التصعيد الإسرائيلي يعيد المدنيين إلى دائرة النار ويسقط تفاهم أبريل 1996 إثر «عناقيد الغضب»

التصعيد الإسرائيلي يعيد المدنيين إلى دائرة النار ويسقط تفاهم أبريل 1996 إثر «عناقيد الغضب»

الكاتب: داود رمّال | المصدر: الانباء الكويتية
21 تشرين الثاني 2025

يعكس التصعيد الإسرائيلي الأخير في جنوب لبنان تحولا خطيرا في قواعد الاشتباك، بعدما أعادت الهجمات المنشآت والمنازل المدنية إلى دائرة الاستهداف المباشر، في خطوة تكشف عمليا سقوط التفاهم الذي أرسي في أبريل 1996 إثر حرب «عناقيد الغضب» التي شنتها إسرائيل، والقائم على تحييد المدنيين وحصر العمليات بالأهداف العسكرية.

فالهجمات التي بدأت باستهدافات محدودة ضد مواقع مفترضة، تمددت سريعا في الأيام الماضية لتصل إلى عمق البيئات السكانية المكتظة، بما يشي بأن مسارا جديدا من التصعيد قد بدأ يتكرس على الحدود الجنوبية.

وقال خبير عسكري لـ«الأنباء»: «الغارة على مجمع مدني في محيط مخيم عين الحلوة، والتي أوقعت عددا كبيرا من الضحايا بين قتيل وجريح، جاءت لتشكل الإشارة الأكثر وضوحا على هذا التحول. فالموقع الذي طالته الغارة يتكون من مرافق مخصصة للأنشطة الرياضية والترفيهية، ما يعكس انتقال الضربات من استهدافات ذات طابع عسكري إلى ضرب مساحات يستخدمها مدنيون بشكل يومي. وسرعان ما انسحب أثر الغارة على المدينة ومحيطها، فأقفلت المدارس أبوابها وشهد المخيم إضرابا عاما، في انعكاس مباشر لحجم الصدمة التي أصابت البيئة المدنية».

وأضاف الخبير: «ومع استهداف سيارة في بلدة الطيري الحدودية وإصابة حافلة خلفها كانت تقل طلابا، بدا أن المشهد يتكرر بالنمط نفسه، حيث يتحول المدنيون إلى جزء من بنك الأهداف، سواء بشكل مباشر أو عبر نتائج جانبية محسوبة ضمن هامش الخسائر التي باتت إسرائيل تتعامل معها كأمر اعتيادي. هذا التطور يعيد إلى الواجهة المقارنة بين ما التزمت به إسرائيل في تفاهم أبريل 1996 لجهة تحييد المدنيين، وما يجري اليوم من ضربات لا تكترث لهذا المبدأ ولا للمناشدات الدولية المرتبطة به».

وأوضح «ان هذا السلوك يضع لبنان أمام معادلة شديدة التعقيد، إذ تتعامل الدولة مع التزامات القرار 1701 واتفاق وقف العمليات الحربية، فيما تتوسع إسرائيل في الخروقات التي تطاول المنازل والمركبات المدنية والبنى الحيوية في القرى الجنوبية. ويأتي ذلك في ظل تراجع فعالية الآلية الدولية المعروفة بـ«الميكانيزم»، والتي كانت تضطلع بدور أساسي في ضبط الانتهاكات وتدوينها واحتوائها، لكنها تبدو اليوم عاجزة عن فرض أي ضوابط أو ردع حقيقي».

وأشار إلى انه «لا تقتصر التداعيات على البعد الإنساني أو القانوني فحسب، بل تتعداهما إلى رسائل سياسية وأمنية متعددة المستويات. فاستهداف مخيم عين الحلوة، بحسب القراءة العسكرية، يأتي ضمن سياق تعامل إسرائيلي تقليدي مع المخيمات باعتبارها بيئات يجب ضربها وإضعافها، وهو امتداد للنهج ذاته في الضفة الغربية وغزة. كما يحمل الاستهداف دلالات تجاه الدولة اللبنانية لجهة إبراز استمرار وجود السلاح داخل المخيمات، وتاليا التشكيك في قدرة المؤسسات اللبنانية على فرض سيادتها في هذه البقع الحساسة».

ولفت إلى ان «ضربة الطيري، وما رافقها من إصابة طلاب، تسلك مسار الضغط النفسي على المجتمع الجنوبي، عبر استهدافات تطال الحركة اليومية والبنى المدنية، بما يجعل الخوف جزءا من الحياة اليومية. وتتقاطع هذه الرسائل مع ضغوط أخرى تمارسها جهات دولية على لبنان، بينها إجراءات مرتبطة بالمراقبة العسكرية والتفتيش الميداني داخل القرى الجنوبية تحت عنوان تعزيز آليات الضبط».

وهكذا، يتضح أن الهجمات الأخيرة لا تشكل فقط خرقا إضافيا للسيادة اللبنانية أو تصعيدا محدودا، بل هي جزء من مرحلة جديدة تتحرر فيها إسرائيل من القيود التي أرساها تفاهم 1996، وتعيد تعريف الخطوط التي تضبط المواجهة. وفي ظل غياب موقف دولي قادر على الحد من هذا المسار، تبقى الساحة اللبنانية أمام اختبار دقيق يتطلب تحصين الداخل سياسيا وأمنيا، والعمل على بناء مظلة ضغط فعال لوقف الانزلاق نحو نمط أكثر خشونة، يضع المدنيين في واجهة النار من جديد.