انفتاح اجتماعي وقمع سياسي في إيران… حفاظاً على النظام المتزعزع

المصدر: واشنطن بوست
28 كانون الأول 2025

بينما تبدو شوارع طهران أكثر انفتاحاً مع تراجع تطبيق بعض القيود الاجتماعية، يواجه الإيرانيون واقعاً مغايراً من القمع السياسي المتصاعد. فالتسامح المحدود مع الحريات الفردية يتزامن مع حملة أمنية قاسية تهدف إلى احتواء الغضب الشعبي وحماية نظام يرزح تحت وطأة الأزمات والحرب والعقوبات.

في شوارع طهران، تصدح الموسيقى الحية وتتخلى النساء عن الحجاب الإلزامي، ويرقص الشباب في المقاهي، حيث تسمح السلطات بدرجة من الحرية الاجتماعية لم تشهدها البلاد منذ الثورة الإسلامية عام 1979.

لكن في الوقت نفسه، تشن الحكومة حملة واسعة النطاق على المعارضين، وقد أعدمت هذا العام عدداً من الأشخاص يفوق ما أعدمته خلال قرابة أربعة عقود.

وبحسب تقرير لصحيفة “واشنطن بوست”، لكلا الإجراءين الهدف نفسه: الحفاظ على نظام لا يزال متزعزعاً بسبب الحرب التي دامت 12 يوماً مع إسرائيل الصيف الماضي، وبسبب العقوبات التي أدت إلى تدهور الاقتصاد.

وقالت العضو السابقة في البرلمان الإيراني التي تعيش الآن في المنفى في الولايات المتحدة فاطمة حقيقتجو: “للنظام هدف واحد، وهو التأكد من عدم وجود أي تحرك جماعي أو انتفاضة. إنهم يخشون أن يؤدي فرض الحجاب إلى اندلاع انتفاضة أخرى، لقد قرروا أنهم لا يستطيعون محاربة الناس في كل زاوية”.

كشفت حرب حزيران/يونيو مع إسرائيل عن عجز إيران الدفاع عن سكانها من الهجمات، فضلاً عن فشل أجهزتها الاستخباراتية في منع تغلغل الجواسيس الإسرائيليين. أدى هذا الكشف إلى تصاعد السخط على الحكومة التي تتعرض بالفعل لانتقادات بسبب أدائها الاقتصادي الضعيف وقواعدها الأخلاقية الصارمة المكروهة.
يقول محللون ونشطاء إن النظام، بتسامحه مع الحريات الاجتماعية، يمنح الإيرانيين تنازلات لا تهدد بقاءه. لكنه لا يسمح بالتعبئة السياسية، بل يستخدم القمع ضد المعارضة السياسية لزرع الخوف.

ارتفع عدد الإعدامات التي نفذت في إيران إلى مستويات لم تشهدها البلاد منذ عقود. ووفقاً للبيانات التي جمعها مركز عبد الرحمن بوروماند، وهو منظمة حقوقية مقرها واشنطن توثق انتهاكات حقوق الإنسان في إيران، فقد أُعدم أكثر من 1,870 شخصاً في إيران حتى الآن هذا العام، أي ما يقارب ضعف العدد الذي أُعدم العام الماضي. وقد أُعدم أكثر من 490 شخصاً منذ بداية تشرين الثاني/نوفمبر وحده، متجاوزاً إجمال عدد الإعدامات في عام 2021 بأكمله.

في وقت سابق من هذا الشهر، تم اعتقال نرجس محمدي، الحائزة على جائزة نوبل للسلام والناشطة في مجال حقوق الإنسان، مع حوالى 40 ناشطاً، خلال حفل تأبين في مدينة مشهد لمحامٍ يقول الناشطون إنه قُتل. وفقاً لعائلتها، كانت محمدي قد حشدت الحشد للاحتجاج في هذا الحدث. كانت قد أُفرج عنها موقتاً لأسباب طبية، إذ كانت تقضي في السجن عقوبة طويلة بتهمة القيام بأنشطة دعائية. تقول عائلتها إنها تعرضت للضرب المبرح أثناء احتجازها لدرجة أنها اضطرت لتلقي رعاية طبية طارئة. ولا تزال محتجزة لدى السلطات.

في غضون ذلك، تواجه إيران أيضاً مجموعة من الأزمات الداخلية الأخرى. تعاني طهران من نقص في المياه، وتنتشر حالات نقص الطاقة الكهربائية، وتواجه البلاد أزمة اقتصادية ناجمة عن التضخم المرتفع للغاية، والعقوبات الدولية، وانهيار قيمة العملة المحلية في مقابل الدولار الأميركي.

ودعا الرئيس الإيراني مسعود بزشكيان إلى اتباع نهج ليَن حيال أولئك الذين يتحدون القواعد الأخلاقية للبلاد في الوقت الحالي. وقال في وقت سابق من هذا الشهر، في إشارة إلى إسرائيل: “لا ينبغي أن نفرض قيوداً غير ضرورية أو نضغط على الناس. أي شيء يغذي استياء الجمهور يساعد في الواقع النظام الصهيوني. نحن نعارض بشدة المخالفات الاجتماعية، ولكن السؤال هو كيف يجب معالجتها؟”.

تعد القيود الاجتماعية، ولا سيما منها قواعد اللباس الإسلامي للمرأة، نقطة اشتعال سياسية منذ الثورة الإسلامية عام 1979. اندلعت الاحتجاجات الجماهيرية التي هزت البلاد في عام 2022 بعد وفاة مهسا أميني، وهي شابة كانت قد اعتقلتها شرطة الآداب في البلاد لانتهاكها قواعد اللباس التي تفرض على النساء ارتداء الحجاب واللباس المحتشم في الأماكن العامة. ردت آلاف النساء بخلع حجابهن في عمل جماعي من أعمال التحدي.

تم قمع الاحتجاجات، وقتل أكثر من 500 شخص. منذ ذلك الحين، غالباً ما تغض السلطات الطرف عن النساء اللواتي يتخلصن من الحجاب الإسلامي. اليوم، اختفت شرطة الآداب – بشاحناتها الخضراء والبيضاء – إلى حد كبير من شوارع العاصمة الإيرانية. في حين أن أعداداً كبيرة من النساء يخلعن الحجاب، فإن قلة منهن يتعرضن للمشاكل بسبب ذلك.

تراجعت وتقلبت سياسة الحكومة في فرض القيود الاجتماعية مدى عقود استجابةً للمزاج السياسي. لكن لم يسبق أن كان هذا العدد الكبير من الإيرانيين على استعداد لانتهاك القواعد الاجتماعية للجمهورية الإسلامية في الوقت نفسه، كما يقول السكان والمحللون.

أدى كيوان حسيني، وهو إيراني يسجل موسيقى إلكترونية تحت اسم “Tame Werewolf”،  أول حفل موسيقي علني له في مقهى أمام حشد كبير من الجمهور. وقال: “كانت الأجواء مفتوحة وحيوية. حتى اللحظات الصغيرة مثل هذه تحمل الكثير من المعاني”.

لا يحب الحكام الإسلاميون في إيران التغييرات التي تحدث في الشوارع، ولم يحدث أي تغيير رسمي في قوانين البلاد. ولكن حتى مع تسامح السلطات إلى حد كبير مع هذه الأعمال من التحدي الاجتماعي لتجنب الاضطرابات العامة، هناك حدود لما تسمح به.

حضر حشد من الناس في تشرين الثاني/نوفمبر سلسلة من الفعاليات الثقافية التي استضافتها جامعة طهران وأماكن أخرى في إطار أسبوع طهران للتصميم. اختلط الشباب والشابات بحرية، وتفحصوا أعمال الفن المعاصر والتصميمات بينما كانت فرقة موسيقية تعزف موسيقى حية في الخلفية.

أشادت مجموعة من النشطاء تسمى “الطلاب التقدميون” في منشور على “اكس” بالحدث باعتباره “رمزاً لتحرير الشعب والشباب من هيمنة القوى الثقافية والاجتماعية المتخلفة”.

أثار العرض غضب المحافظين الدينيين وتم إغلاق المبادرة قبل أيام من الموعد المقرر. كما ألغت السلطات اليومين الأخيرين من مهرجان الجاز الذي استمر خمسة أيام في طهران الشهر الماضي.

بعد مشاركة آلاف النساء في ماراثون في جزيرة كيش الجنوبية في أوائل كانون الاول/ديسمبر، العديد منهن من دون حجاب ويرتدين ملابس رياضية ضيقة، تم اعتقال اثنين من المنظمين.

قال فنان في الثلاثينات من عمره مقيم في طهران إنه على رغم أن الناس لاحظوا تخفيف القيود الاجتماعية، إلا أنهم يدركون أن ذلك جزء من استراتيجية الحكومة لتهدئة الأوضاع.

انفتاح اجتماعي وقمع سياسي في إيران… حفاظاً على النظام المتزعزع

المصدر: واشنطن بوست
28 كانون الأول 2025

بينما تبدو شوارع طهران أكثر انفتاحاً مع تراجع تطبيق بعض القيود الاجتماعية، يواجه الإيرانيون واقعاً مغايراً من القمع السياسي المتصاعد. فالتسامح المحدود مع الحريات الفردية يتزامن مع حملة أمنية قاسية تهدف إلى احتواء الغضب الشعبي وحماية نظام يرزح تحت وطأة الأزمات والحرب والعقوبات.

في شوارع طهران، تصدح الموسيقى الحية وتتخلى النساء عن الحجاب الإلزامي، ويرقص الشباب في المقاهي، حيث تسمح السلطات بدرجة من الحرية الاجتماعية لم تشهدها البلاد منذ الثورة الإسلامية عام 1979.

لكن في الوقت نفسه، تشن الحكومة حملة واسعة النطاق على المعارضين، وقد أعدمت هذا العام عدداً من الأشخاص يفوق ما أعدمته خلال قرابة أربعة عقود.

وبحسب تقرير لصحيفة “واشنطن بوست”، لكلا الإجراءين الهدف نفسه: الحفاظ على نظام لا يزال متزعزعاً بسبب الحرب التي دامت 12 يوماً مع إسرائيل الصيف الماضي، وبسبب العقوبات التي أدت إلى تدهور الاقتصاد.

وقالت العضو السابقة في البرلمان الإيراني التي تعيش الآن في المنفى في الولايات المتحدة فاطمة حقيقتجو: “للنظام هدف واحد، وهو التأكد من عدم وجود أي تحرك جماعي أو انتفاضة. إنهم يخشون أن يؤدي فرض الحجاب إلى اندلاع انتفاضة أخرى، لقد قرروا أنهم لا يستطيعون محاربة الناس في كل زاوية”.

كشفت حرب حزيران/يونيو مع إسرائيل عن عجز إيران الدفاع عن سكانها من الهجمات، فضلاً عن فشل أجهزتها الاستخباراتية في منع تغلغل الجواسيس الإسرائيليين. أدى هذا الكشف إلى تصاعد السخط على الحكومة التي تتعرض بالفعل لانتقادات بسبب أدائها الاقتصادي الضعيف وقواعدها الأخلاقية الصارمة المكروهة.
يقول محللون ونشطاء إن النظام، بتسامحه مع الحريات الاجتماعية، يمنح الإيرانيين تنازلات لا تهدد بقاءه. لكنه لا يسمح بالتعبئة السياسية، بل يستخدم القمع ضد المعارضة السياسية لزرع الخوف.

ارتفع عدد الإعدامات التي نفذت في إيران إلى مستويات لم تشهدها البلاد منذ عقود. ووفقاً للبيانات التي جمعها مركز عبد الرحمن بوروماند، وهو منظمة حقوقية مقرها واشنطن توثق انتهاكات حقوق الإنسان في إيران، فقد أُعدم أكثر من 1,870 شخصاً في إيران حتى الآن هذا العام، أي ما يقارب ضعف العدد الذي أُعدم العام الماضي. وقد أُعدم أكثر من 490 شخصاً منذ بداية تشرين الثاني/نوفمبر وحده، متجاوزاً إجمال عدد الإعدامات في عام 2021 بأكمله.

في وقت سابق من هذا الشهر، تم اعتقال نرجس محمدي، الحائزة على جائزة نوبل للسلام والناشطة في مجال حقوق الإنسان، مع حوالى 40 ناشطاً، خلال حفل تأبين في مدينة مشهد لمحامٍ يقول الناشطون إنه قُتل. وفقاً لعائلتها، كانت محمدي قد حشدت الحشد للاحتجاج في هذا الحدث. كانت قد أُفرج عنها موقتاً لأسباب طبية، إذ كانت تقضي في السجن عقوبة طويلة بتهمة القيام بأنشطة دعائية. تقول عائلتها إنها تعرضت للضرب المبرح أثناء احتجازها لدرجة أنها اضطرت لتلقي رعاية طبية طارئة. ولا تزال محتجزة لدى السلطات.

في غضون ذلك، تواجه إيران أيضاً مجموعة من الأزمات الداخلية الأخرى. تعاني طهران من نقص في المياه، وتنتشر حالات نقص الطاقة الكهربائية، وتواجه البلاد أزمة اقتصادية ناجمة عن التضخم المرتفع للغاية، والعقوبات الدولية، وانهيار قيمة العملة المحلية في مقابل الدولار الأميركي.

ودعا الرئيس الإيراني مسعود بزشكيان إلى اتباع نهج ليَن حيال أولئك الذين يتحدون القواعد الأخلاقية للبلاد في الوقت الحالي. وقال في وقت سابق من هذا الشهر، في إشارة إلى إسرائيل: “لا ينبغي أن نفرض قيوداً غير ضرورية أو نضغط على الناس. أي شيء يغذي استياء الجمهور يساعد في الواقع النظام الصهيوني. نحن نعارض بشدة المخالفات الاجتماعية، ولكن السؤال هو كيف يجب معالجتها؟”.

تعد القيود الاجتماعية، ولا سيما منها قواعد اللباس الإسلامي للمرأة، نقطة اشتعال سياسية منذ الثورة الإسلامية عام 1979. اندلعت الاحتجاجات الجماهيرية التي هزت البلاد في عام 2022 بعد وفاة مهسا أميني، وهي شابة كانت قد اعتقلتها شرطة الآداب في البلاد لانتهاكها قواعد اللباس التي تفرض على النساء ارتداء الحجاب واللباس المحتشم في الأماكن العامة. ردت آلاف النساء بخلع حجابهن في عمل جماعي من أعمال التحدي.

تم قمع الاحتجاجات، وقتل أكثر من 500 شخص. منذ ذلك الحين، غالباً ما تغض السلطات الطرف عن النساء اللواتي يتخلصن من الحجاب الإسلامي. اليوم، اختفت شرطة الآداب – بشاحناتها الخضراء والبيضاء – إلى حد كبير من شوارع العاصمة الإيرانية. في حين أن أعداداً كبيرة من النساء يخلعن الحجاب، فإن قلة منهن يتعرضن للمشاكل بسبب ذلك.

تراجعت وتقلبت سياسة الحكومة في فرض القيود الاجتماعية مدى عقود استجابةً للمزاج السياسي. لكن لم يسبق أن كان هذا العدد الكبير من الإيرانيين على استعداد لانتهاك القواعد الاجتماعية للجمهورية الإسلامية في الوقت نفسه، كما يقول السكان والمحللون.

أدى كيوان حسيني، وهو إيراني يسجل موسيقى إلكترونية تحت اسم “Tame Werewolf”،  أول حفل موسيقي علني له في مقهى أمام حشد كبير من الجمهور. وقال: “كانت الأجواء مفتوحة وحيوية. حتى اللحظات الصغيرة مثل هذه تحمل الكثير من المعاني”.

لا يحب الحكام الإسلاميون في إيران التغييرات التي تحدث في الشوارع، ولم يحدث أي تغيير رسمي في قوانين البلاد. ولكن حتى مع تسامح السلطات إلى حد كبير مع هذه الأعمال من التحدي الاجتماعي لتجنب الاضطرابات العامة، هناك حدود لما تسمح به.

حضر حشد من الناس في تشرين الثاني/نوفمبر سلسلة من الفعاليات الثقافية التي استضافتها جامعة طهران وأماكن أخرى في إطار أسبوع طهران للتصميم. اختلط الشباب والشابات بحرية، وتفحصوا أعمال الفن المعاصر والتصميمات بينما كانت فرقة موسيقية تعزف موسيقى حية في الخلفية.

أشادت مجموعة من النشطاء تسمى “الطلاب التقدميون” في منشور على “اكس” بالحدث باعتباره “رمزاً لتحرير الشعب والشباب من هيمنة القوى الثقافية والاجتماعية المتخلفة”.

أثار العرض غضب المحافظين الدينيين وتم إغلاق المبادرة قبل أيام من الموعد المقرر. كما ألغت السلطات اليومين الأخيرين من مهرجان الجاز الذي استمر خمسة أيام في طهران الشهر الماضي.

بعد مشاركة آلاف النساء في ماراثون في جزيرة كيش الجنوبية في أوائل كانون الاول/ديسمبر، العديد منهن من دون حجاب ويرتدين ملابس رياضية ضيقة، تم اعتقال اثنين من المنظمين.

قال فنان في الثلاثينات من عمره مقيم في طهران إنه على رغم أن الناس لاحظوا تخفيف القيود الاجتماعية، إلا أنهم يدركون أن ذلك جزء من استراتيجية الحكومة لتهدئة الأوضاع.

مزيد من الأخبار

مزيد من الأخبار