
لبنان من “الصوت الاغترابي” إلى التحالفات الداخلية درّ
عند الساعة الخامسة من عصر اليوم الخميس بالتوقيت المحلي الكندي، الساعة الثانية عشرة من منتصف الليل بتوقيت بيروت، تُقفل منصة تسجيل أسماء المغتربين. وبعد هذا التاريخ لا يعود في مقدور أحد أن يعبر إلى حقّه بالمشاركة في الانتخابات النيابية، وذلك بغض النظر عن أي صيغة قانون ستعتمد. وسواء أتت الأرقام متطابقة مع رغبة “القوى السيادية”، وهذا هو المرجّح، أو أنها باقية على حالها السابقة، فإن الاشتباك السياسي على “الصوت الاغترابي” سيشتدّ أكثر فأكثر، خصوصًا بعد توقيع رئيس الجمهورية على مشروع قانون تعديل القانون كما أقرّته الحكومة، مع ما لهذا التوقيع من معانٍ سياسية قد تفتح باب الاجتهاد الدستوري على مصراعيه، وبالأخصّ في ما يتعلق بتمديد مهلة تسجيل المغتربين حتى نهاية السنة كما هو ملحوظ في مشروع قانون الحكومة.
ففي “لعبة” الأرقام الكثير من الدلالات السياسية، إذ أن كل صوت اغترابي إضافي إلى ما يمكن أن يقفل عليه عدّاد التسجيل من حصيلة نهائية، يُعتبر مكسبًا قد يصبّ في مصلحة هذا الطرف أو ذاك وفق ما يمكن استنتاجه من خارطة توزيع الأصوات الاغترابية، التي كان لها التأثير المباشر على نتائج انتخابات العام 2022.
فمع إقفال منصّة وزارة الخارجية تُسدل الستارة عن مشهد من مشاهد اللعبة الديمقراطية، من دون أن يعني ذلك أن الاغتراب سيقف مكتوف الأيدي ومكتفيًا بأن يراقب ما يحصل في الداخل اللبناني من كباش سياسي، بل ستكون له تحرّكات منظّمة تهدف إلى إسماع صوته كما يجب أن يسمعه، الذين لا يريدون أن يسمعوا.
ومع هذا الاقفال، الذي يمكن أن يكون مؤقتًا، تنتقل المعركة السياسية في الداخل إلى الشقّ التقني المتعلق حصرًا بتركيب اللوائح وفق ما ترسو عليه التحالفات الانتخابية. وقد تكون انتخابات نقابة محامي بيروت نموذجًا لما يمكن أن يكون عليه شكل هذه التحالفات الظرفية، التي تفرضها طبيعة المعركة الانتخابية.
وبغض النظر عن الصيغة التي ستُعتمد لآلية تصويت المغتربين، مع ترجيح إلغاء التصويت الاغترابي، فإن كل فريق من الأفرقاء السياسيين بدأ يحمّي ماكيناته الانتخابية على أساس أن موعد العملية الانتخابية هو من حيث المبدأ في 15 أيار المقبل، أي بعد ستة أشهر من الآن، إذا لم يطرأ أي جديد قد يدفع إلى التأجيل والتمديد.
وعليه، فإن الصيغة التي سترسو عليها التحالفات المقبلة آخذة في التبلور، وبالأخصّ بالنسبة إلى الأحزاب، التي تجمع في ما بينها قواسم سياسية مشتركة، أقّله في العناوين العريضة، مع الأخذ في الاعتبار مدى جدّية ما يمكن أن يتخذه تيار “المستقبل” من قرار في المشاركة الفعلية في هذه الانتخابات، ترشيحًا وتصويتًا. ومن شأن أي قرار قد يتخذه الرئيس سعد الحريري قبل رأس السنة أن يكون له تأثير مباشر على شكل التحالفات الانتخابية، سواء في بيروت أو في صيدا أو في إقليم الخروب أو في طرابلس أو في عكار أو في زحلة أو في البقاع الغربي.
فإذا اُلغي التصويت الاغترابي بفعل عدم البت بمفاعيل الغاء المادة 112 أو تعديلها أو بسبب عدم صدور المراسيم التطبيقية للقانون الحالي النافذ، فإن عمل بعض القوى السياسية سيتجه نحو تكتيكات جديدة، وذلك تعويضًا عن خسارة الصوت الاغترابي. ومن بين الاحتمالات الأكثر ترجيحًا أن يُمارس ضغط نيابي على السلطتين التشريعية والتنفيذية لكي يصار إلى تأجيل تقني لموعد الانتخابات لفترة شهرين، وذلك افساحًا في المجال أمام أكبر مشاركة اغترابية ممكنة.
إلاّ أن دون هذه الغاية عقبات كثيرة، ومن بينها وأهمّها، أن الرئيس بري، الذي يتوجس من الصوت الاغترابي، لن يقدّم للأفرقاء “الذين يتهمهم بأنهم يسعون إلى تهميش الطائفة الشيعية عبر الصوت الاغترابي” هذه الفرصة على طبق من فضّة. وكما نجح في عدم إدراج أي اقتراح قانون أو أي مشروع قانون لتعديل المادة 112 على جدول أعمال الهيئة العامة فإنه سيعمل على إجهاض أي مسعى لتأجيل موعد هذه الانتخابات.
