علم الغيب كملجأ للبنانيين: قراءة اجتماعية في هوس انتظار التوقعات السنوية

الكاتب: نوال برّو | المصدر: نداء الوطن
30 كانون الأول 2025

مع اقتراب ليلة رأس السنة، وبعيدًا عن صخب الاحتفالات باستقبال عام جديد، يتجمهر كثير من الناس أمام الشاشات التي تتسابق لاستضافة ما يُعرف بـ”أنبياء العصر”، الذين يطلقون توقعاتهم حول الحياة السياسية والفنية والأمنية ويحكمون على حظوظ الأبراج. وسط هذه التنبؤات التي تستمر تلاوتها لساعات طويلة أحيانًا، يبحث اللبنانيون عن أمل يبعدهم عن الواقع الصعب والمعقد ليخيطوا عليه أحلامهم وأمنياتهم للعام الجديد.

لا شك أن نسبة تصديق توقعات الأبراج والتنبؤات العامة تختلف بحسب المستوى التعليمي، الضغط النفسي والخبرة الحياتية. ومع ذلك، فإن فضول النساء وبحثهن عن تفسيرات لأحداث حياتهن اليومية يدفعهن لأن يتفوقوا على الرجال في متابعة الأبراج والتوقعات، استنادًا إلى نتائج دراسات عالمية.

التنجيم يظهر رغبتنا العميقة في السيطرة على المجهول، لكن ما يجب معرفته هو أنه ليس ظاهرة جديدة بل بدأ مع البشرية، بحسب الاختصاصية في علم الاجتماع مي مارون، التي تستغرب قيام شريحة واسعة من الناس بقراءة الأبراج اليومية صباحًا بدل متابعة الأخبار. وتربط هذا السلوك بحالة القلق العام في بلدان يكون فيها الغد مجهولًا والأزمات محتملة في أي لحظة. وتضيف أن كل إنسان، بطبيعته، يحب أن يسمع أنه سيكون في أفضل حال: صحيًا، عاطفيًا، ماديًا واجتماعيًا.

كما تشير إلى أن بعض الموروثات الثقافية والمنتجات الترفيهية تساهم في تعزيز الإيمان بقدرات المنجمين، عبر ترسيخ فكرة الحلول السحرية والخلاص السريع.

ومع ذلك، بحسب مارون، إن التوقعات والتنبؤات تحظى بشعبية أيضاً في الدول الغربية، حيث تحقق بالفعل بعض توقعات منجمين أجانب مشهورين، مثل نوستراداموس وبابا فانغا.

إذاً، التوق الدائم إلى الطمأنينة يدفع الأفراد إلى اللجوء إلى الغيب، ليس فقط من الفئات الفقيرة أو المهمّشة، بل حتى من كبار الشخصيات. ويشير تقرير صحافي دولي إلى أن حوالي 30% من السياسيين المحليين يلجأون إلى خدمات المنجمين بانتظام. وتستشهد مارون بحالات تاريخية، مشيرةً إلى أن الرئيس الراحل كميل شمعون كان يستعين ببصّارة وهي من حذرته من محاولة اغتيال.

وفي ظل ضجيج التوقعات السنوية على الشاشات، يبرز تساؤل أساسي حول مدى صواب ما يقدّمه المنجّمون للجمهور. تشدّد مارون على أنها ليست دقيقة في الغالب، إذ يطلق هؤلاء مئات التوقعات، ما يجعل تحقق بعضها أمرًا طبيعيًا. كما أنه غالباً ما تكون صياغة التوقعات واسعة مثل “اغتيالات سياسية” دون ذكر أسماء أو تفاصيل وليست قابلة للقياس الدقيق. وتشير مارون إلى أن قراءة المشهد السياسي في الشرق الأوسط ليست بالأمر الصعب، وقد يكون بعضهم مدعومًا بتسريبات يقدّمها كنبؤات. لذلك، تدعو إلى التعامل النقدي مع هذه التوقعات وقراءة نسبة تحققها الفعلية بدل الانسياق خلفها.

ولكن لماذا يركز الناس على التوقعات التي تصيب ويتجاهلون تلك التي لا تتحقق؟

تجيب مارون بأن الإنسان بطبيعته ينتقي ما يناسب قناعاته ويتجاهل ما يناقضها. كما أن الإعلام يعيد نشر التوقعات التي تصيب فقط ويتناسى مئات التوقعات التي لا تنجح.

وحول ما إذا كانت الأبراج تؤثر على شخصية الإنسان وحظه، تشرح مارون أن علم الفلك ينطلق من فكرة أن الإنسان جزء من الطبيعة، وأن لحظة ولادته تتزامن مع حركة كواكب معينة. ولذلك قد يكون من الممكن ملاحظة تشابه في بعض الصفات بين أشخاص ولدوا في فترات متقاربة، إلا أنها تنفي دقة التوقعات اليومية، وتعتبر عرضها على الشاشات “أمر سخيف”.

وعلى كل حال، ترى مارون أنه لا مشكلة في اللجوء إلى الأبراج والتوقعات كوسيلة للتسلية، لكن المشكلة تبدأ عندما يتحول ذلك إلى اعتماد مفرط في اتخاذ القرارات الحياتية.

ختامًا، معظمنا يرى في متابعة المنجمين نكهة ممتعة، ولكن علينا أن نبقى مدركين أن المستقبل لا تحسّنه حركة الكواكب، بل يُبنى بالوعي والجهد.

علم الغيب كملجأ للبنانيين: قراءة اجتماعية في هوس انتظار التوقعات السنوية

الكاتب: نوال برّو | المصدر: نداء الوطن
30 كانون الأول 2025

مع اقتراب ليلة رأس السنة، وبعيدًا عن صخب الاحتفالات باستقبال عام جديد، يتجمهر كثير من الناس أمام الشاشات التي تتسابق لاستضافة ما يُعرف بـ”أنبياء العصر”، الذين يطلقون توقعاتهم حول الحياة السياسية والفنية والأمنية ويحكمون على حظوظ الأبراج. وسط هذه التنبؤات التي تستمر تلاوتها لساعات طويلة أحيانًا، يبحث اللبنانيون عن أمل يبعدهم عن الواقع الصعب والمعقد ليخيطوا عليه أحلامهم وأمنياتهم للعام الجديد.

لا شك أن نسبة تصديق توقعات الأبراج والتنبؤات العامة تختلف بحسب المستوى التعليمي، الضغط النفسي والخبرة الحياتية. ومع ذلك، فإن فضول النساء وبحثهن عن تفسيرات لأحداث حياتهن اليومية يدفعهن لأن يتفوقوا على الرجال في متابعة الأبراج والتوقعات، استنادًا إلى نتائج دراسات عالمية.

التنجيم يظهر رغبتنا العميقة في السيطرة على المجهول، لكن ما يجب معرفته هو أنه ليس ظاهرة جديدة بل بدأ مع البشرية، بحسب الاختصاصية في علم الاجتماع مي مارون، التي تستغرب قيام شريحة واسعة من الناس بقراءة الأبراج اليومية صباحًا بدل متابعة الأخبار. وتربط هذا السلوك بحالة القلق العام في بلدان يكون فيها الغد مجهولًا والأزمات محتملة في أي لحظة. وتضيف أن كل إنسان، بطبيعته، يحب أن يسمع أنه سيكون في أفضل حال: صحيًا، عاطفيًا، ماديًا واجتماعيًا.

كما تشير إلى أن بعض الموروثات الثقافية والمنتجات الترفيهية تساهم في تعزيز الإيمان بقدرات المنجمين، عبر ترسيخ فكرة الحلول السحرية والخلاص السريع.

ومع ذلك، بحسب مارون، إن التوقعات والتنبؤات تحظى بشعبية أيضاً في الدول الغربية، حيث تحقق بالفعل بعض توقعات منجمين أجانب مشهورين، مثل نوستراداموس وبابا فانغا.

إذاً، التوق الدائم إلى الطمأنينة يدفع الأفراد إلى اللجوء إلى الغيب، ليس فقط من الفئات الفقيرة أو المهمّشة، بل حتى من كبار الشخصيات. ويشير تقرير صحافي دولي إلى أن حوالي 30% من السياسيين المحليين يلجأون إلى خدمات المنجمين بانتظام. وتستشهد مارون بحالات تاريخية، مشيرةً إلى أن الرئيس الراحل كميل شمعون كان يستعين ببصّارة وهي من حذرته من محاولة اغتيال.

وفي ظل ضجيج التوقعات السنوية على الشاشات، يبرز تساؤل أساسي حول مدى صواب ما يقدّمه المنجّمون للجمهور. تشدّد مارون على أنها ليست دقيقة في الغالب، إذ يطلق هؤلاء مئات التوقعات، ما يجعل تحقق بعضها أمرًا طبيعيًا. كما أنه غالباً ما تكون صياغة التوقعات واسعة مثل “اغتيالات سياسية” دون ذكر أسماء أو تفاصيل وليست قابلة للقياس الدقيق. وتشير مارون إلى أن قراءة المشهد السياسي في الشرق الأوسط ليست بالأمر الصعب، وقد يكون بعضهم مدعومًا بتسريبات يقدّمها كنبؤات. لذلك، تدعو إلى التعامل النقدي مع هذه التوقعات وقراءة نسبة تحققها الفعلية بدل الانسياق خلفها.

ولكن لماذا يركز الناس على التوقعات التي تصيب ويتجاهلون تلك التي لا تتحقق؟

تجيب مارون بأن الإنسان بطبيعته ينتقي ما يناسب قناعاته ويتجاهل ما يناقضها. كما أن الإعلام يعيد نشر التوقعات التي تصيب فقط ويتناسى مئات التوقعات التي لا تنجح.

وحول ما إذا كانت الأبراج تؤثر على شخصية الإنسان وحظه، تشرح مارون أن علم الفلك ينطلق من فكرة أن الإنسان جزء من الطبيعة، وأن لحظة ولادته تتزامن مع حركة كواكب معينة. ولذلك قد يكون من الممكن ملاحظة تشابه في بعض الصفات بين أشخاص ولدوا في فترات متقاربة، إلا أنها تنفي دقة التوقعات اليومية، وتعتبر عرضها على الشاشات “أمر سخيف”.

وعلى كل حال، ترى مارون أنه لا مشكلة في اللجوء إلى الأبراج والتوقعات كوسيلة للتسلية، لكن المشكلة تبدأ عندما يتحول ذلك إلى اعتماد مفرط في اتخاذ القرارات الحياتية.

ختامًا، معظمنا يرى في متابعة المنجمين نكهة ممتعة، ولكن علينا أن نبقى مدركين أن المستقبل لا تحسّنه حركة الكواكب، بل يُبنى بالوعي والجهد.

مزيد من الأخبار

مزيد من الأخبار