خاص – رسالتان متناقضتان لا تصنعان سلامًا

خاص – رسالتان متناقضتان لا تصنعان سلامًا

الكاتب: نبيل موسى | المصدر: Beirut24
8 تشرين الثاني 2025

في حذيثه المستمرّ عن تعافيه العسكري، “حزب الله” يكذب، وإسرائيل (ومعها الولايات المتحدة) تعلم أنه يكذب، والحزب يعلم أن إسرائيل تعلم أنه يكذب، وبالرغم من كل ذلك لا تزال حفلة التكاذب مستمرّة.

على مدار الساعة، لا يترك “حزب الله” مناسبة إلا ليؤكد خلالها أنه استعاد قوته وتماسكه وأعاد بناء قدراته العسكرية، واسترجع جاهزيته لمواجهة أي اعتداء إسرائيلي على لبنان.

في المقابل، تواصل إسرائيل اعتداءاتها اليومية على لبنان، وتحديدًا على مواقع “حزب الله” وكوادره موقعة قرابة 400 قتيل خلال عام ونيّف بعد وقف إطلاق النار، وتؤكد في الوقت نفسه أنها لن توقف هذه الاعتداءات إذا لم تنزع الدولة اللبنانية سلاح الحزب، لافتة في الوقت نفسه، بعد كل عملية، أنها تندرج تحت سقف اتفاق وقف النار الذي يسمح لها باستهداف كل ما تعتبر أنه يشكل خطرًا عليها.

المصلحة المشتركة إذًا بين “حزب الله” وإسرائيل أصبحت واضحة ومعلنة: فالحزب الذي يؤكد استعادة قوته، يؤكد في الوقت نفسه التزامه بوقف النار ونزع سلاحه جنوب الليطاني، في محاولة مكشوفة لطمأنة تل أبيب على أمنها وأمن حدودها ومستوطناتها الشمالية، فيما تكتسب إسرائيل في المقابل مشروعية مواصلة اعتداءاتها على لبنان. كما أن هذا الوضع يمنح إسرائيل تفويضًا على بياض لمهاجمة لبنان في الوقت الذي تراه مناسبًا، بحجة إبعاد خطر الحزب عن أراضيها، وهو عنوان يمكّن تل أبيب أيضًا من الحصول على التعاطف والدعم الدولي المطلوب لتنفيذ مآربها تحت شعار حماية شعبها من الإرهاب.

أما إصرار الحزب على نظرية استعادة قوته، فلا يعدو كونه رسائل ترهيبية الى الداخل للاحتفاظ بسلاحه من جهة، والمحافظة على مكتسبات “الثنائي” داخل تركيبة الدولة اللبنانية من جهة ثانية، بعدما أمضى سنوات من العمل لإحكام سيطرته عليها، مدعومًا أولًا من نظام الأسدَين في سوريا، ثم من الجمهورية الإسلامية في إيران التي يدين لها بالولاء المطلق.

على مستوى الدولة اللبنانية، لا يختلف اثنان على النوايا الصادقة لدى رئيس الجمهورية العماد جوزيف عون ورئيس الحكومة نواف سلام لإرساء الأمن والاستقرار في البلاد، كمقدمة لإعادة بناء الدولة وإخراج لبنان من أزماته الاقتصادية، بمساعدة الأشقاء العرب والأصدقاء في العالم.

إلا أن العهد وحكومته الأولى يعلمان علم اليقين، وقد أبلغا بذلك في أكثر من مناسبة من عواصم القرار العربية والدولية، بأن لا مساعدات للبنان قبل أن تنفذ الحكومة قرار حصرية السلاح، وتبسط سلطتها على كامل أراضيها، وتمسك بالتالي بالفعل وليس بالقول بقرار الحرب والسلم، ثم بقرار بدء مفاوضات مع إسرائيل بالطريقة التي تؤدي الى سلام دائم بين البلدين.

وكان لافتًا تعليق الرئيس عون في اجتماع الحكومة على الاعتداءات الإسرائيلية الأخيرة على الجنوب بقوله: الرسالة وصلت. ولكن، في المقابل، ثمة سؤال يطرح نفسه: هل وصلت أيضًا رسالة “حزب الله” التي أرسلها في اليوم نفسه عبر كتابه المفتوح الى المسؤولين والشعب اللبناني عندما أكد بوضوح على أمرين: رفض تسليم السلاح ورفض التفاوض مع اسرائيل؟!

في المحصلة: رسالتان متناقضتان لا تصنعان سلامًا.

أما وقد بات الخيار بين الحرب والسلام في ملعب الحكومة اللبنانية، وأصبح اللعب “على المكشوف” بعدما أظهرت جميع أطراف اللعبة ما كانت تضمره، أضحى واجبًا على الحكومة أن تقرن أقوالها بالأفعال، لأن النوايا الحسنة لا تكفي وحدها لدخول الجنة.