حصار تصاعدي على “الحزب” وتهاوي شبكات خارجية

حصار تصاعدي على “الحزب” وتهاوي شبكات خارجية

الكاتب: جومانا زغيب | المصدر: نداء الوطن
22 تشرين الثاني 2025

ترسخت القناعة لدى الأميركيين والأوروبيين والعرب، وبخاصة الخليجيين بأن المال الإيراني والأموال الرديفة، هي سبب جوهري لاستمرار “حزب الله”، في المكابرة ورفض تسليم سلاحه والرهان على تجديد قدراته العسكرية وبناه التحتية، عدة وعتادًا وتصنيعًا، وبناء قواعد ومخازن تتمتع بتحصين أقوى وقدرات استيعابية أصغر لتقليص منسوب الخسائر المتوقعة، نتيجة احتمال الإغارة عليها وقصفها.

وبحسب معطيات دبلوماسية، فإن المال الذي ما زال يتدفق على “حزب الله” بكميات ومبالغ كبيرة، يساهم من ناحية أخرى في تعزيز صمود محازبيه وأنصاره المرتبطين مباشرة به، على الرغم من التقنين المقصود والمدروس بحق بيئته التي تعيش نوعًا من الخيبة وتشكو التمييز حيالها.

وتشير المعطيات إلى أن أداء السلطات اللبنانية في مجال مكافحة تهريب المال إلى “الحزب”، فضلًا عن مكافحة تهريب السلاح وملاحقة تصنيع المخدرات وتجارتها وتهريبها، هو أفضل قليلًا من أدائها في مسألة تطبيق قرار حصر السلاح والذي يبدو من الصعب جدًا التزام موجباته ومواعيده حتى الآن، بل إن أداء مصرف لبنان والذي يتمايز بجرأة ووضوح أكبر، هو أفضل من أداء أهل الحكم والحكومة حيال التزام الضوابط الخاصة بمكافحة تهريب الأموال وتبييضها، على الرغم من التهديدات الإيرانية غير المباشرة التي ساقها نظام الجمهورية الإسلامية للمصرف المركزي في بيروت، عبر صحيفة “طهران تايمز”، مع التنويه بالتزام القطاع المصرفي اللبناني تلك الضوابط، ولو أنه يعاني ويبحث عن مخارج لإعادة الانتعاش إلى صناديقه.

ومن الواضح أن “حزب الله” وبدفع إيراني، باعتبار أنه يبقى في نظر طهران رأس الحربة الأبرز لها على الساحة الخارجية، يسعى كما تفيد المعلومات الدبلوماسية إلى تنويع مصادره واعتماد أساليب أكثر تطورًا في التخفي، لا سيما بوجود شركات تحويل الأموال والعملات الإلكترونية والقدرة على توزيع الأموال النقدية بكميات صغيرة، تحت ستار مصالح ومؤسسات خاصة، أو عبر حركة انتقال المسافرين، علمًا أن الأمر، بلغ حد تزوير شهادات وتقارير طبية لتبرير نقل كميات من المال بأكثر من وسيلة.

وفي المعلومات أيضًا، أن شبكات عدة يعتمد عليها “الحزب”، وتنشط في أميركا اللاتينية ومنها في اتجاه أفريقيا وبعض دول أوروبا وآسيا. وقد رصد الأميركيون عددًا منها ويعملون على ملاحقتها وتفكيكها، علمًا أن بعضها لا يعمل حصرًا لـ”حزب الله”، بل ينوّع خدماته لمزيد من التضليل. وتندرج الإجراءات الأخيرة التي اتخذتها واشنطن بحق فنزويلا في إطار مكافحة عمليات التهريب وشبكاته، ولوحظ أنها تزامنت مع لجوء عدد من كوادر “الحزب” وناشطيه إلى فنزويلا، وبينهم من يشارك في أنشطة كارتيلات المخدرات التي تستهدف الولايات المتحدة ودولًا غربية أخرى. ويمكن تفسير ذلك بالحاجة الماسة لدى “الحزب” إلى المال بعد تراجع مصادره الأساسية، علمًا أن بعض هؤلاء الكوادر والعناصر يحمل جوازات سفر فنزويلية.

وتنقل المعلومات عن خبير في مكافحة المخدرات وتهريب الأموال، أن اختيار فنزويلا كملجأ ليس خيارًا سليمًا لـ “الحزب”، لأن هذه الدولة الأميركية الجنوبية، تخضع لحصار مضطرد وتعتبرها واشنطن الأخطر كساحة للشبكات والمافيات ذات الصلة.

وإذا كان “حزب الله” يواجه في لبنان حصارًا ماليًا، ترفده عقوبات مضطردة على رجال أعمال وشركات وكوادر تنتمي إليه، فإن لبنان بحد ذاته يخضع لنصف حصار غير معلن، عبر حجب المساعدات وحتى القروض الميسرة، وعبر امتناع دول كثيرة غربية وعربية عن السماح لشركات وأفراد فيها بالاستثمار في لبنان، مع علمها، أن لبنان يشكل مساحة استثمارية جيدة في حال استقرت أوضاعه، سواء بسبب تراجع عملته الوطنية، أو بسبب تدني كلفة اليد العاملة، فضلًا عن أن لبنان ما زال يضم خبرات متنوعة وكفاءات علمية.

والملفت أن الثروات اللبنانية “المعلقة” في الخارج ضخمة بما يكفي في حال تحوّل بعضها إلى لبنان لإنعاش الاقتصاد المتهالك ودعم القطاع المصرفي وتعزيز سوق العمل، لكن أصحاب هذه الثروات يتحفظون جدًا بدورهم على إعادة أموالهم إلى لبنان لاستثمارها في مجالات شتى متاحة.

ويقدّر تقرير لمؤسسة مالية دولية هذه الثروات بنحو ستين مليار دولار من أصول واستثمارات وأوراق مالية وودائع وقروض وسواها، بمعزل عن الأموال الأخرى التي تقدر بأكثر من عشرة مليارات دولار خارج القنوات المصرفية والمالية المعروفة وترسو بشكل خاص في بعض الدول النامية في أميركا اللاتينية وأفريقيا وسواهما.

ويشير التقرير إلى أن لبنان وعلى مدى الأعوام الـ 35 الماضية لم يشكل مساحة استثمارية آمنة، بسبب الفساد وضعف السلطة السياسية التي تشكلت في معظمها على أساس التقاء مصالح، والدليل أن الثروات اللبنانية بعيد نهاية الحرب في العام 1990 كانت تقدر بنحو أربعين مليار دولار وتنامت بما يوازي النصف حتى اليوم، وهذا ما يستدعي بحسب التقرير الانكباب على إصلاح جذري وجدي في موازاة انتظام الدولة وأدواتها السيادية، وإلا فإن الواقع المالي في لبنان لن يشهد أي تغيير فعلي في المديين المنظور والمتوسط.