تعاون روسيا وإيران: تباين في سوريا ولبنان

يكاد لا يمرّ أسبوع من دون أن يشهد الإقليم حدثاً يحمل علامات الضعف والعزلة لطهران. يرفض قادتها التسليم بما تسبّبت به الضربات الأميركيّة الإسرائيليّة من خسائر لقدراتها العسكريّة في حزيران الماضي. يحاولون الالتفاف على الحصار وعلى تجاهل أميركا أوراقها التفاوضيّة. لجوؤها إلى روسيا أحد الأبواب. لكنّ الأخيرة تتصرّف وفق معادلة تقول: “لا مصلحة بانهيار إيران، إنّما يجب التعامل معها بحذر”. والحذر متبادَل.
آخِرة الوقائع المعبّرة التي يجرِّدُ تراكمها طهران من أوراقها الإقليميّة القصف الأميركيّ المباشر الخميس الماضي لمواقع “داعش” في دير الزور السوريّة، بالتعاون مع حكّام دمشق الجدد والأردن.
سحب ذريعة محاربة “داعش”
يُبطِلُ ذلك سرديّة طهران لتبرير تدخّلاتها الإقليميّة واحتفاظ “الحزب” والفصائل الولائيّة العراقيّة بسلاحها تحت ذريعة محاربة “داعش”. بات نظام أحمد الشرع، الذي يثير “الحزب” ومعه طهران المخاوف من استهدافه لبنان والعراق، يتولّى المهمّة بالتنسيق مع الأميركيّين ودول الجوار. تنسّق القوّات العراقيّة معها عمليّاتها ضدّ “تنظيم الدولة الإسلاميّة” داخل سوريا.
تتخبّط قيادة إيران في استدراك تراجعها الإقليميّ: هل يكون من الداخل بمعالجة الاقتصاد الذي تزيده العقوبات الأميركيّة الأوروبيّة تهالكاً أم من خلال فتح كوّة في الخارج بالتفاوض مع أميركا أم من الاثنين معاً؟
قلق طهران من المفاوضات المتعلّقة بأوكرانيا؟
إحدى خلفيّات زيارة وزير الخارجيّة عبّاس عراقجي لموسكو الأربعاء الماضي قلق بعض الأوساط القريبة من الدوائر العليا في طهران، وأخرى من الإصلاحيّين، من التقارب الأميركيّ – الروسيّ في الصيغ المطروحة لوقف حرب أوكرانيا. في وقت اعتمدت طهران على الدعم الروسيّ لموقفها في المفاوضات في الملفّ النوويّ، توجّست هذه الأوساط ممّا سمّته “اتّفاقات الدول الكبرى على حساب الدول الصغرى” على المسرح الدوليّ.
وفق المعطيات الواردة من موسكو لـ”أساس”، سعى وزير الخارجيّة الروسيّ سيرغي لافروف إلى طمأنة عراقجي في الغرف المغلقة وفي المؤتمر الصحافيّ المشترك إلى وقوف بلاده إلى جانب حقّ طهران في برنامجها النوويّ السلميّ. شاركت بلاده في بناء محطّتين نوويّتين لإنتاج الكهرباء فيها. جدّد لافروف تأكيد حقّها في تخصيب اليورانيوم بنسبة 3.65 في المئة، ومعارضة روسيا العقوبات “الأحاديّة” عليها بموجب “السناب باك”.
مواجهة العقوبات مصلحة مشتركة
احتاجت القيادة الإيرانيّة إلى ضمان وقوف موسكو بجانبها، وهي حليفتها في إطار معاهدة “الشراكة الاستراتيجيّة” (وُقِّعت مطلع 2025). هذا على الرغم من أنّها لطالما كانت تعتبر أنّ موسكو تُحالفُها وتدعم حليفها نظام بشّار الأسد “على أساس المصلحة” القابلة للتعديل، فيما هي تدعمه عن “عقيدة وإيمان”. تستفيد موسكو تكتيكيّاً من حاجة البلدين إلى التعاون ضدّ العقوبات، وهو ما رفع التبادل التجاريّ بينهما بقفزات سريعة.
لطالما رأت موسكو في هذا التعاون دفعاً لتطلّعها إلى التعدّديّة القطبيّة على الصعيد العالميّ، بالاشتراك مع الصين. وترى في مشروعَيْ إقامة خطّين، الأوّل بحريّ من ميناء جابهار شرق إيران عبر المحيط الهندي نحو ميناء بومباي الهنديّ، والآخر برّيّ من خلال سكّة حديد من إيران إلى القوقاز، أفغانستان، باكستان، وصولاً للهند، مصلحة فائقة الأهميّة اقتصاديّاً.
لا يحجب دعم روسيا لإيران في الملفّ النوويّ تمايزها عنها بمجالات عدّة، منها:
– مع تأييدها انتقاد إيران الوكالة الدوليّة للطاقة الذريّة، لامتناعها عن إدانة الضربات الأميركيّة – الإسرائيليّة لمواقعها النوويّة، كرّر لافروف نصح عراقجي بضرورة التعاون مع الوكالة. لا ينوي الكرملين استفزاز دونالد ترامب لأنّ مشروعه للسلام في أوكرانيا منح روسيا الإبقاء على سيطرتها على أراضٍ أوكرانيّة احتلّتها، لا سيما إقليم الدونباس وشبه جزيرة القرم. لذلك يتردّد حيال طلب إيران تزويدها بصواريخ “إس 400” الدفاعيّة الجوّية وبطائرات “سو 35”. إذ إنّ في الأفق إمكان تعاون استثماريّ مع واشنطن في ثروات القطب الشماليّ.
– جدّد لافروف لعراقجي النصيحة التي أسداها الكرملين إلى طهران، قبل حرب الـ12 يوماً بالعمل على تسوية مع إدارة دونالد ترامب بشأن النوويّ.
أفاد المتّصلون بموسكو “أساس” بأنّ التقارير الواردة منها كشفت أنّها نقلت لعراقجي رسالة من إسرائيل بأنّها لا تريد حرباً مع إيران لكنّها تدعوها إلى ضمان أمن حدودها والقبول بالرقابة على النوويّ. بالمقابل عبّر الوزير الإيرانيّ عن الخشية من أنّ تل أبيب تواصل التعبئة العسكريّة ضدّها.
صدقت هذه الخشية بعد زيارة عراقجي، إذ سرّب بنيامين نتنياهو عبر شبكة “إن بي سي” الأميركيّة بأنّه يحمل معه إلى لقائه مع ترامب في 29 الجاري ملفّاً استخباريّاً عن تسارع إنتاج طهران للصواريخ البالستيّة وإعادة بناء المواقع النوويّة التي قُصِفت وخططاً لتوجيه ضربات جديدة لبرامجها لعلّه يحصل على ضوء أخضر.
أبدى لافروف استعداداً لطرح المخاوف الإيرانيّة على المسؤولين الأميركيّين، ونقل رغبة طهران في العودة إلى المفاوضات. اجتمع كيريل ديمترييف الموفد الرئاسيّ الروسيّ إلى المحادثات مع أميركا بشأن أوكرانيا إلى موفد ترامب ستيف ويتكوف في ميامي الخميس والجمعة الماضيَين.
تباين في سوريا… وحيال سحب سلاح “الحزب”
– تدعو القيادة الروسيّة نظيرتها الإيرانيّة إلى اعتماد سياسة غير عدائيّة حيال حكّام دمشق الجدد. تراقب التدخّلات الإيرانيّة مع الجهات الموالية للنظام الساقط وبعض الأكراد والعلويّين، وتهريب السلاح عبر سوريا إلى لبنان. احتفظت روسيا بقاعدتَي حميميم الجوّية وطرطوس البحريّة بموافقة النظام الجديد، الذي يسعى إلى تأهيل وتسليح الجيش السوريّ بالتعاون معها، والكرملين ضدّ تقويض وحدة سوريا بالصراعات المذهبيّة وتحريك الأقليّات تفادياً لانعكاساتهما عليه في الجمهوريّات الإسلاميّة في الاتّحاد الروسيّ. وهما مصلحة تركيّة يأخذها في الاعتبار، ويتجنّب الانجرار إلى الصراعات الإقليميّة الإيرانيّة، خصوصاً مع إسرائيل.
– كرّر لافروف الدعوة إلى مساهمة طهران في دعوة “الحزب” إلى الليونة مع قرار الحكومة اللبنانيّة بحصريّة السلاح. تهتمّ موسكو بتجنيب لبنان المزيد من التصعيد الإسرائيليّ، بالتوازي مع قول سفيرها في بيروت ألكسندر روداكوف (18 تشرين الأوّل الماضي): “القرار 1701 حظي بدعم جميع اللبنانيّين، بمن فيهم قيادة “الحزب” التي لا بدّ أن تقطع طريقاً طويلاً من التحوّل من حركة عسكريّة إلى قوّة سياسيّة بحتة”.
تعاون روسيا وإيران: تباين في سوريا ولبنان

يكاد لا يمرّ أسبوع من دون أن يشهد الإقليم حدثاً يحمل علامات الضعف والعزلة لطهران. يرفض قادتها التسليم بما تسبّبت به الضربات الأميركيّة الإسرائيليّة من خسائر لقدراتها العسكريّة في حزيران الماضي. يحاولون الالتفاف على الحصار وعلى تجاهل أميركا أوراقها التفاوضيّة. لجوؤها إلى روسيا أحد الأبواب. لكنّ الأخيرة تتصرّف وفق معادلة تقول: “لا مصلحة بانهيار إيران، إنّما يجب التعامل معها بحذر”. والحذر متبادَل.
آخِرة الوقائع المعبّرة التي يجرِّدُ تراكمها طهران من أوراقها الإقليميّة القصف الأميركيّ المباشر الخميس الماضي لمواقع “داعش” في دير الزور السوريّة، بالتعاون مع حكّام دمشق الجدد والأردن.
سحب ذريعة محاربة “داعش”
يُبطِلُ ذلك سرديّة طهران لتبرير تدخّلاتها الإقليميّة واحتفاظ “الحزب” والفصائل الولائيّة العراقيّة بسلاحها تحت ذريعة محاربة “داعش”. بات نظام أحمد الشرع، الذي يثير “الحزب” ومعه طهران المخاوف من استهدافه لبنان والعراق، يتولّى المهمّة بالتنسيق مع الأميركيّين ودول الجوار. تنسّق القوّات العراقيّة معها عمليّاتها ضدّ “تنظيم الدولة الإسلاميّة” داخل سوريا.
تتخبّط قيادة إيران في استدراك تراجعها الإقليميّ: هل يكون من الداخل بمعالجة الاقتصاد الذي تزيده العقوبات الأميركيّة الأوروبيّة تهالكاً أم من خلال فتح كوّة في الخارج بالتفاوض مع أميركا أم من الاثنين معاً؟
قلق طهران من المفاوضات المتعلّقة بأوكرانيا؟
إحدى خلفيّات زيارة وزير الخارجيّة عبّاس عراقجي لموسكو الأربعاء الماضي قلق بعض الأوساط القريبة من الدوائر العليا في طهران، وأخرى من الإصلاحيّين، من التقارب الأميركيّ – الروسيّ في الصيغ المطروحة لوقف حرب أوكرانيا. في وقت اعتمدت طهران على الدعم الروسيّ لموقفها في المفاوضات في الملفّ النوويّ، توجّست هذه الأوساط ممّا سمّته “اتّفاقات الدول الكبرى على حساب الدول الصغرى” على المسرح الدوليّ.
وفق المعطيات الواردة من موسكو لـ”أساس”، سعى وزير الخارجيّة الروسيّ سيرغي لافروف إلى طمأنة عراقجي في الغرف المغلقة وفي المؤتمر الصحافيّ المشترك إلى وقوف بلاده إلى جانب حقّ طهران في برنامجها النوويّ السلميّ. شاركت بلاده في بناء محطّتين نوويّتين لإنتاج الكهرباء فيها. جدّد لافروف تأكيد حقّها في تخصيب اليورانيوم بنسبة 3.65 في المئة، ومعارضة روسيا العقوبات “الأحاديّة” عليها بموجب “السناب باك”.
مواجهة العقوبات مصلحة مشتركة
احتاجت القيادة الإيرانيّة إلى ضمان وقوف موسكو بجانبها، وهي حليفتها في إطار معاهدة “الشراكة الاستراتيجيّة” (وُقِّعت مطلع 2025). هذا على الرغم من أنّها لطالما كانت تعتبر أنّ موسكو تُحالفُها وتدعم حليفها نظام بشّار الأسد “على أساس المصلحة” القابلة للتعديل، فيما هي تدعمه عن “عقيدة وإيمان”. تستفيد موسكو تكتيكيّاً من حاجة البلدين إلى التعاون ضدّ العقوبات، وهو ما رفع التبادل التجاريّ بينهما بقفزات سريعة.
لطالما رأت موسكو في هذا التعاون دفعاً لتطلّعها إلى التعدّديّة القطبيّة على الصعيد العالميّ، بالاشتراك مع الصين. وترى في مشروعَيْ إقامة خطّين، الأوّل بحريّ من ميناء جابهار شرق إيران عبر المحيط الهندي نحو ميناء بومباي الهنديّ، والآخر برّيّ من خلال سكّة حديد من إيران إلى القوقاز، أفغانستان، باكستان، وصولاً للهند، مصلحة فائقة الأهميّة اقتصاديّاً.
لا يحجب دعم روسيا لإيران في الملفّ النوويّ تمايزها عنها بمجالات عدّة، منها:
– مع تأييدها انتقاد إيران الوكالة الدوليّة للطاقة الذريّة، لامتناعها عن إدانة الضربات الأميركيّة – الإسرائيليّة لمواقعها النوويّة، كرّر لافروف نصح عراقجي بضرورة التعاون مع الوكالة. لا ينوي الكرملين استفزاز دونالد ترامب لأنّ مشروعه للسلام في أوكرانيا منح روسيا الإبقاء على سيطرتها على أراضٍ أوكرانيّة احتلّتها، لا سيما إقليم الدونباس وشبه جزيرة القرم. لذلك يتردّد حيال طلب إيران تزويدها بصواريخ “إس 400” الدفاعيّة الجوّية وبطائرات “سو 35”. إذ إنّ في الأفق إمكان تعاون استثماريّ مع واشنطن في ثروات القطب الشماليّ.
– جدّد لافروف لعراقجي النصيحة التي أسداها الكرملين إلى طهران، قبل حرب الـ12 يوماً بالعمل على تسوية مع إدارة دونالد ترامب بشأن النوويّ.
أفاد المتّصلون بموسكو “أساس” بأنّ التقارير الواردة منها كشفت أنّها نقلت لعراقجي رسالة من إسرائيل بأنّها لا تريد حرباً مع إيران لكنّها تدعوها إلى ضمان أمن حدودها والقبول بالرقابة على النوويّ. بالمقابل عبّر الوزير الإيرانيّ عن الخشية من أنّ تل أبيب تواصل التعبئة العسكريّة ضدّها.
صدقت هذه الخشية بعد زيارة عراقجي، إذ سرّب بنيامين نتنياهو عبر شبكة “إن بي سي” الأميركيّة بأنّه يحمل معه إلى لقائه مع ترامب في 29 الجاري ملفّاً استخباريّاً عن تسارع إنتاج طهران للصواريخ البالستيّة وإعادة بناء المواقع النوويّة التي قُصِفت وخططاً لتوجيه ضربات جديدة لبرامجها لعلّه يحصل على ضوء أخضر.
أبدى لافروف استعداداً لطرح المخاوف الإيرانيّة على المسؤولين الأميركيّين، ونقل رغبة طهران في العودة إلى المفاوضات. اجتمع كيريل ديمترييف الموفد الرئاسيّ الروسيّ إلى المحادثات مع أميركا بشأن أوكرانيا إلى موفد ترامب ستيف ويتكوف في ميامي الخميس والجمعة الماضيَين.
تباين في سوريا… وحيال سحب سلاح “الحزب”
– تدعو القيادة الروسيّة نظيرتها الإيرانيّة إلى اعتماد سياسة غير عدائيّة حيال حكّام دمشق الجدد. تراقب التدخّلات الإيرانيّة مع الجهات الموالية للنظام الساقط وبعض الأكراد والعلويّين، وتهريب السلاح عبر سوريا إلى لبنان. احتفظت روسيا بقاعدتَي حميميم الجوّية وطرطوس البحريّة بموافقة النظام الجديد، الذي يسعى إلى تأهيل وتسليح الجيش السوريّ بالتعاون معها، والكرملين ضدّ تقويض وحدة سوريا بالصراعات المذهبيّة وتحريك الأقليّات تفادياً لانعكاساتهما عليه في الجمهوريّات الإسلاميّة في الاتّحاد الروسيّ. وهما مصلحة تركيّة يأخذها في الاعتبار، ويتجنّب الانجرار إلى الصراعات الإقليميّة الإيرانيّة، خصوصاً مع إسرائيل.
– كرّر لافروف الدعوة إلى مساهمة طهران في دعوة “الحزب” إلى الليونة مع قرار الحكومة اللبنانيّة بحصريّة السلاح. تهتمّ موسكو بتجنيب لبنان المزيد من التصعيد الإسرائيليّ، بالتوازي مع قول سفيرها في بيروت ألكسندر روداكوف (18 تشرين الأوّل الماضي): “القرار 1701 حظي بدعم جميع اللبنانيّين، بمن فيهم قيادة “الحزب” التي لا بدّ أن تقطع طريقاً طويلاً من التحوّل من حركة عسكريّة إلى قوّة سياسيّة بحتة”.











