ترامب وإيران وبينهما الحزب… الرد المؤجل

ترامب وإيران وبينهما الحزب… الرد المؤجل

الكاتب: ناديا غصوب | المصدر: نداء الوطن
11 أيلول 2025

لا يزال ملف سلاح “حزب الله” معلّقًا بين المواقف المتناقضة والتقارير المتضاربة، فيما يترقّب الداخل اللبناني والخارج الإقليمي والدولي التعليق المنتظر من الرئيس الأميركي دونالد ترامب على مصير هذا السلاح.

ففي الوقت الذي تقول فيه بعض التقارير إن جلسة مجلس الوزراء اللبناني الأخيرة حسمت الملف بشكل نهائي، تؤكد تقارير أخرى أنّ “الحزب” عاد إلى مرحلة “الراحة”، في إطار عملية ربط نزاع طويلة الأمد بينه وبين الدولة، قائمة على متابعة بتقارير شهرية قد تمتد بلا أفق واضح.

وفي موازاة ذلك، يزداد الحديث عن احتمال أن تطلب إيران من “حزب الله” إعادة النظر بسلاحه في إطار أي تسوية مع واشنطن. غير أنّ هذا السيناريو يبقى غير مرجّح بصيغته الكاملة، إذ يدرك “الحزب” أنّ سلاحه ليس مجرد ورقة داخلية بل هو رصيد استراتيجي لطهران في المنطقة، ومن غير الممكن التفريط به دفعة واحدة. لذلك، تبدو التسويات المرحلية أو إعادة التموضع الجزئي أكثر انسجامًا مع الواقع، بحيث يُصار إلى تقديم تنازلات تكتيكية أو ضبط الوجود العسكري في بعض الساحات، من دون المساس بجوهر المعادلة التي تحافظ على السلاح كركيزة أساسية في ميزان النفوذ الإقليمي.

مصادر دبلوماسية توقفت عند ثلاث نقاط مفصلية:

أولًا، انتظار موقف ترامب، القرار الأميركي سيحدد الاتجاه المقبل، بين الإبقاء على الوضع الراهن أو الذهاب نحو تصعيد قد يفتح الباب أمام حرب إسرائيلية جديدة على لبنان.

ثانيًا، المفاوضات الأميركية – الإيرانية، إذ سيُبنى الكثير على مخرجاتها، خصوصًا أن “حزب الله” يُعتبر الذراع الأبرز لطهران في المنطقة، ما يجعل أي تغيير في موقعه مرتبطًا مباشرة بمصالح إيران التفاوضية.

ثالثًا، الحركة داخل الطائفة الشيعية، ولا سيما الجهود التي يقودها رئيس مجلس النواب نبيه بري لضبط إيقاع “الحزب” تحت سقف وقف الأعمال العدائية مع إسرائيل.

وفي موازاة هذه التعقيدات، جاءت الضربة الإسرائيلية التي استهدفت قيادات من حركة “حماس” في الدوحة لتفتح مشهدًا جديدًا من التصعيد. فتل أبيب، التي كسرت الخطوط الحمراء غير المعلنة عبر استهداف الأراضي القطرية، أوصلت رسالة مزدوجة: أولًا، أنّها مستعدة لتوسيع رقعة المواجهة خارج غزة، وثانيًا ، أنّها لا تتردد في تقويض أدوار الوسطاء، ولو كانوا من أبرز حلفاء واشنطن. هذه التطورات تضع إيران و”حزب الله” أمام معادلة أكثر صعوبة، إذ لم يعد الضغط محصورًا في الساحة اللبنانية أو السورية، بل امتد إلى دول كانت تُعتبر بعيدة عن مرمى النار، ما يعني أن أي تسوية مقبلة لن تكون محلية الطابع فقط، بل ستُبنى على حسابات إقليمية متشابكة تفرض نفسها بقوة على ملف سلاح “الحزب”.

في المقابل، لا تبدو الإدارة الأميركية تملك رؤية موحّدة. فبينما تضغط تل أبيب من أجل تشديد الخناق على “الحزب”، تحرص واشنطن على تجنّب انهيار شامل في لبنان، بانتظار ما ستؤول إليه المفاوضات مع طهران، وما سيقرره ترامب في توقيته الخاص.

وقد شهدت بيروت اجتماعًا لافتًا بين المتحدثة السابقة باسم الخارجية الأميركية مورغان أورتاغوس وقائد المنطقة الوسطى في الجيش الأميركي الجنرال براد كوبر، في إطار زيارة رسمية حملت أبعادًا سياسية وأمنية دقيقة. اللقاء تمحور، بحسب مصادر مطلعة، حول مستقبل التعاون العسكري بين واشنطن والجيش اللبناني، إضافة إلى ملف الاستقرار على الحدود الجنوبية. وأشارت المعطيات إلى أن البحث تطرّق أيضًا إلى موقع “حزب الله” ودوره في المعادلة الداخلية والإقليمية، حيث أكدت أورتاغوس أن الولايات المتحدة ماضية في دعم المؤسسات الرسمية اللبنانية، فيما شدّد كوبر على أهمية إبقاء الجيش اللبناني حجر الزاوية في أي مقاربة أمنية للمرحلة المقبلة.

ورأت مصادر سياسية أنّ الاجتماع حمل في طيّاته رسائل غير مباشرة، أبرزها التأكيد الأميركي على دعم الجيش كقوة وحيدة شرعية قادرة على ضبط الحدود، في مقابل رسالة ضغط مبطنة لـ “حزب الله” مفادها أنّ واشنطن لن تسمح بتجاوز الخطوط الحمر. كما حمل اللقاء إشارة طمأنة للداخل اللبناني بأن الجيش سيبقى في دائرة الرعاية الأميركية، وسط الانهيار الاقتصادي والتجاذبات السياسية، وذلك لتفادي أي فراغ أمني قد يفتح الباب أمام سيناريوات خطرة في المرحلة المقبلة.

الردّ الأميركي، بنسخته “الترامبية”، لا يزال مؤجلًا. لكن التأجيل نفسه تحوّل إلى رسالة ضغط واضحة: “حزب الله” تحت المجهر الأميركي، فيما يبقى السؤال الأوسع مطروحًا: هل يمكن أن يذهب “الحزب” إلى تسويات مرحلية إذا طلبت منه إيران ذلك في سياق المفاوضات مع واشنطن؟ أم أن لحظة الحسم ستظلّ مؤجَّلة بلا أفق محدّد؟