اقتراع المغتربين بين المناورات والانفجار: لجنة الخارجية في قلب العاصفة

يتقدّم الاستحقاق النيابي نحو المجهول، فيما تتحول لجنة الشؤون الخارجية والمغتربين إلى مسرحٍ لاشتباك سياسي صاخب، بعد إحالة مشروع تعديل قانون الانتخاب عليها. وبين اتهامات بالمماطلة وغياب التقارير الرسمية، وانقسام حاد بين القوى السياسية حول مصير الدائرة 16، يبدو أن حق اللبنانيين غير المقيمين في الاقتراع دخل مرحلة الخطر، وأنّ الحسم بات مؤجّلاً إلى إشعار آخر.
لم يمر اجتماع لجنة الشؤون الخارجية والمغتربين في مجلس النواب مرور الكرام. فمشروع تعديل قانون الانتخاب، ولا سيما المادة المتصلة بآلية اقتراع المغتربين، تحوّل إلى شرارة مواجهة مفتوحة بين الكتل النيابية، بعدما قرّر رئيس مجلس النواب نبيه برّي اعتماد مسار غير متوقّع في التعامل مع المشروع المعجّل الوارد من الحكومة. فبدل أن يدرجه في جدول أعمال جلسة تشريعية كما كان يطالب المعترضون على الدائرة 16 التي تمنح المغتربين ستة نواب، اختار اللجوء إلى المادة 106 من النظام الداخلي، فأحاله على لجنتي الداخلية والدفاع، والشؤون الخارجية، متجاوزا اللجنة الفرعية التي يرأسها نائبه الياس بو صعب. خطوة فسّرها كثيرون بأنّها محاولة “للسير على مهل” في ملفّ حساس، في لحظة أصبح فيها عداد الزمن ضاغطا مع اقتراب موعد الانتخابات.
اجتماع لجنة الشؤون الخارجية الذي عقد في حضور وزيري الداخلية والخارجية لم يمرّ بهدوء. فبحسب المعلومات انفجر النقاش داخل القاعة، وارتفعت حدّة الأصوات بين النواب، والانقسام كان واضحا: “الثنائي الشيعي” و”التيار الوطني الحر” متمسّكان بعدم فتح باب تعديلات جوهرية على القانون، في مقابل إصرار “القوات اللبنانية” والكتائب وعدد من المستقلين و”التغييريين” على تعديل آلية اقتراع المغتربين بما يسمح لهم بالاقتراع لكل النواب الـ128 أسوة بالمقيمين. في قلب الجدل، ظهر عنصر إضافي زاد التوتر. فقد تبيّن خلال الجلسة وفق ما قالت النائبة ندى البستاني، أنّ الحكومة أرسلت مشروع التعديل من دون أي تقرير رسمي مكتمل عن تطبيق المادة 123 من قانون الانتخاب (الدائرة 16)، رغم وجود لجنة مشتركة من وزارتي الداخلية والخارجية يفترض فيها إعداد هذا التقرير. والأسوأ، بحسب البستاني، أنّ تقريرا رسميا سابقا موجود ومُوقّع ويقدّم حلولا واضحة، لكن الحكومة رفضته من دون تبرير.
وكتبت البستاني على “أكس”: “قانون كامل وصل على المجلس قبل ما تكتمل دراسته… كيف الحكومة تتقرّر ان القانون لا يطبق من دون أي مستند؟!”
واعتبرت أنّ هذا النهج “مرفوض ويضرب حقوق المنتشر اللبناني”.
من جهته، حاول رئيس اللجنة النائب فادي علامة تخفيف وقع الروايات المتداولة، مؤكدًا أنّ الأجواء “عادية”، وأنّ اللجنة ما زالت في مرحلة جمع المعطيات”. وقال: “طلبنا تقريرا من الوزارات المعنية ولم يصل بعد، ولن نرفع تقريرنا النهائي قبل استكمال المستندات”. لكنّ مصادر سياسية ترى أن هذا المسار “البطيء والمتشعب” يعني عمليًا أنّ الحسم مؤجّل، وأنّ إمكان إدراج المشروع في جدول أعمال الهيئة العامة قبل ضيق المهل الانتخابية بات ضعيفا للغاية. وسط هذا الانقسام، برز موقف النائب وضاح الصادق الذي دعا إلى مقاربة إصلاحية، مشيراً إلى أن تعديل آلية الاقتراع ليس تفصيلًا تقنيا، بل خطوة لضمان المساواة الدستورية بين اللبنانيين المقيمين وغير المقيمين، وإشراك الاغتراب الحقيقي في صناعة القرار الوطني”. إلا أن هذا الاتجاه يصطدم بتمسّك قوى نافذة بالدائرة 16، وبشبه إجماع داخل جزء واسع من الطبقة السياسية، على أنّ فتح باب تعديل القانون في هذا التوقيت قد ينسف توازنات انتخابية حساسة.
وزير الداخلية أحمد الحجار حاول طمأنة النواب خلال الجلسة بالقول إن الوزارة بدأت التحضير للانتخابات وفق القانون الساري المفعول، والذي يعتمد ستة نواب للاغتراب. لكنه في المقابل لم يقدّم أجوبة حاسمة عن مصير الدائرة 16 في حال تقرّر تعديلها، تاركا الباب مفتوحا على احتمالات تأجيل قانوني أو تنظيمي. ما يمكن الجزم به اليوم، هو أنّ ملفّ اقتراع المغتربين أصبح في قلب تجاذب سياسي حادّ، وأنّ المسار التشريعي الذي دخله المشروع قد يجعل من الصعب الخروج بحلّ سريع. فاللجنة لم تُنجز تقريرها، والحكومة بلا مستندات مكتملة، والكتل منقسمة، والمهل تضيق. وفي ظل هذه الفوضى، يبدو أنّ الاستحقاق النيابي يقترب خطوة إضافية نحو دائرة الخطر، فيما يبقى حقّ المغترب معلّقًا بين موازين القوى، ومصالح الأحزاب، ورمال السياسة المتحركة.
اقتراع المغتربين بين المناورات والانفجار: لجنة الخارجية في قلب العاصفة

يتقدّم الاستحقاق النيابي نحو المجهول، فيما تتحول لجنة الشؤون الخارجية والمغتربين إلى مسرحٍ لاشتباك سياسي صاخب، بعد إحالة مشروع تعديل قانون الانتخاب عليها. وبين اتهامات بالمماطلة وغياب التقارير الرسمية، وانقسام حاد بين القوى السياسية حول مصير الدائرة 16، يبدو أن حق اللبنانيين غير المقيمين في الاقتراع دخل مرحلة الخطر، وأنّ الحسم بات مؤجّلاً إلى إشعار آخر.
لم يمر اجتماع لجنة الشؤون الخارجية والمغتربين في مجلس النواب مرور الكرام. فمشروع تعديل قانون الانتخاب، ولا سيما المادة المتصلة بآلية اقتراع المغتربين، تحوّل إلى شرارة مواجهة مفتوحة بين الكتل النيابية، بعدما قرّر رئيس مجلس النواب نبيه برّي اعتماد مسار غير متوقّع في التعامل مع المشروع المعجّل الوارد من الحكومة. فبدل أن يدرجه في جدول أعمال جلسة تشريعية كما كان يطالب المعترضون على الدائرة 16 التي تمنح المغتربين ستة نواب، اختار اللجوء إلى المادة 106 من النظام الداخلي، فأحاله على لجنتي الداخلية والدفاع، والشؤون الخارجية، متجاوزا اللجنة الفرعية التي يرأسها نائبه الياس بو صعب. خطوة فسّرها كثيرون بأنّها محاولة “للسير على مهل” في ملفّ حساس، في لحظة أصبح فيها عداد الزمن ضاغطا مع اقتراب موعد الانتخابات.
اجتماع لجنة الشؤون الخارجية الذي عقد في حضور وزيري الداخلية والخارجية لم يمرّ بهدوء. فبحسب المعلومات انفجر النقاش داخل القاعة، وارتفعت حدّة الأصوات بين النواب، والانقسام كان واضحا: “الثنائي الشيعي” و”التيار الوطني الحر” متمسّكان بعدم فتح باب تعديلات جوهرية على القانون، في مقابل إصرار “القوات اللبنانية” والكتائب وعدد من المستقلين و”التغييريين” على تعديل آلية اقتراع المغتربين بما يسمح لهم بالاقتراع لكل النواب الـ128 أسوة بالمقيمين. في قلب الجدل، ظهر عنصر إضافي زاد التوتر. فقد تبيّن خلال الجلسة وفق ما قالت النائبة ندى البستاني، أنّ الحكومة أرسلت مشروع التعديل من دون أي تقرير رسمي مكتمل عن تطبيق المادة 123 من قانون الانتخاب (الدائرة 16)، رغم وجود لجنة مشتركة من وزارتي الداخلية والخارجية يفترض فيها إعداد هذا التقرير. والأسوأ، بحسب البستاني، أنّ تقريرا رسميا سابقا موجود ومُوقّع ويقدّم حلولا واضحة، لكن الحكومة رفضته من دون تبرير.
وكتبت البستاني على “أكس”: “قانون كامل وصل على المجلس قبل ما تكتمل دراسته… كيف الحكومة تتقرّر ان القانون لا يطبق من دون أي مستند؟!”
واعتبرت أنّ هذا النهج “مرفوض ويضرب حقوق المنتشر اللبناني”.
من جهته، حاول رئيس اللجنة النائب فادي علامة تخفيف وقع الروايات المتداولة، مؤكدًا أنّ الأجواء “عادية”، وأنّ اللجنة ما زالت في مرحلة جمع المعطيات”. وقال: “طلبنا تقريرا من الوزارات المعنية ولم يصل بعد، ولن نرفع تقريرنا النهائي قبل استكمال المستندات”. لكنّ مصادر سياسية ترى أن هذا المسار “البطيء والمتشعب” يعني عمليًا أنّ الحسم مؤجّل، وأنّ إمكان إدراج المشروع في جدول أعمال الهيئة العامة قبل ضيق المهل الانتخابية بات ضعيفا للغاية. وسط هذا الانقسام، برز موقف النائب وضاح الصادق الذي دعا إلى مقاربة إصلاحية، مشيراً إلى أن تعديل آلية الاقتراع ليس تفصيلًا تقنيا، بل خطوة لضمان المساواة الدستورية بين اللبنانيين المقيمين وغير المقيمين، وإشراك الاغتراب الحقيقي في صناعة القرار الوطني”. إلا أن هذا الاتجاه يصطدم بتمسّك قوى نافذة بالدائرة 16، وبشبه إجماع داخل جزء واسع من الطبقة السياسية، على أنّ فتح باب تعديل القانون في هذا التوقيت قد ينسف توازنات انتخابية حساسة.
وزير الداخلية أحمد الحجار حاول طمأنة النواب خلال الجلسة بالقول إن الوزارة بدأت التحضير للانتخابات وفق القانون الساري المفعول، والذي يعتمد ستة نواب للاغتراب. لكنه في المقابل لم يقدّم أجوبة حاسمة عن مصير الدائرة 16 في حال تقرّر تعديلها، تاركا الباب مفتوحا على احتمالات تأجيل قانوني أو تنظيمي. ما يمكن الجزم به اليوم، هو أنّ ملفّ اقتراع المغتربين أصبح في قلب تجاذب سياسي حادّ، وأنّ المسار التشريعي الذي دخله المشروع قد يجعل من الصعب الخروج بحلّ سريع. فاللجنة لم تُنجز تقريرها، والحكومة بلا مستندات مكتملة، والكتل منقسمة، والمهل تضيق. وفي ظل هذه الفوضى، يبدو أنّ الاستحقاق النيابي يقترب خطوة إضافية نحو دائرة الخطر، فيما يبقى حقّ المغترب معلّقًا بين موازين القوى، ومصالح الأحزاب، ورمال السياسة المتحركة.










