بعد الاتصالات ديوان المحاسبة يفتح أخطر الملفات: أدوية السرطان والمستلزمات الطبية في مستشفى الحريري

الكاتب: سلوى بعلبكي | المصدر: النهار
22 كانون الأول 2025

شكل صدور قرارين متتاليين عن ديوان المحاسبة، محطة مفصلية في مسار الرقابة القضائية على المال العام، سواء لجهة تكريس صلاحيات الديوان في ملاحقة مسؤولين من الصف الأول، أو لجهة إعادة فتح أحد أخطر الملفات الصحية التي مست حياة المرضى وحقوقهم الأساسية. القرار الأول المتعلق بتغريم عدد من وزراء الاتصالات السابقين وإلزامهم رد مبالغ كبيرة إلى الخزينة، أشار إلى تحول نوعي في أداء الديوان، لكن القرار الثاني المتصل بملف تهريب أدوية السرطان واستخدام مستلزمات طبية منتهية الصلاحية في مستشفى رفيق الحريري الحكومي الجامعي، حمل أبعادا إنسانية وقانونية أشد خطورة، كاشفا حجم الخلل في إدارة أحد أكثر القطاعات حساسية.


القراران صدرا عن ديوان المحاسبة في إطار ممارسته رقابته القضائية، وعكسا نهجا جديدا يقوم على الانتقال من توصيف المخالفات إلى فرض العقوبات المباشرة، سواء في حق وزراء سابقين أو أطباء وموظفين إداريين، مع تحميلهم مسؤوليات مالية واضحة. وفي حين كان لملف الاتصالات بعده السياسي والمالي، فإن ملف أدوية السرطان أضاء على وجه آخر من الهدر والفساد، يرتبط بصحة المرضى وبأموال مخصصة لعلاجهم.

القرار القضائي المتعلق بملف أدوية السرطان صدر عن الغرفة الثانية في الديوان، برئاسة القاضي عبد الرضى ناصر وعضوية المستشارين إيلي معلوف وعبد الله الفتات، بعد الاطلاع على ملف القضية ومطالعة النيابة العامة لدى الديوان وتقرير الرئيس المقرر. ويعود أصل الملف إلى عام 2019، حين أصدر الديوان القرار القضائي الموقت الرقم 37/ر.ق، القاضي بوقف الملاحقة نهائيا عن الممرضة زينة كرم لانتفاء المخالفة، وبطلب تقديم الدفاع من الممرضة إليسار صبحي حمود والدكتور حسن خليفة.

التحقيقات التي أجراها التفتيش المركزي في مستشفى رفيق الحريري الحكومي الجامعي، ولاسيما في قسم العلاج الكيميائي النهاري، كشفت سلسلة ممارسات خطِرة، أبرزها تهريب أدوية سرطانية تعود إلى مرضى حصلوا عليها مجانا من وزارة الصحة العامة، واستخدامها خارج المستشفى لأغراض خاصة، إضافة إلى تقاضي مبالغ مالية من ذوي المرضى من دون أي مسوغ قانوني.

وثبت ديوان المحاسبة أن الممرضة حمود هرّبت أدوية سرطانية ونقلتها إلى خارج المستشفى وسلمتها إلى الدكتور حسن خليفة لاستعمالها في عيادته الخاصة، إضافة إلى بيع بعض الأدوية وحقن Huber needles، والتلاعب بالجرعات وعدم إعادة الأدوية الفائضة إلى أصحابها.

واعتبر أن هذه الأفعال تشكل اختلاسا وهدرا للمال العام، وأن الدكتور خليفة كان المستفيد الأساسي منها، سواء عبر استخدام الأدوية المهربة أو عبر تقاضي مبالغ مالية من دون مسوغ قانوني.

وبناء عليه، فرض الديوان غرامات قصوى وسندات تحصيل بقيمة 744,087,500 ليرة لبنانية في حق كل من حمود وخليفة. فقضى بتغريم الممرضة حمود الحد الأقصى للمادة 60، إضافة إلى غرامة تعادل راتبها غير الصافي عن 12 شهرا، فيما غرّم خليفة الحد الأقصى للمادتين 60 و61، رغم عدم تقدمه بأي دفاع.

مسؤوليات إدارية قيد المتابعة
لم يتوقف القرار عند هذا الحد، بل توسع ليشمل مسؤوليات إدارية أوسع، إذ حمّل رئيسة قسم المشتريات ريموندا مساعد، ورئيسة دائرة إدارة المواد سعاد مطر، والممرضة زينة كرم، مسؤوليات تتعلق بشراء مستلزمات طبية وتخزينها بكميات تفوق الحاجة، وبعضها اقترب من انتهاء الصلاحية أو انتهت فعلا، خلافاً لدفاتر الشروط التي تفرض على الموردين استبدال هذه المواد مجانا. ولاحظ الديوان أن “إعادة تعقيم المستلزمات المنتهية الصلاحية ممارسة غير مقبولة لما تنطوي عليه من أخطار صحية وكلفة مالية إضافية”.

دور الصيدلية
غير أن أخطر ما ورد في القرار يتصل بدور منى بعلبكي، رئيسة قسم الصيدلة في المستشفى خلال الفترة التي حصلت فيها المخالفات. فالديوان توقف عند مسألة النقص في جردات أدوية السرطان، والتي لا يمكن تفسيرها فقط بتهريب من قسم العلاج النهاري، بل تفترض خللا أو تقصيرا جسيما داخل الصيدلية نفسها.

أشار إلى أن حمود ألقت في دفاعها مسؤولية اختلاف الجردات على عاتق بعلبكي، وهو ما عززته إفادات داخل الملف، ولا سيما إفادة الممرضة ماريانا خرام التي قامت بجردة رسمية عام 2013 كشفت نقصا فادحا في أدوية مودعة لدى الصيدلية، من بينها 16 حقنة Neutromax و775 حقنة Methotrexate.

ورأى ديوان المحاسبة أن “هذه الوقائع تشكل مخالفة محتملة خطِرة لقواعد إدارة الأموال العمومية واستعمالها، وتقع تحت طائلة المادتين 60 و61″، لكنه قرر، “حرصا على حق الدفاع، عدم إصدار حكم نهائي في حق بعلبكي في هذه المرحلة”، وطلب منها تقديم دفاعها خلال مهلة 30 يوما، مؤكدا أن ملف الصيدلية لا يزال مفتوحا.

بعد الاتصالات ديوان المحاسبة يفتح أخطر الملفات: أدوية السرطان والمستلزمات الطبية في مستشفى الحريري

الكاتب: سلوى بعلبكي | المصدر: النهار
22 كانون الأول 2025

شكل صدور قرارين متتاليين عن ديوان المحاسبة، محطة مفصلية في مسار الرقابة القضائية على المال العام، سواء لجهة تكريس صلاحيات الديوان في ملاحقة مسؤولين من الصف الأول، أو لجهة إعادة فتح أحد أخطر الملفات الصحية التي مست حياة المرضى وحقوقهم الأساسية. القرار الأول المتعلق بتغريم عدد من وزراء الاتصالات السابقين وإلزامهم رد مبالغ كبيرة إلى الخزينة، أشار إلى تحول نوعي في أداء الديوان، لكن القرار الثاني المتصل بملف تهريب أدوية السرطان واستخدام مستلزمات طبية منتهية الصلاحية في مستشفى رفيق الحريري الحكومي الجامعي، حمل أبعادا إنسانية وقانونية أشد خطورة، كاشفا حجم الخلل في إدارة أحد أكثر القطاعات حساسية.


القراران صدرا عن ديوان المحاسبة في إطار ممارسته رقابته القضائية، وعكسا نهجا جديدا يقوم على الانتقال من توصيف المخالفات إلى فرض العقوبات المباشرة، سواء في حق وزراء سابقين أو أطباء وموظفين إداريين، مع تحميلهم مسؤوليات مالية واضحة. وفي حين كان لملف الاتصالات بعده السياسي والمالي، فإن ملف أدوية السرطان أضاء على وجه آخر من الهدر والفساد، يرتبط بصحة المرضى وبأموال مخصصة لعلاجهم.

القرار القضائي المتعلق بملف أدوية السرطان صدر عن الغرفة الثانية في الديوان، برئاسة القاضي عبد الرضى ناصر وعضوية المستشارين إيلي معلوف وعبد الله الفتات، بعد الاطلاع على ملف القضية ومطالعة النيابة العامة لدى الديوان وتقرير الرئيس المقرر. ويعود أصل الملف إلى عام 2019، حين أصدر الديوان القرار القضائي الموقت الرقم 37/ر.ق، القاضي بوقف الملاحقة نهائيا عن الممرضة زينة كرم لانتفاء المخالفة، وبطلب تقديم الدفاع من الممرضة إليسار صبحي حمود والدكتور حسن خليفة.

التحقيقات التي أجراها التفتيش المركزي في مستشفى رفيق الحريري الحكومي الجامعي، ولاسيما في قسم العلاج الكيميائي النهاري، كشفت سلسلة ممارسات خطِرة، أبرزها تهريب أدوية سرطانية تعود إلى مرضى حصلوا عليها مجانا من وزارة الصحة العامة، واستخدامها خارج المستشفى لأغراض خاصة، إضافة إلى تقاضي مبالغ مالية من ذوي المرضى من دون أي مسوغ قانوني.

وثبت ديوان المحاسبة أن الممرضة حمود هرّبت أدوية سرطانية ونقلتها إلى خارج المستشفى وسلمتها إلى الدكتور حسن خليفة لاستعمالها في عيادته الخاصة، إضافة إلى بيع بعض الأدوية وحقن Huber needles، والتلاعب بالجرعات وعدم إعادة الأدوية الفائضة إلى أصحابها.

واعتبر أن هذه الأفعال تشكل اختلاسا وهدرا للمال العام، وأن الدكتور خليفة كان المستفيد الأساسي منها، سواء عبر استخدام الأدوية المهربة أو عبر تقاضي مبالغ مالية من دون مسوغ قانوني.

وبناء عليه، فرض الديوان غرامات قصوى وسندات تحصيل بقيمة 744,087,500 ليرة لبنانية في حق كل من حمود وخليفة. فقضى بتغريم الممرضة حمود الحد الأقصى للمادة 60، إضافة إلى غرامة تعادل راتبها غير الصافي عن 12 شهرا، فيما غرّم خليفة الحد الأقصى للمادتين 60 و61، رغم عدم تقدمه بأي دفاع.

مسؤوليات إدارية قيد المتابعة
لم يتوقف القرار عند هذا الحد، بل توسع ليشمل مسؤوليات إدارية أوسع، إذ حمّل رئيسة قسم المشتريات ريموندا مساعد، ورئيسة دائرة إدارة المواد سعاد مطر، والممرضة زينة كرم، مسؤوليات تتعلق بشراء مستلزمات طبية وتخزينها بكميات تفوق الحاجة، وبعضها اقترب من انتهاء الصلاحية أو انتهت فعلا، خلافاً لدفاتر الشروط التي تفرض على الموردين استبدال هذه المواد مجانا. ولاحظ الديوان أن “إعادة تعقيم المستلزمات المنتهية الصلاحية ممارسة غير مقبولة لما تنطوي عليه من أخطار صحية وكلفة مالية إضافية”.

دور الصيدلية
غير أن أخطر ما ورد في القرار يتصل بدور منى بعلبكي، رئيسة قسم الصيدلة في المستشفى خلال الفترة التي حصلت فيها المخالفات. فالديوان توقف عند مسألة النقص في جردات أدوية السرطان، والتي لا يمكن تفسيرها فقط بتهريب من قسم العلاج النهاري، بل تفترض خللا أو تقصيرا جسيما داخل الصيدلية نفسها.

أشار إلى أن حمود ألقت في دفاعها مسؤولية اختلاف الجردات على عاتق بعلبكي، وهو ما عززته إفادات داخل الملف، ولا سيما إفادة الممرضة ماريانا خرام التي قامت بجردة رسمية عام 2013 كشفت نقصا فادحا في أدوية مودعة لدى الصيدلية، من بينها 16 حقنة Neutromax و775 حقنة Methotrexate.

ورأى ديوان المحاسبة أن “هذه الوقائع تشكل مخالفة محتملة خطِرة لقواعد إدارة الأموال العمومية واستعمالها، وتقع تحت طائلة المادتين 60 و61″، لكنه قرر، “حرصا على حق الدفاع، عدم إصدار حكم نهائي في حق بعلبكي في هذه المرحلة”، وطلب منها تقديم دفاعها خلال مهلة 30 يوما، مؤكدا أن ملف الصيدلية لا يزال مفتوحا.

مزيد من الأخبار

مزيد من الأخبار