“ليونة” ميشال عيسى.. أخطر أنواع الدبلوماسية

الخريطة الأميركية الموضوعة أمام السفير ميشال عيسى تتضمّن استكمال المرحلة الأولى مننزع السلاح تمامًا من يد “الحزب” وحصره بالدولة في منطقة جنوب الليطاني، لتبدأ فورًا المرحلة الثانية، التي تُعتبر الأخطر والأكثر جرأة، أي تنظيف محافظتَيْ الجنوب والنبطية بالكامل من السلاح، بضمانة “الميكانيزم”، والانتقال إلى بيروت وجبل لبنان والبقاع والشمال.
منذ لحظة وصوله إلى عوكر، والهمس في الصالونات السياسية اللبنانية لا يتوقّف عن “ميزات” السفير الأميركي الجديد ميشال عيسى. فهو اللبناني الجذور، الفرانكوفوني الهوى، والصديق اللصيق لدونالد ترامب. وفي البداية، ظنّ أرباب المماطلة المألوفة، أيّ جماعة “المنظومة”، أنّهم سيتمكّنون من “تزحيط” هذه النسخة الجديدة من الوسطاء، كما “زحّطوا” الكثيرين من قبل، أو تمكّنوا من استيعابهم إمّا بـ”كرم الضيافة” البروتوكولية أحيانًا، وإمّا بإغراقهم في زواريب التفاصيل اللبنانية المملة. ولكن، سرعان ما بدأت اليوم تتكشّف الحقائق. فالسفير عيسى الذي يبدو متأنّيًا، ويرتدي قفّازًا مخمليًّا، يخفي في الواقع تحت هذا القفاز قبضة حديدية.
في الترتيب، ميشال عيسى هو الأميركي الثالث الذي جاء يتعاطى مع ملف اتفاق وقف النار المبرم في تشرين الثاني 2024 ومسألة نزع سلاح “حزب الله”، بعد مورغان أورتاغوس، ثم توم باراك. واليوم، تتفرّغ أورتاغوس للجانب التقني والميداني في “ميكانيزم الناقورة”، وعلى الحدود مع إسرائيل، فيما باراك يتعاطى الشأن البعيد نسبيًّا، اللبناني – السوري – التركي مع إسرائيل. وأمّا عيسى فيتولّى هندسة الاتصالات الداخلية في لبنان، سعيًا إلى تحقيق ما يمكن وصفه بـ”الاستسلام الدبلوماسي” للدولة اللبنانية، أي لـ”حزب الله” واقعيًّا. ويبدو أنّ إدارة ترامب رسمت لكل من الثلاثة دورًا يُلائم شخصيته.
صحيح أنّ باراك أيضًا لبناني الجذور، لكنّه لم يتمكن من إدراك “شيفرة” اللبنانيين فعلًا ولا إتقان لغتهم. وأمّا ميشال عيسى فلا يحتاج إلى مترجم، لا للغة ولا للطباع. هو مثلًا يدرك تمامًا كيف يوزّع الابتسامات في عين التينة، ويُغازل الواقع الشيعي بليونة مدروسة. لكنّ هذه “النعومة” ليست على الأرجح سوى “مُخدّر موضعي” للعملية الجراحية الكبرى الجارية، والتي لا بدّ من استكمالها في لبنان.
في العمق، الرسالة التي يحملها عيسى واضحة: انتهى الزمن الذي يلعب فيه اللبنانيون على التناقضات. والمُماطلة التي نجحوا فيها سابقًا لم يعد لها مكان. فالخطة الموضوعة على الطاولة في عوْكر متكاملة، وتنتهي بنزع سلاح “الحزب” من لبنان كله. والبداية هي جنوب الليطاني. وهذه الخطّة هي اليوم على وشك الانطلاق بمرحلتها الثانية: بين الليطاني والأوّلي. وهذه المرحلة ستجعل جبل لبنان وبيروت مطوّقين عمليًّا، تحضيرًا لنزع السلاح منهما، أي من الضاحية الجنوبية خصوصًا، في المرحلة الثالثة. ووفق هذه الخطة، التي تعهدت بها الدولة وتلقّى الأميركيون نسخةً منها، ليس أمام السلاح سوى خيار واحد: أن يصبح في يد الدولة بكامله، أو أن يتمّ تدميره في مكانه.
وبهذا المعنى، تكون “ليونة” ميشال عيسى أخطر أنواع الدبلوماسية وأكثرها براعة، لأنّها تقوم على مبدأ الليونة لسحب الذرائع، بحيث يأتي توجيه الضربة أمرًا لا يمكن ردّه. وعندما سيقول عيسى “انتهت المهلة”، لن يكون لدى أحد أي مبرّر ليدافع عن السلاح، أي لن يكون هناك مجال للعودة إلى الوراء.
ولذلك، ومنعًا لسوء التقدير، هذه “النعومة” الدبلوماسية لا يجوز أن تُنْسِيَ الحكومة اللبنانية و”حزب الله” أنّ السفير عيسى ليس سوى رجل أميركا المعتمد في لبنان، وهو مكلف بتنفيذ خططها بإتقان في النهاية. وعلى الدولة اللبنانية و”حزب الله” أن يدركا أنّ المماطلة لم تعد ورقةً رابحةً، وأنّ الخريطة الأميركية الموضوعة أمام عيسى تتضمّن التزام برنامج واضح وحاسم، لا بدّ من استكمال مرحلته الأولى في هذه اللحظة، أي نزع السلاح تمامًا من يد “الحزب” وحصره بالدولة في منطقة جنوب الليطاني، لتبدأ فورًا المرحلة الثانية، التي تُعتبر الأخطر والأكثر جرأة، والتي حدّد ملامحها رئيس الحكومة نواف سلام بما بين النهرَيْن الليطاني والأوّلي، أي بتنظيف محافظتَيْ الجنوب والنبطية بالكامل من السلاح، بضمانة الميكانيزم، والانتقال إلى بيروت وجبل لبنان والبقاع والشمال.
ويقول بعض العارفين إنّ تفهّم ميشال عيسى للواقع اللبناني المعقّد سياسيًا وطائفيًا ينطلق من “فهم دبلوماسي” عميق يُتيح له معرفة متى يشد حبال اللعبة ومتى يرخيها. وثمّة من يقول: لا تنخدعوا بابتسامات السفير في الصالونات. فخلفها قرار أميركي مُبرم بتغيير قواعد اللعبة في لبنان. وهذه هي “الدبلوماسية الناعمة” التي يقودها، والتي ربما تكون بمثابة الهدوء الذي يسبق العاصفة، إذا لم يفهم اللبنانيون ما عليهم القيام به. فهل تلتقط الحكومة و”الحزب” هذه الإشارة قبل أن يُعلن السفير الناعم أن “وقت الجدّ” قد بدأ؟.
“ليونة” ميشال عيسى.. أخطر أنواع الدبلوماسية

الخريطة الأميركية الموضوعة أمام السفير ميشال عيسى تتضمّن استكمال المرحلة الأولى مننزع السلاح تمامًا من يد “الحزب” وحصره بالدولة في منطقة جنوب الليطاني، لتبدأ فورًا المرحلة الثانية، التي تُعتبر الأخطر والأكثر جرأة، أي تنظيف محافظتَيْ الجنوب والنبطية بالكامل من السلاح، بضمانة “الميكانيزم”، والانتقال إلى بيروت وجبل لبنان والبقاع والشمال.
منذ لحظة وصوله إلى عوكر، والهمس في الصالونات السياسية اللبنانية لا يتوقّف عن “ميزات” السفير الأميركي الجديد ميشال عيسى. فهو اللبناني الجذور، الفرانكوفوني الهوى، والصديق اللصيق لدونالد ترامب. وفي البداية، ظنّ أرباب المماطلة المألوفة، أيّ جماعة “المنظومة”، أنّهم سيتمكّنون من “تزحيط” هذه النسخة الجديدة من الوسطاء، كما “زحّطوا” الكثيرين من قبل، أو تمكّنوا من استيعابهم إمّا بـ”كرم الضيافة” البروتوكولية أحيانًا، وإمّا بإغراقهم في زواريب التفاصيل اللبنانية المملة. ولكن، سرعان ما بدأت اليوم تتكشّف الحقائق. فالسفير عيسى الذي يبدو متأنّيًا، ويرتدي قفّازًا مخمليًّا، يخفي في الواقع تحت هذا القفاز قبضة حديدية.
في الترتيب، ميشال عيسى هو الأميركي الثالث الذي جاء يتعاطى مع ملف اتفاق وقف النار المبرم في تشرين الثاني 2024 ومسألة نزع سلاح “حزب الله”، بعد مورغان أورتاغوس، ثم توم باراك. واليوم، تتفرّغ أورتاغوس للجانب التقني والميداني في “ميكانيزم الناقورة”، وعلى الحدود مع إسرائيل، فيما باراك يتعاطى الشأن البعيد نسبيًّا، اللبناني – السوري – التركي مع إسرائيل. وأمّا عيسى فيتولّى هندسة الاتصالات الداخلية في لبنان، سعيًا إلى تحقيق ما يمكن وصفه بـ”الاستسلام الدبلوماسي” للدولة اللبنانية، أي لـ”حزب الله” واقعيًّا. ويبدو أنّ إدارة ترامب رسمت لكل من الثلاثة دورًا يُلائم شخصيته.
صحيح أنّ باراك أيضًا لبناني الجذور، لكنّه لم يتمكن من إدراك “شيفرة” اللبنانيين فعلًا ولا إتقان لغتهم. وأمّا ميشال عيسى فلا يحتاج إلى مترجم، لا للغة ولا للطباع. هو مثلًا يدرك تمامًا كيف يوزّع الابتسامات في عين التينة، ويُغازل الواقع الشيعي بليونة مدروسة. لكنّ هذه “النعومة” ليست على الأرجح سوى “مُخدّر موضعي” للعملية الجراحية الكبرى الجارية، والتي لا بدّ من استكمالها في لبنان.
في العمق، الرسالة التي يحملها عيسى واضحة: انتهى الزمن الذي يلعب فيه اللبنانيون على التناقضات. والمُماطلة التي نجحوا فيها سابقًا لم يعد لها مكان. فالخطة الموضوعة على الطاولة في عوْكر متكاملة، وتنتهي بنزع سلاح “الحزب” من لبنان كله. والبداية هي جنوب الليطاني. وهذه الخطّة هي اليوم على وشك الانطلاق بمرحلتها الثانية: بين الليطاني والأوّلي. وهذه المرحلة ستجعل جبل لبنان وبيروت مطوّقين عمليًّا، تحضيرًا لنزع السلاح منهما، أي من الضاحية الجنوبية خصوصًا، في المرحلة الثالثة. ووفق هذه الخطة، التي تعهدت بها الدولة وتلقّى الأميركيون نسخةً منها، ليس أمام السلاح سوى خيار واحد: أن يصبح في يد الدولة بكامله، أو أن يتمّ تدميره في مكانه.
وبهذا المعنى، تكون “ليونة” ميشال عيسى أخطر أنواع الدبلوماسية وأكثرها براعة، لأنّها تقوم على مبدأ الليونة لسحب الذرائع، بحيث يأتي توجيه الضربة أمرًا لا يمكن ردّه. وعندما سيقول عيسى “انتهت المهلة”، لن يكون لدى أحد أي مبرّر ليدافع عن السلاح، أي لن يكون هناك مجال للعودة إلى الوراء.
ولذلك، ومنعًا لسوء التقدير، هذه “النعومة” الدبلوماسية لا يجوز أن تُنْسِيَ الحكومة اللبنانية و”حزب الله” أنّ السفير عيسى ليس سوى رجل أميركا المعتمد في لبنان، وهو مكلف بتنفيذ خططها بإتقان في النهاية. وعلى الدولة اللبنانية و”حزب الله” أن يدركا أنّ المماطلة لم تعد ورقةً رابحةً، وأنّ الخريطة الأميركية الموضوعة أمام عيسى تتضمّن التزام برنامج واضح وحاسم، لا بدّ من استكمال مرحلته الأولى في هذه اللحظة، أي نزع السلاح تمامًا من يد “الحزب” وحصره بالدولة في منطقة جنوب الليطاني، لتبدأ فورًا المرحلة الثانية، التي تُعتبر الأخطر والأكثر جرأة، والتي حدّد ملامحها رئيس الحكومة نواف سلام بما بين النهرَيْن الليطاني والأوّلي، أي بتنظيف محافظتَيْ الجنوب والنبطية بالكامل من السلاح، بضمانة الميكانيزم، والانتقال إلى بيروت وجبل لبنان والبقاع والشمال.
ويقول بعض العارفين إنّ تفهّم ميشال عيسى للواقع اللبناني المعقّد سياسيًا وطائفيًا ينطلق من “فهم دبلوماسي” عميق يُتيح له معرفة متى يشد حبال اللعبة ومتى يرخيها. وثمّة من يقول: لا تنخدعوا بابتسامات السفير في الصالونات. فخلفها قرار أميركي مُبرم بتغيير قواعد اللعبة في لبنان. وهذه هي “الدبلوماسية الناعمة” التي يقودها، والتي ربما تكون بمثابة الهدوء الذي يسبق العاصفة، إذا لم يفهم اللبنانيون ما عليهم القيام به. فهل تلتقط الحكومة و”الحزب” هذه الإشارة قبل أن يُعلن السفير الناعم أن “وقت الجدّ” قد بدأ؟.














