هذه الفئات من المودعين… خسائرها لن تعوّض

على الرغم من الإيجابيات الجوهرية التي تضمنها مشروع قانون الفجوة الماليّة، والتي يأتي في مقدمتها ضمان كامل للودائع حتى 100 ألف دولار، بينما يُسدّد الجزء المتجاوز هذا الحد عبر سندات طويلة الأجل مضمونة بإيرادات أو أصول مصرف لبنان، والأهم ضمان تراتبية عادلة في توزيع الخسائر، وتحميل المصارف وأصحابها العبء أولاً قبل المساس بالمودعين. غير أن مشروع القانون لا يخلو من الشوائب ايضاً وعلى رأسها تجاهل حقوق فئات عديدة من المودعين لم يأت على ذكرهم أي من الاطراف. وحدهم هؤلاء لن ينالهم شيئاً حتى اللحظة، ولم تُدرج خسارتهم بأي من النقاشات المرتبطة بعملية استرداد الودائع.
ولا ننسى أن مشروع القانون موضوع النقاش يوم غد على طاولة الحكومة، يؤسس مساراً زمنياً منظماً لسداد الحسابات المصرفية، بما يتيح استعادة نحو 85 في المئة من الودائع خلال أربع سنوات، مع تعزيز الشفافية والمحاسبة من خلال تدقيق شامل في ميزانيات مصرف لبنان والمصارف التجارية، وفرض غرامات على الأرباح غير النظامية والهندسات المالية السابقة. ولكن من هم المودعون الذين لن يشملهم أي من تلك الإجراءات.
مودعون “سابقون“
عندما تُبحث أزمة المودعين يُقصد بالمودعين الحاليين، حتى مشروع القانون المطروح اليوم يتوجّه إلى المودعين في هذه اللحظة. ولكن ماذا عن أولئك الذين خرجوا من خانة المودعين على مدار السنوات الست الماضية، وهي المدة الزمنية التي تم تذويب الثقل الاكبر من الودائع خلالها؟ ماذا عن الخاسرين بفعل مرور الزمن؟ من يعوّض على هؤلاء؟
ثمة فئات من المودعين لم يُعطَ لها أي اعتبار، فئات لم يتم إنصافها ومن المُستبعد أن يتم إنصافها بأي شكل من الأشكال فقد طالها الضرر المباشر منذ بداية الأزمة.
أول الخاسرين بين المودعين هم أولئك الذين فقدت ودائعهم قيمتها بالليرة بفعل انهيار سعر الصرف، وغالبيتهم من المتقاعدين الذين أودعوا أموال تقاعدهم في المصارف وتم احتجازها وتحديد سقوف للسحب الشهري. هؤلاء تحديداً لا يشملهم أي نقاش لحل أزمة المودعين على الإطلاق، فقدوا أكثر من 90 في المئة من قيمة أموالهم ولم ولن يعوّض عليهم شيء.
فئة أخرى من المودعين أصحاب الودائع بالدولار التي تم سحبها بالليرة بسعر السحوبات المفروضة من المصارف التجارية عنوة ومغطاة بتعاميم مصرف لبنان. بدأت السحوبات بسعر 3900 ليرة للدولار ثم 4200 ليرة ثم 8000 ليرة ثم 15000 ليرة للدولار وتوقف الزمن عند هذا السعر في مقابل ارتفاع سعر صرف الحقيقي إلى مستوى 140 ألف ليرة للدولار الواحد خلال سنوات الأزمة قبل أن يتراجع ويستقر عند 89500 ليرة حتى اللحظة. وكانت أموال المودعين تذوب من خلال الفارق بين سعر الدولار المصرفي وسعر الصرف الحقيقية طيلة تلك السنوات. هذه الفئة من المودعين لا يعوّض عليها شيء فودائعهم ذابت وخسروا ما خسروه من دون أي تعويض.
فئة ثالثة من المودعين باعت ودائعها بموجب شيكات لمقترضين لسداد ديون مصرفية. ومن هؤلاء من باع بفعل الحاجة إلى السيولة وتراوحت قيمة الشيكات بين 75 في المئة من قيمة الوديعة و12 في المئة من قيمتها على مدار سنوات الأزمة. هؤلاء ذابت ودائعهم كما وإن بنسب متفاوتة دون أي تعويض سابق أو لاحق.
وبين أكثر المودعين إجحافاً هم أولئك الذين اضطروا على مدار سنوات الأزمة إلى سحب أموالهم بما يفوق سقف السحوبات المحدّد لهم وفق التعاميم، وبهذه الحالة اضطر الكثيرون لسحب الأموال على سعر الصرف الرسمي أي الدولار في مقابل 1500 ليرة في وقت كان السعر الحقيقي للدولار يتصاعد بشكل جنوني متجاوزاً أضعاف سعر الصرف الرسمي.
ولا ننسى فئة المودعين الذين علقت ودائعهم بالليرة في المصارف، ومُنعوا في بداية الأزمة من سحبها، وألزمت بعض المصارف حينها المودعين بالليرة على تحويل ودائعهم إلى دولار وتجميدها وهو ما كبّد الكثيرين منهم خسائر فادحة كان يمكن تجنّبها لو تمكّنوا حينها من سحب ودائعهم بالليرة وتحويلها إلى دولار نقدي على سعر السوق آنذاك قبل تجاوز سعر صرف الدولار 2000 ليرة لبنانية.
هذه الفئة من المودعين سيتم اقتطاع جزء من ودائعهم لأنهم خضعوا للتحويل من الليرة إلى الدولار، علماً أن غالبيتهم تم إلزامهم من قبل مصارفهم، وهؤلاء خسارتهم مضاعفة. فبالإضافة إلى اقتطاع نسبة من الوديعة سيتم تحويل الباقي إلى سندات ستفقد جزءاً قيمتها مع مرور الزمة.
فئة أخرى من المودعين لم يشملها مشروع قانون الإنتظام المالي هي حَملة بوالص التأمين أو ما يعرف بالبرامج الإجتماعية التي كانت تبيعها المصارف لعملائها بهدف الإدخار عبر شركات التأمين المملوكة منها أو المتعاقدة معها، هذه الفئة علقت أموال الإدخار لديهم في حسابات بوالص التأمين دون أن يسري عليها أي صيغ للحلول باستثناء سدادها على سعر صرف السحوبات أي 15000 ليرة للدولار.
كل تلك الفئات من المودعين غير منظورين في مشاريع القوانين والحلول المطروحة وحتى في النقاشات اليومية لحل أزمة الودائع.
ودائع تم “تذويبها“
لا يقتصر الإجحاف على الفئات سابقة الذكر من المودعين، فالودائع بمجملها تم تذويبها على مدار السنوات الست الماضية بفعل مماطلة الحكومات السابقة وعدم صوغ أي حلول للأزمة المصرفية. وتُضاف إلى عمليات تذويب الودائع بفعل التسويف وانهيار العملة وعمليات قضم المصارف من الودائع بشكل عشوائي تحت مظلة العمولات والرسوم والفوائد.
ويكفي مقارنة حجم الودائع منذ بداية الأزمة عام 2019 يتبيّن حجم الأموال التي تم تذويبها بكل الطرق والآليات التي سبق ذكرها.
ففي تموز من العام 2019 أي قبيل تفجّر الأزمة المالية اقترب حجم ودائع القطاع الخاص من مستوى الـ 172.35 مليار دولار ليتراجع إلى 83.1 مليار دولار في أيلول. أي بتراجع بلغ قرابة 52 في المئة من مجمل الودائع.
بمعنى آخر ما يقارب 89.2 مليار دولار من الودائع تعرضت للتذويب بشتى الطرق على مدار سنوات الأزمة بين 2019 و2025. وهؤلاء لا شيء يضمن تعويض ما خسروه من أموالهم مهما بلغت نسبته.
هذه الفئات من المودعين… خسائرها لن تعوّض

على الرغم من الإيجابيات الجوهرية التي تضمنها مشروع قانون الفجوة الماليّة، والتي يأتي في مقدمتها ضمان كامل للودائع حتى 100 ألف دولار، بينما يُسدّد الجزء المتجاوز هذا الحد عبر سندات طويلة الأجل مضمونة بإيرادات أو أصول مصرف لبنان، والأهم ضمان تراتبية عادلة في توزيع الخسائر، وتحميل المصارف وأصحابها العبء أولاً قبل المساس بالمودعين. غير أن مشروع القانون لا يخلو من الشوائب ايضاً وعلى رأسها تجاهل حقوق فئات عديدة من المودعين لم يأت على ذكرهم أي من الاطراف. وحدهم هؤلاء لن ينالهم شيئاً حتى اللحظة، ولم تُدرج خسارتهم بأي من النقاشات المرتبطة بعملية استرداد الودائع.
ولا ننسى أن مشروع القانون موضوع النقاش يوم غد على طاولة الحكومة، يؤسس مساراً زمنياً منظماً لسداد الحسابات المصرفية، بما يتيح استعادة نحو 85 في المئة من الودائع خلال أربع سنوات، مع تعزيز الشفافية والمحاسبة من خلال تدقيق شامل في ميزانيات مصرف لبنان والمصارف التجارية، وفرض غرامات على الأرباح غير النظامية والهندسات المالية السابقة. ولكن من هم المودعون الذين لن يشملهم أي من تلك الإجراءات.
مودعون “سابقون“
عندما تُبحث أزمة المودعين يُقصد بالمودعين الحاليين، حتى مشروع القانون المطروح اليوم يتوجّه إلى المودعين في هذه اللحظة. ولكن ماذا عن أولئك الذين خرجوا من خانة المودعين على مدار السنوات الست الماضية، وهي المدة الزمنية التي تم تذويب الثقل الاكبر من الودائع خلالها؟ ماذا عن الخاسرين بفعل مرور الزمن؟ من يعوّض على هؤلاء؟
ثمة فئات من المودعين لم يُعطَ لها أي اعتبار، فئات لم يتم إنصافها ومن المُستبعد أن يتم إنصافها بأي شكل من الأشكال فقد طالها الضرر المباشر منذ بداية الأزمة.
أول الخاسرين بين المودعين هم أولئك الذين فقدت ودائعهم قيمتها بالليرة بفعل انهيار سعر الصرف، وغالبيتهم من المتقاعدين الذين أودعوا أموال تقاعدهم في المصارف وتم احتجازها وتحديد سقوف للسحب الشهري. هؤلاء تحديداً لا يشملهم أي نقاش لحل أزمة المودعين على الإطلاق، فقدوا أكثر من 90 في المئة من قيمة أموالهم ولم ولن يعوّض عليهم شيء.
فئة أخرى من المودعين أصحاب الودائع بالدولار التي تم سحبها بالليرة بسعر السحوبات المفروضة من المصارف التجارية عنوة ومغطاة بتعاميم مصرف لبنان. بدأت السحوبات بسعر 3900 ليرة للدولار ثم 4200 ليرة ثم 8000 ليرة ثم 15000 ليرة للدولار وتوقف الزمن عند هذا السعر في مقابل ارتفاع سعر صرف الحقيقي إلى مستوى 140 ألف ليرة للدولار الواحد خلال سنوات الأزمة قبل أن يتراجع ويستقر عند 89500 ليرة حتى اللحظة. وكانت أموال المودعين تذوب من خلال الفارق بين سعر الدولار المصرفي وسعر الصرف الحقيقية طيلة تلك السنوات. هذه الفئة من المودعين لا يعوّض عليها شيء فودائعهم ذابت وخسروا ما خسروه من دون أي تعويض.
فئة ثالثة من المودعين باعت ودائعها بموجب شيكات لمقترضين لسداد ديون مصرفية. ومن هؤلاء من باع بفعل الحاجة إلى السيولة وتراوحت قيمة الشيكات بين 75 في المئة من قيمة الوديعة و12 في المئة من قيمتها على مدار سنوات الأزمة. هؤلاء ذابت ودائعهم كما وإن بنسب متفاوتة دون أي تعويض سابق أو لاحق.
وبين أكثر المودعين إجحافاً هم أولئك الذين اضطروا على مدار سنوات الأزمة إلى سحب أموالهم بما يفوق سقف السحوبات المحدّد لهم وفق التعاميم، وبهذه الحالة اضطر الكثيرون لسحب الأموال على سعر الصرف الرسمي أي الدولار في مقابل 1500 ليرة في وقت كان السعر الحقيقي للدولار يتصاعد بشكل جنوني متجاوزاً أضعاف سعر الصرف الرسمي.
ولا ننسى فئة المودعين الذين علقت ودائعهم بالليرة في المصارف، ومُنعوا في بداية الأزمة من سحبها، وألزمت بعض المصارف حينها المودعين بالليرة على تحويل ودائعهم إلى دولار وتجميدها وهو ما كبّد الكثيرين منهم خسائر فادحة كان يمكن تجنّبها لو تمكّنوا حينها من سحب ودائعهم بالليرة وتحويلها إلى دولار نقدي على سعر السوق آنذاك قبل تجاوز سعر صرف الدولار 2000 ليرة لبنانية.
هذه الفئة من المودعين سيتم اقتطاع جزء من ودائعهم لأنهم خضعوا للتحويل من الليرة إلى الدولار، علماً أن غالبيتهم تم إلزامهم من قبل مصارفهم، وهؤلاء خسارتهم مضاعفة. فبالإضافة إلى اقتطاع نسبة من الوديعة سيتم تحويل الباقي إلى سندات ستفقد جزءاً قيمتها مع مرور الزمة.
فئة أخرى من المودعين لم يشملها مشروع قانون الإنتظام المالي هي حَملة بوالص التأمين أو ما يعرف بالبرامج الإجتماعية التي كانت تبيعها المصارف لعملائها بهدف الإدخار عبر شركات التأمين المملوكة منها أو المتعاقدة معها، هذه الفئة علقت أموال الإدخار لديهم في حسابات بوالص التأمين دون أن يسري عليها أي صيغ للحلول باستثناء سدادها على سعر صرف السحوبات أي 15000 ليرة للدولار.
كل تلك الفئات من المودعين غير منظورين في مشاريع القوانين والحلول المطروحة وحتى في النقاشات اليومية لحل أزمة الودائع.
ودائع تم “تذويبها“
لا يقتصر الإجحاف على الفئات سابقة الذكر من المودعين، فالودائع بمجملها تم تذويبها على مدار السنوات الست الماضية بفعل مماطلة الحكومات السابقة وعدم صوغ أي حلول للأزمة المصرفية. وتُضاف إلى عمليات تذويب الودائع بفعل التسويف وانهيار العملة وعمليات قضم المصارف من الودائع بشكل عشوائي تحت مظلة العمولات والرسوم والفوائد.
ويكفي مقارنة حجم الودائع منذ بداية الأزمة عام 2019 يتبيّن حجم الأموال التي تم تذويبها بكل الطرق والآليات التي سبق ذكرها.
ففي تموز من العام 2019 أي قبيل تفجّر الأزمة المالية اقترب حجم ودائع القطاع الخاص من مستوى الـ 172.35 مليار دولار ليتراجع إلى 83.1 مليار دولار في أيلول. أي بتراجع بلغ قرابة 52 في المئة من مجمل الودائع.
بمعنى آخر ما يقارب 89.2 مليار دولار من الودائع تعرضت للتذويب بشتى الطرق على مدار سنوات الأزمة بين 2019 و2025. وهؤلاء لا شيء يضمن تعويض ما خسروه من أموالهم مهما بلغت نسبته.














