عدليّة تحت الاختبار: استقلاليّة مبتورة ومواجهة مؤجّلة

كسرُ الخمول القضائي ميّز عام 2025، لا بوصفه إنجازًا، بل كتحوّلٍ قسريّ فرضه فقدان الانتظام في لبنان. فالعدليّة، التي عاشت سنواتٍ من الشلل والتسييس الفجّ خلال الحقبة السابقة، عادت إلى حدّ أدنى من الانتظام. نفضت عنها غبار القرارات والمحاكمات الكيديّة، وتتحضر لجولة غير مسبوقة مطلع عام 2026، تبدأ بتسريع المحاكمات ولا تنتهي بإقفال ملف المسجونين السوريين؛ وسط تعذر المواءمة بين سلطة القانون والطغمة الحاكمة المتورّطة في العديد من الجرائم، وليس أقلّها تفجير مرفأ بيروت.
إنهاء الشغور الرئاسي مطلع عام 2025 وضع القضاء في صلب المشهد السياسي. خطاب قسم رئيس الجمهورية العماد جوزاف عون خصّ العدالة بتعهّدٍ صريح بحمايتها من التدخلات وإطلاق يدها في الملفات الكبرى. البيان الوزاري للحكومة ثبّت هذا التوجّه ومنح الغطاء السياسي لإعادة الانتظام إلى عمل المحاكم، وهو ما أكّده الرئيس جوزاف عون خلال زيارةٍ غير مسبوقة لرئيس جمهورية إلى العدليّة.
واستُكملت الديناميكية القضائية بإقرار قانون “استقلالية القضاء” قبل أيام، بعد مخاضٍ طويل وشائك، رغم ما حمله من اعتراضات سياسية وقضائية، وفي مقدّمها اعتراض مجلس القضاء الأعلى، المعنيّ الأوّل بتنظيم القضاء العدليّ.
أمّا في العدليّة، وبعد تعطيلٍ متعمّد لسنوات، فقد شكّلت التشكيلات القضائية الجزئية المدخل العمليّ لإجراء تشكيلات قضائية شاملة، أعادت الانتظام إلى المحاكم مع بداية السنة القضائية في 16 أيلول 2025. وترافقت هذه الديناميكية مع “تسوية” أفضت إلى تثبيت القاضي جمال الحجّار نائبًا عامًا تمييزيًا، مقابل إنهاء القطيعة مع المحقق العدلي في قضية تفجير مرفأ بيروت، القاضي طارق البيطار، وتحريره من الإجراءات الكيديّة التي سبق أن اتخذها سلفه القاضي غسّان منيف عويدات، والتي منع بموجبها الضابطة العدليّة من التعاون مع المحقق العدليّ.
“تسوية” خوّلت المحقق العدليّ استكمال عمله واستجواب المدّعى عليهم من دون اتخاذ أيّ إجراء قضائي بحقهم، على قاعدة تنظيم الخلاف القضائي وتأجيل المواجهة المتفجّرة والحتمية إلى حين إصدار القاضي طارق البيطار قراره الاتهاميّ.
وإلى جانب تحرير التحقيق في تفجير المرفأ من القيود المفروضة على المحقق العدليّ، أثار تعيين وزير العدل المحامي عادل نصّار محققين عدليين لمتابعة وإعادة فتح ملف الاغتيالات السياسية إبّان الحرب جدلًا حول خلفيات هذا القرار، فيما وضعه آخرون في إطار توجّه العدليّة إلى إقفال الملفات العالقة أمامها.
أمّا التطوّر الأبرز، فتمثل في قرار المحقق العدليّ في قضية إخفاء الإمام موسى الصدر ورفيقيه، القاضي زاهر حمادة، إطلاق سراح هانيبال القذافي مقابل كفالة مالية، بعد عشر سنوات من السجن من دون محاكمة عادلة.
كما أُخلي سبيل حاكم مصرف لبنان السابق رياض سلامة، ومسؤولين آخرين تدور حولهم شبهات فساد وتبديد للمال العام.
ومن خارج السياق المألوف، سُجّل لديوان المحاسبة قرارٌ غير مسبوق، أدان بموجبه أربعة وزراء اتصالات سابقين، مُغرِّمًا إيّاهم بملايين الدولارات لمصلحة الخزينة.
أمّا المحكمة العسكرية، فقد دخلت بدورها مرحلة جديدة. أُقفلت بعض القضايا الكيدية المرفوعة أمامها، ودُفع عدد من المحكومين غيابيًا إلى المثول أمامها وطلب إنصافهم بمحاكمة عادلة. وفي طليعة هؤلاء الفنان فضل شاكر، الذي سلّم نفسه طوعًا للجيش اللبناني تمهيدًا لمحاكمة جديدة تهدف إلى إسقاط الأحكام الغيابية الصادرة بحقه، والتي تراوحت بين خمس وخمس عشرة سنة سجنية.
السلطة القضائية تؤخر القرار الاتهاميّ
التحدّي القضائي الأبرز لعام 2026 سيكون القرار الاتهاميّ المنتظر في قضية تفجير مرفأ بيروت. ويشكّل هذا القرار محطة مفصليّة لجميع اللبنانيين الساعين إلى كشف حقيقة التفجير الذي أودى بحياة 245 شهيدًا وضحية، إذ يأمل المتابعون أن يقدّم سردية متكاملة وشاملة لما حصل، قبل أن تنفجر الحقيقة ويتمّ نسف التحقيق أمام المجلس العدليّ.
ووفق معلومات “نداء الوطن”، فإن إعلان المحقق العدليّ ختم التحقيق وإحالته إلى النيابة العامة التمييزية لإبداء مطالعتها يُتوقع خلال الأشهر المقبلة وقبل إحالة النائب العام التمييزي القاضي جمال الحجار إلى التقاعد في شهر نيسان المقبل؛ ما لم تطرأ مفاجآت في مسار التحقيق! غير أن توقيت القرار مرتبط، أوّلًا، بإنهاء المهزلة التي ارتضتها السلطة القضائية لنفسها، والمتمثلة بالسير في ملاحقة المحقق العدليّ جزائيًا، وضمّ متورّطين في تفجير المرفأ إلى الادّعاء عليه ومحاكمته بجرم اغتصاب السلطة وانتحال صفة محقق عدليّ، رغم صدور مذكرات توقيف بحقهم في القضية نفسها.
مهزلة يُرتقب أن يضع القاضي حبيب رزق اللّه، الناظر في هذا الادّعاء، حدًّا لها خلال أيام قليلة، إمّا بتثبيت الاجتهاد والقرارات التي استند إليها المحقق العدليّ لاستئناف عمله، وإمّا بتكريس كسر البيطار ومعه التحقيق في تفجير المرفأ.
وإلى جانب الشكوى الجزائية العالقة أمام قاضي التحقيق حبيب رزق اللّه، لم يتضح بعد ما إذا كان المحقق العدليّ سيتوقف عند بت الهيئة العامة لمحكمة التمييز في دعاوى مخاصمة الدولة عن الأعمال الناجمة عن عمله، وسط مؤشرات على وجود انقسام بين القضاة يحول دون قدرة الهيئة العامة على البت في الدعاوى، تفاديًا لإظهار الشرخ في هذا التوقيت، وترك المواجهة القضائية الحتمية لنسف عمل المحقق العدليّ أمام المجلس العدلي، من بوابة تعمّد الهيئة العامة لمحكمة التمييز عدم البت في الدعاوى المرفوعة أمامها.
لذلك، سيكون عام 2026 امتحانًا قضائيًا بامتياز، يختبر جدّية الخطابات والوعود الداعية إلى إطلاق يد القضاء ورفع التدخلات السياسية عنه، ولا سيّما أن المحاكمة أمام المجلس العدليّ توجب تنفيذ مذكرات التوقيف بحق من سيشملهم القرار الاتهامي.
هنا يتركّز السؤال الجوهري: هل سيُسمح بتنفيذ مذكرات التوقيف بحق كبار السياسيين والقضاة والأمنيين المشتبه في ضلوعهم في جريمة بحجم تفجير المرفأ؟
العام 2025 لم يكن سنة العدالة، بل سنة سقوط الأقنعة. وُضع القضاء على سكة الانتظام المطلوب… وما سيأتي لاحقًا سيحدّد ما إذا كان هذا التحرّك بداية استعادة السلطة القضائية دورها، أم مجرّد إدارة منظمة لانفجارٍ مؤجَّل.
عدليّة تحت الاختبار: استقلاليّة مبتورة ومواجهة مؤجّلة

كسرُ الخمول القضائي ميّز عام 2025، لا بوصفه إنجازًا، بل كتحوّلٍ قسريّ فرضه فقدان الانتظام في لبنان. فالعدليّة، التي عاشت سنواتٍ من الشلل والتسييس الفجّ خلال الحقبة السابقة، عادت إلى حدّ أدنى من الانتظام. نفضت عنها غبار القرارات والمحاكمات الكيديّة، وتتحضر لجولة غير مسبوقة مطلع عام 2026، تبدأ بتسريع المحاكمات ولا تنتهي بإقفال ملف المسجونين السوريين؛ وسط تعذر المواءمة بين سلطة القانون والطغمة الحاكمة المتورّطة في العديد من الجرائم، وليس أقلّها تفجير مرفأ بيروت.
إنهاء الشغور الرئاسي مطلع عام 2025 وضع القضاء في صلب المشهد السياسي. خطاب قسم رئيس الجمهورية العماد جوزاف عون خصّ العدالة بتعهّدٍ صريح بحمايتها من التدخلات وإطلاق يدها في الملفات الكبرى. البيان الوزاري للحكومة ثبّت هذا التوجّه ومنح الغطاء السياسي لإعادة الانتظام إلى عمل المحاكم، وهو ما أكّده الرئيس جوزاف عون خلال زيارةٍ غير مسبوقة لرئيس جمهورية إلى العدليّة.
واستُكملت الديناميكية القضائية بإقرار قانون “استقلالية القضاء” قبل أيام، بعد مخاضٍ طويل وشائك، رغم ما حمله من اعتراضات سياسية وقضائية، وفي مقدّمها اعتراض مجلس القضاء الأعلى، المعنيّ الأوّل بتنظيم القضاء العدليّ.
أمّا في العدليّة، وبعد تعطيلٍ متعمّد لسنوات، فقد شكّلت التشكيلات القضائية الجزئية المدخل العمليّ لإجراء تشكيلات قضائية شاملة، أعادت الانتظام إلى المحاكم مع بداية السنة القضائية في 16 أيلول 2025. وترافقت هذه الديناميكية مع “تسوية” أفضت إلى تثبيت القاضي جمال الحجّار نائبًا عامًا تمييزيًا، مقابل إنهاء القطيعة مع المحقق العدلي في قضية تفجير مرفأ بيروت، القاضي طارق البيطار، وتحريره من الإجراءات الكيديّة التي سبق أن اتخذها سلفه القاضي غسّان منيف عويدات، والتي منع بموجبها الضابطة العدليّة من التعاون مع المحقق العدليّ.
“تسوية” خوّلت المحقق العدليّ استكمال عمله واستجواب المدّعى عليهم من دون اتخاذ أيّ إجراء قضائي بحقهم، على قاعدة تنظيم الخلاف القضائي وتأجيل المواجهة المتفجّرة والحتمية إلى حين إصدار القاضي طارق البيطار قراره الاتهاميّ.
وإلى جانب تحرير التحقيق في تفجير المرفأ من القيود المفروضة على المحقق العدليّ، أثار تعيين وزير العدل المحامي عادل نصّار محققين عدليين لمتابعة وإعادة فتح ملف الاغتيالات السياسية إبّان الحرب جدلًا حول خلفيات هذا القرار، فيما وضعه آخرون في إطار توجّه العدليّة إلى إقفال الملفات العالقة أمامها.
أمّا التطوّر الأبرز، فتمثل في قرار المحقق العدليّ في قضية إخفاء الإمام موسى الصدر ورفيقيه، القاضي زاهر حمادة، إطلاق سراح هانيبال القذافي مقابل كفالة مالية، بعد عشر سنوات من السجن من دون محاكمة عادلة.
كما أُخلي سبيل حاكم مصرف لبنان السابق رياض سلامة، ومسؤولين آخرين تدور حولهم شبهات فساد وتبديد للمال العام.
ومن خارج السياق المألوف، سُجّل لديوان المحاسبة قرارٌ غير مسبوق، أدان بموجبه أربعة وزراء اتصالات سابقين، مُغرِّمًا إيّاهم بملايين الدولارات لمصلحة الخزينة.
أمّا المحكمة العسكرية، فقد دخلت بدورها مرحلة جديدة. أُقفلت بعض القضايا الكيدية المرفوعة أمامها، ودُفع عدد من المحكومين غيابيًا إلى المثول أمامها وطلب إنصافهم بمحاكمة عادلة. وفي طليعة هؤلاء الفنان فضل شاكر، الذي سلّم نفسه طوعًا للجيش اللبناني تمهيدًا لمحاكمة جديدة تهدف إلى إسقاط الأحكام الغيابية الصادرة بحقه، والتي تراوحت بين خمس وخمس عشرة سنة سجنية.
السلطة القضائية تؤخر القرار الاتهاميّ
التحدّي القضائي الأبرز لعام 2026 سيكون القرار الاتهاميّ المنتظر في قضية تفجير مرفأ بيروت. ويشكّل هذا القرار محطة مفصليّة لجميع اللبنانيين الساعين إلى كشف حقيقة التفجير الذي أودى بحياة 245 شهيدًا وضحية، إذ يأمل المتابعون أن يقدّم سردية متكاملة وشاملة لما حصل، قبل أن تنفجر الحقيقة ويتمّ نسف التحقيق أمام المجلس العدليّ.
ووفق معلومات “نداء الوطن”، فإن إعلان المحقق العدليّ ختم التحقيق وإحالته إلى النيابة العامة التمييزية لإبداء مطالعتها يُتوقع خلال الأشهر المقبلة وقبل إحالة النائب العام التمييزي القاضي جمال الحجار إلى التقاعد في شهر نيسان المقبل؛ ما لم تطرأ مفاجآت في مسار التحقيق! غير أن توقيت القرار مرتبط، أوّلًا، بإنهاء المهزلة التي ارتضتها السلطة القضائية لنفسها، والمتمثلة بالسير في ملاحقة المحقق العدليّ جزائيًا، وضمّ متورّطين في تفجير المرفأ إلى الادّعاء عليه ومحاكمته بجرم اغتصاب السلطة وانتحال صفة محقق عدليّ، رغم صدور مذكرات توقيف بحقهم في القضية نفسها.
مهزلة يُرتقب أن يضع القاضي حبيب رزق اللّه، الناظر في هذا الادّعاء، حدًّا لها خلال أيام قليلة، إمّا بتثبيت الاجتهاد والقرارات التي استند إليها المحقق العدليّ لاستئناف عمله، وإمّا بتكريس كسر البيطار ومعه التحقيق في تفجير المرفأ.
وإلى جانب الشكوى الجزائية العالقة أمام قاضي التحقيق حبيب رزق اللّه، لم يتضح بعد ما إذا كان المحقق العدليّ سيتوقف عند بت الهيئة العامة لمحكمة التمييز في دعاوى مخاصمة الدولة عن الأعمال الناجمة عن عمله، وسط مؤشرات على وجود انقسام بين القضاة يحول دون قدرة الهيئة العامة على البت في الدعاوى، تفاديًا لإظهار الشرخ في هذا التوقيت، وترك المواجهة القضائية الحتمية لنسف عمل المحقق العدليّ أمام المجلس العدلي، من بوابة تعمّد الهيئة العامة لمحكمة التمييز عدم البت في الدعاوى المرفوعة أمامها.
لذلك، سيكون عام 2026 امتحانًا قضائيًا بامتياز، يختبر جدّية الخطابات والوعود الداعية إلى إطلاق يد القضاء ورفع التدخلات السياسية عنه، ولا سيّما أن المحاكمة أمام المجلس العدليّ توجب تنفيذ مذكرات التوقيف بحق من سيشملهم القرار الاتهامي.
هنا يتركّز السؤال الجوهري: هل سيُسمح بتنفيذ مذكرات التوقيف بحق كبار السياسيين والقضاة والأمنيين المشتبه في ضلوعهم في جريمة بحجم تفجير المرفأ؟
العام 2025 لم يكن سنة العدالة، بل سنة سقوط الأقنعة. وُضع القضاء على سكة الانتظام المطلوب… وما سيأتي لاحقًا سيحدّد ما إذا كان هذا التحرّك بداية استعادة السلطة القضائية دورها، أم مجرّد إدارة منظمة لانفجارٍ مؤجَّل.














