. ويُلتَمَسُ هذا الكلام عبر تأكيد خلف بأنّ “المستشار المالي العالمي ANKURA سيقوم بدوره بالتفاوض مع المستشارين الماليين للدولة ولمصرف لبنان”. وإذا كان خلف يضع هذا التفاوض في سياق “مواكبة الورشة الإصلاحية”، فإنّ تجربة أكثر من 5 سنوات، أفضت إلى أنّ المصارف تبحث دائماً عن حلول تناسبها، على حساب المودعين والدولة. 

الرفض قائم

يرفض المودعون تصوير ما يحدث بأنّه مسار إصلاحي؛ إذ بموجبه سيُشطب الكثير من الودائع تحت مسميات مختلفة، منها على سبيل المثال لا الحصر، الفوائد التي كانت أعلى من الفوائد العالمية، وكذلك مبالغ جرى “تحويلها” من ليرة إلى دولار في بداية الأزمة.

علماً أنّ المودعين لم يسرقوا ما حصلوا عليه، إنما كان ثمرة ما عَرَضَته المصارف بتشريع من مصرف لبنان، وبغطاء من السلطة السياسية. فالمصارف استفادت من ارتفاع الفوائد عبر ما حصلت عليه من توظيف أموال المودعين عبر مصرف لبنان، فهل ستُعيد المصارف ما استفادت منه عبر الفوائد؟. وبالتوازي مع ذلك، فإنّ تحويل الليرة إلى دولار لم يحصل بهذه البساطة؛ بل كان عملية شراء للدولار، عرضتها المصارف على المودعين، في محاولة منها لتحقيق مكاسب من الشراء، عوضَ أن يسحب المودعون أموالهم بالليرة، ويشترون بها الدولار من السوق. فوافق المودعون على شراء الدولار من المصارف بأسعار أعلى من سعر السوق، ظناً منهم أنّ المشكلة ستنحصر بانهيار سعر الليرة، ولن تطال عملية سحب أموالهم الدولارية.

وبعيداً من أي عناوين لتصنيف الودائع وتحديد أيُّها سيُشطب، يرفض المودعون الحلّ القائم على استبدال جزء من أموالهم بالسندات. وهو ما عبّرَت عنه جمعيات المودعين بتأكيد أنّها ترفض “نقل الذمم من المصارف إلى الدولة، أو أيّة جهة أخرى، لأنّ الأزمة ليست خسائر مصرفية؛ بل سرقات مصرفية”.

الحلول المطروحة راهناً هي “ذرٌّ للرماد في العيون”، وفق توصيف رئيس جمعية المودعين حسن مغنية، الذي أكّد في حديث لـ”المدن”، أنّ السلطة السياسية والمصارف لديهم هدف واحد هو “المراوغة والمماطلة وعدم وضع خطّة واضحة”. ويراهنون وفق مغنية على “يأس المودعين بمرور الزمن”؛ فالدولارات التي سيحملها المودعون بواسطة السندات المفترضة “ستفقد قيمتها مع الوقت، وإن كانت بالدولار”.

تحاول السلطة بهذه الحالة “تطبيق خطّتها التي بدأتها قبل نحو 6 سنوات. ومع المزيد من المماطلة، تذهب الأمور نحو 6 سنوات أخرى”. فتكون السلطة بهذه الحالة قد وجدت حلاًّ “شعبوياً وبعبارات منمّقة مثل سندات الخزينة”. ويصف مغنية هذا المسار بأنّه “معالجة الطربوش القديم بطربوش جديد”.

ولا يستغرب مغنية موافقة المصارف، وسعي النواب لتمرير هذ االنوع من الحلول؛ إذ إنّ “80 بالمئة من النواب هم أعضاء في المصارف أو يقبضون منها”. وكشف مغنية أنّ “المصارف مستمرة في محاولة شراء السياسيين، عبر إرسالها رسائل لهم تفيد باستعدادها تمويل حملاتهم الانتخابية، مقابل السكوت عن موضوع الودائع”.

هي السندات إذن، تريد السلطة والمصارف استعمالها لتجفيف ما تبقّى من ودائع؛ أي إحالة الدفع إلى الزمن. ولأن البلد غير مستقرّ، ستضيع الأموال، وسيعتاد أصحابها تلك النتيجة كما اعتادوا الانهيار، وخسارة الجزء الأكبر من أموالهم، كما تنبَّأ الحاكم السابق لمصرف لبنان رياض سلامة الذي أدار الانهيار وفق ما يخدم المصارف والسلطة السياسية، عبر قرارات وتعاميم مجحفة. واليوم، يُستَكمَل النهج نفسه.