مهلة الـ60 تبخّرت… استعدوا للحرب!

مهلة الـ60 تبخّرت… استعدوا للحرب!

الكاتب: طوني عيسى | المصدر: هنا لبنان
27 تشرين الثاني 2025

نتنياهو يدرك أساساً أنّ “الحزب” لن يتخلى عن سلاحه وأنّ الدولة اللبنانية ستعجز عن إقناعه بذلك أو عن نزع هذا السلاح بالقوة. ولذلك، هو وأركان حكومته والجيش بدأوا يجهزون للخطوات المقبلة، وهي تتلخّص بإطلاق دينامية قتالية إسرائيلية جديدة في لبنان، هي في الواقع أكبر من التصعيد الروتيني السائد منذ عام، لكنها أصغر من الحرب المفتوحة

 

لا أحد يفهم حتى الآن لغز الانهيارات التي تصيب بعض الأشخاص والجماعات والدول والجيوش والأنظمة الشمولية. ففي الكثير من الأحيان، تكون الصورة واضحة تماماً في عيون هؤلاء، لكنهم على رغم ذلك يختارون الانتحار على التسوية، ولو كانت عادلة ومنطقية. ولكن، بات جلياً أنّ الكيانات التي نشأت على منطق القوة والسلطة غير الشرعية والانغلاق، تضطر إلى خسارة كل نفوذها دفعة واحدة، لكنها لا ترضى بتسوية تخسر فيها جزءاً من هذا النفوذ. هذا تماماً ما جرى مع أنظمة عربية وإقليمية سقطت في العقدين الأخيرين، آخرها بشار الأسد في سوريا. وهذا ما يدور اليوم مع “حزب الله” و”حماس” والنظام في طهران نفسها.

في 7 تشرين الأول 2023، عندما نفذت “حماس” عمليتها الشهيرة، التي فتحت الباب لتغيير الشرق الأوسط، وواكبها “حزب الله” من حدود لبنان بما سماه حرب المساندة، كان الغوغائيون يهلّلون، ولكن، لم يكن لدى العقلاء أدنى شك في العواقب. فقد توقعوا أن ينتهي الأمر بسحق “حماس” و”الحزب” ودمار غزة والجنوب، ما يتيح الفرصة لتعملُق إسرائيل إقليمياً. وهذا ما تحقّق جزئياً بعد عامين، والأرجح أنه على طريق التحقّق كلياً بعد فترة، لأنّ قراءة المعطيات السياسية والعسكرية والاقتصادية في شكل بارد وموضوعي تقود إلى هذا الاستنتاج.

وبالتأكيد، من مصلحة إسرائيل أن يواصل “حزب الله” إعلان رفضه تسليم السلاح، خلافاً لما تعهّد به في اتفاق وقف النار الذي مضى عليه اليوم عام كامل، لأنّ ذلك يمنحها الحجة التي تحتاج إليها لتقول للعرب والعالم، وللحليف الأميركي خصوصاً: سأمارس حقي المشروع في الدفاع عن النفس، حتى يتحقّق ذلك تماماً.

المعلومات المتوافرة في هذا الشأن هي الآتية: حظيت إسرائيل بدعم من واشنطن، وبتأييد من دول اللجنة الخماسية، لتستكمل ضرباتها ضدّ حزب الله في لبنان، إذا لم تستطع الحكومة اللبنانية إقناعه بتسليم سلاحه بالكامل. ولهذا السبب، على لبنان أن يفهم سريعاً مسألتين خطرتين:

1- أنّ الحراك الفرنسي والمصري والسعودي يتوافق مع الفهم الإسرائيلي لمسألة السلاح، ولا حل وسطاً في هذا الشأن. فمصر تريد نزع سلاح “الحزب” ضمن مبادرة في لبنان كما أرادت نزع سلاح “حماس” ضمن مبادرتها المعروفة في غزة.

2- أنّ الولايات المتحدة، عندما أعلنت عبر موفديها الديبلوماسيين والأمنيين والماليين إلى بيروت أنّ أمام لبنان و”حزب الله” مهلة 60 يوماً للوفاء بالالتزامات، إنما تعبّر فعلاً عن مهلة زمنية محددة ومحدودة. وبعدها ستمنح إسرائيل ضوءاً أخضر للتصرف كما تريد، بعدما كانت حتى اليوم تبذل الجهود لفرملة أي جموح إسرائيلي، التزاماً منها بإعطاء الفرصة للحكم والحكومة اللبنانيين لكي يلتزما بتعهداتهما وينزعا سلاح “الحزب”، سواء في جنوب الليطاني أو في شماله.

ما يجدر باللبنانيين أن يعرفوه اليوم هو أنّ مهلة الـ60 يوماً هذه تنتهي مع نهاية العام الجاري. وأساساً كان لبنان قد تعهّد بنزع سلاح “الحزب” قبل نهاية العام، قبل أن ينحرف بتفسير التعهّد لتصبح المهلة محصورة بجنوب الليطاني فقط، فيما شماله متروك للقدر. وهذا الأمر لم يرق لا للأميركيين ولا حتى للوسطاء الأوروبيين والعرب لأنه أظهر تراجعاً جذرياً عن الالتزام المقطوع.

لذلك، يبدو اليوم بنيامين نتنياهو مرتاحاً في الانطلاق نحو مرحلة ما بعد انتهاء المهلة الأميركية. وقد ظهر ذلك بتوسيع رقعة الضربات الإسرائيلية وتصعيدها، فشملت إضافة إلى المراكز والمقاتلين في الجنوب والبقاع، رئيس أركان “الحزب” في قلب الضاحية الجنوبية لبيروت. وأكد هذا الاتجاه أمس وزير الدفاع الإسرائيلي يسرائيل كاتس الذي حدد نهاية العام الجاري موعداً لإطلاق اليد في لبنان. وهذه المعطيات كافية لإيضاح ما سيقود إليه التصعيد في الأسابيع والأشهر المقبلة. فنتنياهو يدرك أساساً أنّ “الحزب” لن يتخلى عن سلاحه وأنّ الدولة اللبنانية ستعجز عن إقناعه بذلك أو عن نزع هذا السلاح بالقوة. ولذلك، هو وأركان حكومته والجيش بدأوا يجهزون للخطوات المقبلة، وهي تتلخّص بإطلاق دينامية قتالية إسرائيلية جديدة في لبنان، هي في الواقع أكبر من التصعيد الروتيني السائد منذ عام، لكنها أصغر من الحرب المفتوحة.

ما ينتظر لبنان، بعد انتهاء مهلة الـ60 يوماً، هو “الحرب الصاعقة”، أي تلك التي تتمثل بـ”أيام قتالية عاصفة”، تليها استراحات دبلوماسية. فإذا لم تنجح هذه الاستراحات في تحقيق النتائج، تندلع أيام قتالية جديدة أخرى، فائقة الشراسة. ويجدر التذكير هنا بما نقل عن وزير خارجية مصر بدر عبد العاطي خلال عشاء الثلاثاء في بيروت، ومفاده أنّ الحرب الجديدة التي ستطلقها إسرائيل لن تقتصر على الضربات الجوية. وهذا تلميح واضح إلى أنّ أعمالاً برية إسرائيلية يجب أخذها في الحسبان.

هذه هي الصورة المتوقعة في لبنان- على فجاجتها- خلال الأسابيع والأشهر المقبلة. والمأزق يكمن في أنّ الذين يُمعنون في استدراج البلد وأهله إلى الكارثة الجديدة لا يمتلكون حداً أدنى من الحرية أو القدرة على التصرف قبل أن يفوت الأوان، وقبل أن تصبح محاولات الإنقاذ مستحيلة.