“قانون إطار” للفجوة الماليّة: هل يقبل صندوق النقد؟

“قانون إطار” للفجوة الماليّة: هل يقبل صندوق النقد؟

المصدر: المدن
22 تشرين الثاني 2025

رجّحت مصادر مصرفيّة، في حديث إلى”المدن”، أن تلجأ وزارة الماليّة إلى تسوية تقضي بإصدار مسودّة مشروع “قانون إطار”، لمعالجة الفجوة الماليّة، بدلاً من إصدار قانون شامل لهذه الغاية. ووفق هذه الصيغة، يمكن لهذا القانون أن ينصّ على المبادئ العامّة والأساسيّة، التي ستُعتمد للتعامل مع أزمة الودائع، إنما من دون الخوض في التقديرات والأرقام والنسب، أو حتّى تفاصيل المقاربات التي ستُستخدم في هذا الشأن. ومن البديهي أن تحتاج الوزارة لاحقاً إلى إعداد قوانين تكميليّة، ومراسيم تطبيقيّة، لوضع الآليّات الكاملة لمعالجة الأزمة المصرفيّة.

إشكاليّتان أمام وزارة الماليّة

ترجيحات المصادر جاءت بعد جولة لقاءات قامت بها مع المسؤولين عن هذا الملف في مصرف لبنان ووزارة الماليّة. ووجدت المصادر أنّ وزارة الماليّة تعاني إشكاليّتين تحولان دون وضع صيغة شاملة لمسودّة مشروع قانون الفجوة الماليّة:

الإشكاليّة الأولى، هي إصرار صندوق النقد على مقاربة تعتمد شطب رساميل أصحاب المصارف؛ أي حصص ملكيّاتهم في المؤسّسات المصرفيّة، قبل تحميل الخسائر لأي شريحة أخرى، وخصوصاً المودعين. ويرى الصندوق أنّ “تراتبيّة الحقوق والمطالب”، وفق المعايير العالميّة المعتمدة، تقضي باستنفاد قدرة الأموال الخاصّة؛ أي مساهمات أصحاب المصرف، على تحمّل الخسائر كمرحلة أولى، على أن يلي ذلك ضخّ رساميل جديدة من مساهمين جدد أو حاليين لإعادة تكوين حصص الملكيّة في كل مصرف.

وهذه المقاربة تتعارض حتّى هذه اللحظة مع المبدأ الذي تتّجه إليه وزارة الماليّة، والقاضي بإبداء بعض المرونة في الإبقاء على جزء من رساميل أصحاب المصارف، على أن تُحدّد نسبة الاقتطاع من هذه الرساميل، وفقاً لتدقيق يكشف “الشوائب” الناتجة عن الأرباح غير العادلة التي حققها المصرفيون سابقاً على حساب المودعين. وترى بعض الأوساط المتابعة أنّ فكرة شطب الرساميل دفعة واحدة، وإن كانت مُتّسقة مع المعايير العالميّة، لا تملك حظوظ النجاح في لبنان، لأسباب سياسيّة وطائفيّة تتصل بالخشية من “التحوّلات في ملكيّات المصارف والسيطرة عليها”.

الإشكاليّة الثانية، ثمّة تيّارات مؤثرة داخل جمعيّة المصارف، تملك دعماً ضمنيًا من حاكم مصرف لبنان، ما زالت تعترض على مبدأ فتح الدفاتر لإجراء التدقيق في الميزانيّات المصرفيّة، ثم التعامل مع الرساميل على هذا الأساس. وهذه التيّارات هي التي وقفت أخيراً خلف الحملة العنيفة ضد الوزارة، التي تلت اجتماع وزير الماليّة مع وفد جمعيّة المصارف الأسبوع الماضي.

على هذا النحو، يتضح أن الوزارة ما زالت غير جاهزة لصياغة تفاصيل المقاربات، بما يُحقق شروط صندوق النقد من جهة، وبما يحيّد مسودّة مشروع القانون عن اعتراضات جمعيّة المصارف ومصرف لبنان، الكفيلة بإسقاط المشروع لاحقاً من جهة أخرى. وهذا بالتحديد ما يرفع أسهم فكرة “القانون الإطار”، الذي لا يستلزم تحديد جميع تفاصيل المعالجات منذ البداية؛ بل يعتمد تجزئة الحل على مراحل.

موقف صندوق النقد

مصادر أخرى مُطلعة على أجواء صندوق النقد، أفادت بأنّ الصندوق قد يبدي استعداداً لمراجعة “القانون الإطار” عند إعداده، وصولاً إلى وضع الملاحظات المطلوبة عليه، في حال عدم امتثاله للمعايير الدوليّة التي يتبناها. إلا أنّ “القانون الإطار” وحده لن يلبّي الشروط التي وضعها الصندوق للقبول بتوقيع اتفاق أوّلي جديد مع لبنان. إذ اشترط الصندوق سابقاً إنجاز كامل الهيكل التشريعي المطلوب لإعادة هيكلة القطاع المصرفي، قبل توقيع اتفاق من هذا النوع. وهو ما سيستلزم إما إقرار قانون شامل للفجوة الماليّة، أو استكمال العمل على القوانين والمراسيم التطبيقيّة التي يجب أن تكمّل “القانون الإطار”.

في جميع الحالات، من المهم التذكير بأن صندوق النقد كان قد وجّه أيضاً لائحة من الملاحظات على قانون إصلاح أوضاع المصارف، الذي أقرّه سابقاً البرلمان، والذي يفترض أن يكمّل قانون الفجوة الماليّة المُنتظر صدوره. وعليه، سيكون على المجلس النيابي العمل على مراجعة هذه الملاحظات، وإقرار التعديلات التي اقترحتها الحكومة لمعالجتها، قبل أن يتمكّن لبنان من الوصول إلى اتفاق أولي جديد مع صندوق النقد.

لكل هذه الأسباب، من الواضح أنّ مسار الاتفاق مع صندوق النقد ما زال مكبلاً بعقبات وإشكاليّات عديدة، وهو ما يوحي بأنّ وزارة الماليّة لن تتمكّن من التوصّل للاتفاق الأولي بحلول الربع الأوّل من العام المقبل، كما راهنت سابقاً. وعليه، سيكون من المرجّح أن يُؤجَّل هذه الاتفاق، وهو ما سيفرض أيضاً تأجيل استحقاق التفاوض مع حملة سندات اليوروبوند.