
دائرة بعبدا: وحدها مرشحة لخرق شيعي.. وترقب لتأثير ساكن القصر
تُعتبر دائرة بعبدا من أكثر الدوائر الانتخابية تعقيداً في لبنان، على الرغم من أنّ التحالفات السياسية الأساسية فيها واضحة ولا تتبدّل. فللقصر الجمهوري فيها حضور معنوي، ومن شأنه تبديل المعطيات الانتخابية، خصوصاً في ما خصّ هوية المرشح الماروني الثالث (من أصل ثلاثة مقاعد مارونية) الفائز بالانتخابات. كما يجب الأخذ بعين الاعتبار التوجهات الجديدة للأصوات العونية وكيف ستتوزع على اللوائح، سواء لناحية تأثير القصر، أو لناحية توجّه النائب آلان عون المطرود من التيار الوطني الحرّ.
لكن، وفي الوقت الذي تشخص فيه أنظار القوى المحلية على المقعد الماروني الثالث (على اعتبار أن مقعداً يذهب حكماً للقوات اللبنانية والآخر للتيار الوطني الحر)، تُعتبر دائرة بعبدا الوحيدة بين كل الدوائر في لبنان، التي يمكن اختراق حصون الثنائي الشيعي بأحد المقعدين الشيعيين الوحيدين فيها. أما هوية المقعد الدرزي المتبقي فهي اشتراكية، حيث لا منافس للحزب التقدمي الاشتراكي هناك.
معضلة أصوات حزب الله التفضيلية
في ظل الظروف السياسية الحالية تُعتبر دائرة بعبدا الوحيدة، إلى جانب دائرة البقاع الشمالي، حيث يمكن الخرق بمقعد شيعي. وتقوم استراتيجية القوات اللبنانية على محاولة تذويب تأثير الصوت الشيعي عبر رفع نسبة المشاركة المسيحية، وعبر استقطاب أصوات الناخبين الذين صوتوا للتغييريين في الانتخابات السابقة. وهذا يؤدي إلى رفع مستوى الحاصل الانتخابي (عدد الأصوات التي تؤهل اللائحة للفوز بمقعد) وجعل الفوز بحاصلين بالنسبة إلى الثنائي الشيعي أكثر تعقيداً. وهذا بدوره سيشكّل معضلة عند حزب الله، في عدم توزيع الأصوات التفضيلية على مرشح حركة أمل. فلا فائض في الأصوات التفضيلية لدى حزب الله، مثلما هي الحال في النبطية أو بنت جبيل. وهذا معطوف على أن أصوات النائب علي عمار زادت بنحو مئة صوت فقط عن تلك التي نالها النائب القواتي بيار أبي عاصي.
المعضلة الثانية أن حزب الله يدرك أن الخصوم سيسعون للاستفادة من أيّة نقمة شيعية على الثنائي جراء نتائج الحرب وملف إعادة الإعمار. وأيّة نقمة، ولو بنسب ضئيلة، تؤدي إلى خسارة أصوات، في الوقت الذي يحتاج فيه الثنائي إلى كل صوت للحفاظ على المقعدين. ليس هذا فحسب؛ بل يحتاج الأمر إلى توزيع حزب الله أصواته التفضيلية على مرشحين. فتكرار سيناريو الانتخابات السابقة في بعبدا يهدد المقعد الشيعي الثاني على اللائحة، لا سيما أن مرشح التيار الوطني الحر الذي سيخلف آلان عون، قد يتفوّق تفضيلاً على مرشح “أمل”.
وعلى الرغم من ذلك، فإنّ الثنائي مرتاح في تحالفه مع التيار الوطني الحر، أولاً نظراً لارتباطاتهما الانتخابية المصلحية الممتدة من دائرة جزين إلى جبيل ومروراً بزحلة والبقاعين الأوسط والشمالي، وثانياً لأنّ أصوات المرشح المسيحي ستكون بمنزلة “سدّة” (كما يقال باللغة الانتخابية) لتأمين الحاصل الثالث للائحة (الكسر الأعلى)، في حال ارتفع الحاصل الانتخابي عن العام 2022.
مفاضلة القوات بين عون والكتلة
هذا التحالف الانتخابي الوثيق بين التيار والثنائي يصعّب دخول النائب المطرود من التيار آلان عون، الذي يفضّل الترشح مع الثنائي، لكن الطريق أمامه ليست معبدة. وهو يقول في مجالسه، رداً على استفسارات المناصرين عن التحالفات الانتخابية، إن علاقته جيدة بجميع الأطراف، ولا أبواب موصودة في وجهه. لكن الخيارات أمامه ضيقة، على الرغم من أنه يستطيع تجيير نحو 4 آلاف صوت، كما تشيع ماكينته الانتخابية.
فالقوات اللبنانية قطعت شوطاً كبيراً في إمكان التحالف مع الكتائب اللبنانية في أكثر من دائرة، في حين هناك محاولات من الكتلة الوطنية للتفاوض مع القوات على قاعدة التحالف في أكثر من دائرة، منها الشمال الثالثة والثانية وكسروان، وهو ما يعني أن القوات ستفاضل بين الكتلة أو آلان عون. ومشكلتها مع الكتلة أن ميشال الحلو بنظرها يساري الهوى، وفوزه بمقعد نيابي يعزز حضوره المسيحي، في الوقت الذي تجهد فيه القوات لتصبح الممثل الوحيد للمسيحيين، ومشكلتها مع عون أنه في السياسة يقف في صف العهد، الذي لن يخرج من القصر بعد خمس سنوات من دون تشكيل حزب أو تيار سياسي جديد.
تأثير ساكن قصر بعبدا
في الأثناء، لم يعرف موقف القصر الجمهوري بعد من الانتخابات، وكيف سيتعامل مع العونيين الخارجين أو المطرودين من “التيار”. فهذا الأمر يحسم أقله هوية المقعد الماروني الثالث، كي لا يقال هوية مقعدين. فمن المعروف أن ميول الناخب في بعبدا تكون على نحوٍ عام إلى جانب الدولة والجيش المتمثلين بساكن القصر . والعلاقة بين عون الرئيس وعون النائب جيّدة، أو هو ينتدبه لتمثيله في مناسبات رسمية عدّة. كما أن بعض المستشارين في القصر هم من المقربين من آلان عون. وهذا تفهمه الماكينة الانتخابية لعون بمنزلة فتح الأبواب له لتلقي الدعم الكفيل بالفوز.
شق صفوف التغييريين
الدعاية الانتخابية للقوات في دائرة بعبدا تقوم على خرق حصون الثنائي الشيعي. وهي تتفاوض مع المعارضة والتغييريين على هذه القاعدة. وفي حال رفضت المعارضة المقايضات، فإنّ القوات ستحمّلها مسؤولية خسارة هذه المعركة التي تدغدغ مشاعر شطر كبير من اللبنانيين. فهمّ القوات اللبنانية، كما يقول معارضون، هو شقّ صفوف التغييريين والمعارضة لتصبح أصواتهم بلا فاعلية من ناحية، ولتعميق حالة اللّاثقة بهم. وعليه تستفيد القوات من الأصوات المترددة، ما دامت هي الحزب الأقوى في لبنان، وشطر كبير من الناخبين يصوّتون عادة للأقوى.
وتلفت مصادر متابعة إلى أن القوات تمارس ضغوطاً على التغييريين بحجة الخرق بمقعد شيعي. وهي استراتيجية تمارس في مختلف الدوائر التي فيها مقاعد شيعية. وفي بعبدا، ثمة ضغوط لفصل الكتلة الوطنية عن المرشحين واصف الحركة وزياد عقل. حتى أنه جرى طرح اسم مرشح شيعي من آل أخوي بديلاً عن الحركة، الذي نال أعلى الأصوات كمرشح شيعي بعد النائب فادي علامة.
