
لماذا يشن «الحزب» هجوماً على «المركزي» اللبناني؟
توقفت الأوساط السياسية والاقتصادية في لبنان أمام الهجوم الذي شنه الأمين العام لـ«حزب الله» نعيم قاسم، الاثنين، على إجراءات حاكميّة مصرف لبنان (المركزي)، ليفتح الباب أمام مواجهة سياسية جديدة تتجاوز الطابع المالي البحت.
فقد اعتبر قاسم أنّ زيارة وفد وزارة الخزانة الأميركية إلى بيروت تهدف إلى «التضييق مالياً على (حزب الله) واللبنانيين»، داعياً الحكومة والحاكم إلى «وقف الإجراءات التي تزيد الضغط على المواطنين».
هذا الخطاب التصعيدي، لم يُنظر إليه بوصفه اعتراضاً تقنياً على سياسات نقدية جديدة بعد سنوات من الفوضى التي أفرزت اقتصاداً موازياً يعمل خارج أي رقابة. ومع بدء تنفيذ إجراءات إلزامية لتفادي انتقال لبنان إلى «اللائحة السوداء»، بدا واضحاً أنّ المواجهة تتّسع، وأنّ محاولات كبح الضوابط ستصطدم بجبهة سياسية رافضة لاستمرار الاستثناءات.
محاولة لإسقاط الضوابط
وفي تعليق مباشر على كلام قاسم، قال عضو كتلة «القوات اللبنانية» البرلمانية النائب غسان حاصباني لـ«الشرق الأوسط»: إنّ «الهجمة التي يشنّها (حزب الله) اليوم هي هجمة على الإجراءات المالية، فالحزب يستهدف الضوابط التي تُعيد انتظام الحركة المالية في لبنان، لأنّه دائماً ما كان يرفض أي خطوة تُقيّد التداولات غير الشرعية التي يستفيد منها الاقتصاد الموازي». وأضاف أنّ «هذا الأسلوب ليس جديداً، فقد كان يُستخدم دائماً للضغط على الأشخاص المكلّفين تنفيذ هذه الإجراءات أو المسؤولين عنها».
ورأى حاصباني أنّ «هذا التصعيد بحدّ ذاته دليل على أنّ الإجراءات بدأت فعلاً تأخذ دورها وفعاليتها»، موضحاً أن «هناك رفضاً كاملاً لدى الحزب لأي ضبط للحركة المالية التي يستفيد منها». ورأى أن «الإجراءات بدأت تأخذ دورها، وهذا هو أول ما يجب أن يحصل».
وأوضح: أنّ «مهمة مصرف لبنان هي وضع الضوابط التنظيمية لمنع التداول المالي غير القانوني، والذي قد يؤدي إلى تبييض الأموال أو استخدام الأموال لأغراض غير شرعية، وهذا جزء من معايير دولية تطبّقها كل الدول». وشدد على أنّ «لبنان إذا أراد العودة إلى المنظومة المالية الدولية وتجنّب الانتقال من اللائحة الرمادية إلى اللائحة السوداء، فعليه الالتزام بهذه الإجراءات، لأنّ العودة إلى الوضع الطبيعي تتطلب احترام قواعد النظام المالي العالمي».
قواعد النظام المالي الدولي
وأضاف: «هذه إجراءات لا بد أن تحصل، والقرار مرتبط بقواعد النظام المالي الدولي، ولا يمكن للبنان أن يكون خارج هذا النظام». وأشار إلى أنّ «لبنان أمام خيارين: إما الذهاب نحو اللائحة السوداء، وقطع العلاقات المالية للمصارف الدولية مع المصارف اللبنانية ووضع لبنان في عزلة مالية تضرّ بالشعب كله، أو العودة إلى النظام المالي العالمي بما يسهّل التعاملات والحسابات للبنانيين».
وأضاف: «على مصرف لبنان أن يعمل لتأمين الخيار الثاني، فيما يحاول (حزب الله) الإبقاء على الخيار الأول، أي اقتصاد الظل وقطع لبنان عن النظام المالي العالمي». وشدّد على أنه «بين هذين الاتجاهين يُحسم مستقبل اللبنانيين».
نظام مالي واحد
ومع تزايد الضغوط الدولية وتلويح الهيئات الرقابية بإدراج لبنان على «اللائحة السوداء»، ترى الأوساط المصرفية في لبنان أن الصراع الدائر لم يعد تفصيلاً تقنياً، بل «بات اختباراً أساسياً لقدرة الدولة على فرض نظام مالي واحد لا ازدواج فيه». فالتراجع عن الإجراءات يعني الانزلاق إلى عزلة خانقة، بينما المضي بها يفرض مواجهة مع القوى التي استفادت من الفوضى لسنوات طويلة.
في السياق، قال عضو كتلة «حزب الكتائب»، النائب إلياس حنكش لـ«الشرق الأوسط» إنّ «من يخرج اليوم منتقداً هذه الإجراءات هو نفسه المسؤول، مع حزبه، عن الخراب الذي أصاب لبنان، وعن قتل مدنيين وتهجيرهم».
وأشار حنكش إلى أنّ قاسم «سبق وهاجم وزير العدل لأنه يقوم بواجباته، ثم هدّد رئيس الحكومة، وها هو اليوم يهاجم حاكم مصرف لبنان بعد التعميم الأخير، وكأنّ المطلوب تعطيل كل إجراء يُعيد لبنان إلى المنظومة المالية الدولية أو يُلزم المؤسسات المخالِفة باحترام القانون». وسأل: «إلى أين يريد أخذ البلد؟».
الحزب يبني اقتصاداً موازياً
وحول خلفيات الهجوم على الحاكم، قال حنكش: «من الواضح أن (حزب الله) يحاول عرقلة أي خطوة تُعيد الانتظام المالي وتوقف تسرّب الأموال بطرق غير شرعية. فالحزب بنى اقتصاداً موازياً، وبالتالي كل إصلاح يضرب هذا النموذج يثير غضبه».
وأضاف: «القرض الحسن مثال واضح. فإذا كان مؤسسة شرعية ورسمية فليخضع للقوانين، أمّا إذا كان خارج الإطار القانوني ويُستخدم لعمليات مالية غير مراقبة، فهو يعرّض لبنان كله للعقوبات وللعزلة الدولية». ورأى أنه «لم يعد مسموحاً التغطية على أي مؤسسة تعمل خارج النظام المالي اللبناني والدولي».
وعن تأثير هذه المواجهة على مستقبل البلاد، رأى حنكش أنّ «زمن الترهيب ولّى، والدولة تسير باتجاه بناء مؤسساتها وتثبيت سيادتها، فمن يريد أن يقتنع فليقتنع، ومن لا يريد فليتحمّل مسؤولية الوقوف ضد بناء الدولة».
